طباعة هذه الصفحة

لا وجود لتعاون أمنى بين دول المغرب العربي

اتفاقات فردية مع الاتحاد الأوروبي ضربت الوحدة المغاربية

فتيحة كلواز

 الجريمة المنظمة والهجرة غير الشرعية أبرز تهديدات المنطقة  

الحسابات الضيّقة حرمت الشعوب من تجسيد الوحدة

 على الرغم من التحديات الجيوسياسية وتهديد الجريمة المنظمة العابرة للحدود، لم تستطع دول المغرب العربي من إقامة تعاون أمني بينها، يسمح لها بتفادي أثار حرب سيبريانية سلاحها الوحيد المعلومة الإلكترونية، حيث تعيش الدول الخمس حالة تشبه تفاصيلها حالة المريض في العناية المركزة، على ضوء تعقيدات في العلاقات الدبلوماسية سببها فشلها في تجاوز الحسابات السياسات الضيقة للمرور إلى إرساء المعادلة الاقتصادية الناجعة باستغلال كل الثروات الطبيعية، الموارد البشرية والموقع الاستراتيجي.
 نفى رئيس مجلس الشورى لاتحاد المغرب العربي سعيد مقدم، عند نزوله ضيفا على منتدى «الشعب»، وجود تعاون أمني بين دول المغرب العربي، ما يطرح أكثر من سؤال حول سبب غيابه، خاصة وأن المنطقة تعرف تحديات إقليمية في الجهتين الشرقية والجنوبية، ما يتطلب تنسيقا أمنيا بينها لمنع أي انفلات للأمور أو تحول أراضيها إلى منطقة عبور للهجرة غير الشرعية، والمنظمات الإرهابية والإجرامية، وكذا منظمات الاتجار بالبشر والمخدرات أو ما يعرف باسم الجريمة المنظمة.

غياب الثقة قتل مشروع «تكتل» في المهد

تغييب منطق المصلحة العامة، بسبب غياب الثقة بين الدول الخمس، بحسب مقدم، حوّل اتحاد المغرب العربي إلى حلم يصعب تحقيقه في كل يوم يمر، وفي كل مرة تزداد فيها التكتلات بين مختلف الدول الباحثة عن شراكات استراتيجية لتقوية اقتصادياتها لتفادي انهيارها أمام تغوّل الدول الكبرى اقتصاديا وأمنيا.
الغريب أن تلك الدول لا تمتلك نفس عوامل الاتفاق والتلاقي، كما تملكها دول المغرب العربي، فلا التاريخ المشترك ولا الجغرافيا ولا صلة الدم استطاعت تذويب الجليد السميك بينها.
تقف الحسابات الضيقة حائلا بين شعوب المنطقة العاجزة تماما عن فهم سبب تعطل مشروع اتحاد المغرب العربي، لأنها تؤمن بكل جوارحها أن الدم صلة أكبر من أي منطق كان، وأن وجود عائلات في الدول الخمس لها نفس الإسم، على الرغم من أن لكل واحدة منها جنسية منفصلة عن الأخرى، لكن سواء كانت تونسية أو ليبية أو جزائرية أو مغربية أو صحراء غربية أو موريتانية، تعتبر نفسها كلاًّ واحدا لا تفرقه حدود جغرافية.
في ذات السياق، فرض المتغير الأمني نفسه كعامل مشترك بين مختلف الدول الخمس، إلا أنه عجز عن وضع حد للفرقة الحاصلة على مستوى الرؤى السياسية وعدم استطاعتها إيجاد أنموذج مثالي لصورة «الاتحاد» أو التكتل، فكانت المصلحة الشخصية أو ضرب الآخر، الذي هو في الحقيقة جار وشقيق، لصالح دول أجنبية عدوة لهما، هو السائد بينها، وهو ما يقف حجر عثرة أمام اتحادها وقلب الصفحة لصالح تكتل مغاربي سياسي واقتصادي، المستفيد الأول منه شعوب المنطقة التي تعاني بسبب هشاشة اقتصاديات دولها، وعدم اندماجها في خطة مشتركة.
وتؤكد معالم الاقتصاد الدولي اليوم، أن التكتلات الاقتصادية هي الفيصل في صناعة قوة عالمية، ولولا ذلك لما كانت الخيار الأمثل لكثير من الأنظمة السياسية، أولها دول الاتحاد الأوروبي التي جعلت من القارة العجوز قوة اقتصادية وإقليمية مؤثرة في مختلف القضايا العالمية. لكن يبقى الحديث اليوم عن تكتل اقتصادي مغاربي يقابله دائما حديث عن معوقات كبيرة تبقي عليه مجرد حلم صعب التحقيق على أرض الواقع، فلن تكفي الحميّة أو الدم لاشتعال مشروع خمدت ناره وقوته في المهد.
فلم تمر أربع سنوات على تأسيسه حتى أغلقت الحدود بين الجزائر والمغرب بسبب تصريحات مغربية غير محسوبة العواقب. وقبل أن يتم الاتفاق التأسيسي العشر سنوات أقامت كل من تونس والمغرب بصفة فردية اتفاقيات شراكة مع الاتحاد الأوروبي، فضربت التكتل لمواجهة الاقتصاديات الكبرى باسم المنطقة الحرة عرض الحائط، ليحدث خلل في التوازنات الكبرى للمنطقة وجعلها لقمة سائغة بين فكي أطماع الدول الكبرى التي غيّرت تعريف استعمارها للدول، حيث اكتفت باستعمال جيوش إلكترونية تعمل بكل ما تملكه من تكنولوجيا لإبقاء الحال على ما هو عليه، لأن الذئب يبحث دائما عن الشاة «القاصية».

التكلفة الباهظة لحالة «لا اتحاد»

يجب أن يعلم الساسة أن التطاحنات الدبلوماسية بين الدول الخمس، على ضوء وجود جمهورية الصحراء الغربية تئنّ تحت وطأة الاستعمار المغربي ما حولها إلى قضية تصفية آخر استعمار في إفريقيا، يجعل الدول الخمس تدفع تكلفة باهظة بالنظر إلى ما تجنيه من تفرّقها وابتعادها عن الاجتماع في تكتل اقتصادي يضمن لها توازن القوى في أي تفاوض تدخله مع كبريات الاقتصاديات في العالم.