طباعة هذه الصفحة

بعد سنة من بداية فرض الحجر الصحي بسبب كورونا بالجزائر

«حجر تضامني».. بعيدا عن القيد والرّدع

خالدة بن تركي

 ابتعاده عن «الظرفية» جنّب الجزائر كارثة حقيقية

التسيير الراشد للأزمة أوقف زحف الفيروسات المتحوّرة 

استراتجية مكافحة السلالات الجديدة أساسها الوقاية

 

اعتبر الأطباء المختصون، أن حزمة الإجراءات التي أقرّتها السلطات بهدف مواجهة فيروس كورونا، جاءت في وقتها، خاصة بعد إعلان قرار غلق الحدود الذي كان فيصل في تغيير مسار الأزمة الصحية، وفي طبيعة الحجر الذي كان طويلا مقارنة ببعض الدول المتقدمة، الأمر الذي غيّر الكفة لصالحنا، وقلّص عدد الإصابات مقارنة بأوروبا.

الإجراءات والتدابير الوقائية التي أقرّتها السلطات لمجابهة أزمة كورونا تركت الحرية للمواطن من أجل تسير حجره بنفسه، أي ترك المسؤولية الأولى على عاتقه لحماية نفسه ومحيطه، في المقابل ثمّن الكثيرون الإجراءات الإستباقية التي اتخذتها مع بداية الأزمة الصّحية في بلادنا، أي شهر مارس الماضي عندما أعلن عن أوّل حجر صحي في بلادنا والذي يختلف من ولاية البليدة البؤرة عن العاصمة وباقي ربوع الوطن، إلا أنه تميز عن أوربا كونه لا يخضع «للظرفية» التي أوقعت أوروبا في أعداد رهيبة وصلت إلى ألف حالة في اليوم على غرار إيطاليا.

 الإجراءات الاستباقية جاءت بنتائج إيجابية

قال الطبيب الرئيسي بمصلحة الأمراض المعدية بمستشفى بوفاريك عبد الحفيظ قايدي، أمس، في تصريح لــ»الشعب» انه مع الإعلان عن ارتفاع الإصابات في المرحلة الأولى من الأزمة الصحية، أي من شهر مارس إلى غاية جوان تقريبا، سارعت السلطات إلى توسيع قائمة الولايات المعنية بالحجر المنزلي الجزئي إلى 28 ولاية، فيما تم فرض حظر التجوال من الساعة الثامنة ليلا لغاية الخامسة صباحا في هذه المناطق، مشيرا أن استقرار الوضعية الوبائية، اليوم، هو نتيجة التدابير الوقائية التي اتخذت في بداية الأزمة الصحية.
أوضح الدكتور قايدي، أننا استفدنا من أخطاء الدول الأوروبية في تسيير الأزمة الصحية، خاصة وأنها كانت تعتمد على الحجر «الظرفي» أي وقف التدابير فور تحسن الوضع الوبائي، الأمر الذي أدى الى نتائج وخيمة وإصابات بالآلاف في وقت كانت تواصل فيه الحكومة الممثلة في اللجنة العلمية اتخاذ جملة من التدابير الاحترازية ومن خلال منح الولاة الصلاحية في أخذ كل الإجراءات التي يرونها ناجعة للحيلولة دون ارتفاع عدد الاصابات.
وما يبرز التسيير الراشد للأزمة، غلق مناطق الاحتكاك والتجمعات على غرار القاعات الرياضية والثقافية، أماكن الترفيه ودور الشباب، فضلا عن إغلاق أسواق السيارات على المستوى الوطني لمدة 15 يوما، هي جزئيات قد تغيب عن الكثيرين، غير أن أهل الاختصاص قيّموا القرارات بالصائبة، رغم أنها كانت صعبة على المواطن الذي لم يخضع الى قيود سابقا.

تسيير المرحلة الثانية من الحجر كان أصعب

ما اتفق عليه الأطباء المختصين، أن المرحلة الثانية من الحجر الصحي، أي ابتداء من شهر جويلية كانت أصعب، لأن المواطن سئم الغلق وقرّر الخروج مع أوّل تحسن وبائي، لتخرج اللجنة العلمية بقرارات تراعي خصوصية المواطن الذي يرفض القيود والردع، أين حاولت السماح لهم بالخروج والعودة للحياة، لكن بشروط منها، التقيد بالقواعد الثلاث في الأماكن العامة الكمامات، التباعد الجسدي والتعقيم،  لأن أي غلطة قد ترجعنا لنقطة الصفر.
ولقيت الخطوة ترحيبا كبيرا من المواطنين بعد فترة إغلاق وصلت إلى خمسة أشهر، بهدف الحد من تفشي الفيروس في أوساطهم، حيث قامت أيضا  بفتح المساجد، المقاهي والحدائق والشواطئ تدريجيا مع ضمان مراقبة احترام وضع الكمامات، وهو إجراء إلزامي، منذ 25 ماي الماضي، بالإضافة إلى التباعد الجسدي بين الأشخاص.

 غلق الحدود ساعد على التحكم في الوضع الوبائي

في الوقت الذي تعالت فيه الأصوات لفتح الحدود طالب الأخصائيون بالاستمرار في غلق الحدود، بل  باتخاذ إجراءات أكثر صرامة مع التنقلات الاستثنائية لمنع زحف المتحوّرات التي تتزايد أعدادها في أوروبا، عكسنا نحن -يقول الدكتور قايدي- نسجل بعض الحالات أعلن عنها معهد باستور ولازال متحكم فيها.
أوضح الدكتور في ذات السياق، أن مستشفى بوفاريك يعرف استقرارا في عدد الإصابات بكورونا، غير أننا نرسل دوريا تحاليل إلى معهد باستور للكشف عن الحالات، خاصة وأن الأعراض بين الكلاسيكي والسلالة الجديدة تتشابه مما يصعّب التفريق بينهما، مشيرا ان المتحوّرات تؤثر بشكل كبير على فئة الشباب عكس كورونا التي يمكن أن يمر بردا وسلاما على هذه الفئة.
أكد الطبيب الرئيسي، أن الموجة الثانية من الكورونا أثبتت أن الحجر فعلا تضامني، فاللّحمة بين المواطنين كانت قوّية لمنع انتشار الفيروس، خاصة في ولاية البليدة التي تقلصت عدد الإصابات فيها بفضل وعي وحرص المواطنين على كسر ذهنية المنطقة البؤرة، ليرتفع المؤشر بولايات أخرى التي سجلت إصابات قياسية، كسطيف وبجاية وبعض ولايات الشرق.

الحجر الصّحي مرن ..

وصف المختص في الصّحة العمومية الدكتور عيادة عبد الحفيظ الحجر الصحي بالمرن، مشيرا بخصوص التدابير التي اتخذت لمواجهة الجائحة، أنها كانت تتجه نحو الرفع التدريجي، خاصة مع تحسن الوضعية الوبائية، أين حاولت مراعاة وضعية المواطن الذي يرفض الرضوخ لقوانين غير سابقة،وإنما فرضتها جائحة عالمية.
جاء طابع المرونة -بحسب الدكتور عيادة - من منطلق غياب الإمكانيات اللازمة لتطبيق تدابير وقائية صارمة، ناهيك عن مخلفات الأزمة الصحية التي جعلت الكثير من الأسر دون دخل، في وقت كانت المؤونة تصل إلى البيوت في أوروبا، مشيرا أن هذه الجزئيات أثرت على الحجر الصحي وجعلته أقل فعالية أحيانا، ومع ذلك وفقت السلطات في التحكم في الوضع.
وأضاف أيضا، أن اللجنة العلمية راعت جوانب كثيرة في الحجر الصحي، لأنها رأت أنه من الصعب فرض قوانين على مواطن لم يعرف حجر من قبل،موضحا بشأن مزاياه، أنه أعطى المسؤولية الكاملة للمواطن لحماية نفسه وعائلته، لأن فرض القانون والضغط يؤدي أحيانا إلى سير الأمور عكس الاتجاه الصحيح.

تضارب المعلومة أثرّ على الحجر الصحي الأوروبي

أوضح المختص في الصّحة العمومية أيضا، أن الحجر الصحي ببعض الدول الأوروبية كان يعتمد على سرعة المعلومات وتضاربها أحيانا، الأمر الذي أثر على التدابير الوقائية التي كانت تتغيّر بين فترة وأخرى من طرف الحكومات التي لجأت لفرض إجراءات عقابية صارمة تصل لغرامات مالية لكل من يكسر الحجر، وهذا ما حدث في إيطاليا عندما سجلت أرقاما قياسية في عدد الإصابات.
أفاد الدكتور، أن هذه من بين العوامل التي جعلت أوروبا تفرض حجرا صحيا صارما يعتمد على العقوبة، إلى جانب الخوف الذي فعل فعلته مع جزء من المواطنين في أوروبا الذين احتموا في البيوت من هذا الفيروس، في حين المواطن الجزائري أحس بالخوف في جزء من المرحلة الوبائية، عندما ارتفع منحنى الوفيات، وبعد ذلك عادت الأمور إلى نصابها.
 
 التدابير موّفقة رغم النقائص

أكد الطبيب المختص في الصحة العمومية الدكتور أمحمد كواش، أن الحجر الصحي كان ناجحا بالرغم من التذبذب الذي عرفه في المرحلة الأولى من الوباء بسبب غياب المعلومات الكافية عن الفيروس وطرق انتشاره، وهو نفس الأمر الذي عرفته أوروبا بالرغم من نظامها الصحي والإمكانيات الكبيرة التي سخرتها للجائحة، لكنها سجلت نقائص كبيرة.
قال الدكتور كواش إن الجزائر عرفت في البداية تذبذب في القرارات بسبب ارتفاع منحى الإصابات الذي أحدث ارتباكا كبيرا، حيث قامت اللجنة على إثرها بسن قوانين ردعية لتوفير الحماية الجماعية خاصة في مناطق البؤر، موضحا في ذات السياق أن جميع القرارات جاءت بنتيجة ايجابية، وهي خروج الجزائر بأقل الأضرار من الأزمة مقارنة بالدول المتقدمة.
واعتبر المتحدث، أن الحجر في الجزائر مرن مقارنة  بالدول الأوروبية التي كانت تنتهج  أسلوب العقوبات والغرامات، حيث عملت السلطات على سنّ بعض الغرامات الجزافية للحفاظ على الأرواح ولمنع انتشار الفيروس بالشكل الذي عاشته بعض الدول المتقدمة التي حاصرها الموت من كل مكان.
وأكد، إنه لا مجال للمقارنة بين الحجر الصحي الجزائري والأوروبي، خاصة وان بريطانيا مع دخول السلالة الجديدة البريطانيا النيجيرية وجنوب إفريقيا فرضت عقوبات شديدة جدا على الأشخاص الذين يأتون من الدول البؤر ويتم حجرهم على حسابهم الخاص، حيث تصل مبالغ الحجر الى أرقام خيالية و أي شخص يخالف إجراءات الحجر الصحي للوافدين تصل عقوباتهم الى عشرة سنوات، ضف الى ذلك عرفت الجزائر حجرا جزئيا من خلال وقف بعض الأنشطة، لكن بشكل مرن عكس أوروبا التي أوقفت دخول المنتوجات والأنشطة التجارية وحتى وقف الأعياد السنوية.
دعا كواش جميع المواطنين الى الاستمرار في التدابير الوقائية لوقف انتشار الفيروسات المتحوّرة التي تعد الأكثر نشرا للعدوى، خاصة المتحوّرة التي ظهرت في جنوب إفريقيا ونيجيريا ويعتقد أنها أكثر عدوى من النسخة البريطانية، إلا أنها تنتشر بشكل أبطأ مقارنة بها.

مواطنون يقرّون بنجاح الحجر رغم صعوبة الإجراءات

اعترف الكثير من المواطنين عبر منبر «الشعب» بفعالية الحجر في حمايتهم وحماية عائلتهم بالرغم من صعوبته عليهم وعلى حياتهم الاجتماعية، خاصة وأن الكثير من الأسر عاشت لأشهر دون دخل عائلي.
قال أمين من الدار البيضاء «لولا الحجر لسجلنا آلاف الإصابات..تتبعت ما جرى بأوروبا «في حين قالت إحدى المواطنات، إن الحجر كان متناقض لم نفهمه على أي أساس، كان أحيانا على الثامنة مساء وأخرى على العاشرة، ورغم ذلك تلك القرارات جعلتنا سالمين لحد اليوم» .
تنقلت»الشعب ويكاند» إلى بلدية بلوزداد لتسأل بعض الأشخاص، حيث تقربنا من إحدى المسّنات فقالت: «نحن نعيش اليوم بفضل الحجر ولازلت ألتزم بالكمامة لحماية نفسي» وأضافت الخطر كان يتربص بنا نحن ككبار أما الشباب فيستطيعون المقاومة.
واعترف مسّن آخر بقساوة الحجر على عائلته التي عاشت ظروفا مادية صعبة بسبب توقفها عن العمل،غير أنه في المقابل قال: «نحن سالمين لحد اليوم والحمد لله، ليضيف آخر: «كان قاسيا في البداية، إلا أننا اعتدنا عليه».
بدورهم، أكد عدد من المواطنين استعدادهم للاستجابة لإجراءات الحجر الصحي، حفاظا على سلامتهم وسلامة ذويهم، لاسيما المسنين وأصحاب الأمراض المزمنة.
وانتقدت فئة كبيرة من المواطنين تواقيت الحجر السابقة التي قال بشأنها الشاب رضا من باب الزوار «أن التلاقي في النهار في حين ساعات الحجر كانت مركزة ليلا»، و قال الطالب نورالدين: «الكثير يجهل خطورة الفيروس، وهذا ما صعّب تطبيق الحجر الصحي في الجزائر، خاصة في بداية الوباء، حيث كان يخرج الأشخاص دون مبالاة ويتجوّلون وهم مرضى، دون اكتراث بصحة الآخرين’».
وصرّحت السيدة أمينة: «عشنا أياما قاسية، الموت كان يتربص بنا، ولولا حماية الله ودولتنا، لكنا اليوم في خبر كان ..أدعو الشباب التحلّي بالوعي من أجل حماية عائلاتهم، ولا يستهترون بقواعد الوقاية التي قد تكلفهم حياة عائلاتهم».
من جهتهم، أبدى عدد من المواطنين وعيهم بخطورة وباء كورونا والفيروسات المتحوّرة، انطلاقا مما  تعيشه بعض الدول التي استطاعت مجابهة فيروس كورونا، من خلال الوقاية التي تبقى الحل الأنجع لمجابهة السلالات الجديدة.