طباعة هذه الصفحة

الروائي عبد الكريم ينينة لـ «الشعب ويكاند»:

الفرنسيون حاولوا سرقة الفضاء بسرقة الأسطورة

حوار: الخير شوار

 نحن لم نستثمر سياحيا في كثير من المعالم  

القصبة ليست وحدها الجزائر العاصمة  

الغناء العاصمي كان منتشرا في بعض مناطق أدرار

في هذا الحوار مع الروائي والقاص عبد الكريم ينينة، نحاول قراءة بعض ملامح مدينة الجزائر التي صوّر كثيرا من تفاصيلها في روايته «هاوية المرأة المتوحشة» التي صدرت حديثا.
«هاوية» وإن كانت الرواية الأولى لعبد الكريم ينينة، فهي خلاصة معرفته العميقة بمدينة «سيدي عبد الرحمن»، رغم أن الظروف اضطرته للابتعاد عنها عشرين سنة كاملة حيث أقام في مدينة أدرار.

- الشعب ويكاند: «هاوية السيدة المتوحشة»، لماذا الإصرار على العنوان الذي يراه البعض مكررا، هل هي سلطة المكان التي فرضت منطقها، أم هو الحنين إلى ذكريات قديمة مرتبطة به؟
 عبد الكريم ينينة: ليس إصرارا بقدر ما هو محاولة للتعامل بصدق ووفاء مع ما هو لي، فأنا ابن الهاوية، التي يراها الآخرون العابرون في خلالها منحدرا، ونراها من منازلنا على المشارف هاوية سحيقة، وهي كذلك. وما كتبه الفرنسيون عنها، في حدود علمي، لم يتجاوز حدود توظيف التسمية في محاولة يائسة لسرقة الفضاء بسرقة الأسطورة المتعلقة به، وما توظيف الأدب وكذلك الفن كما في لوحة الرسام الفرنسي الشهير (رينوار) أو في مسرحية (منحدر المرأة المتوحشة) إلا دليل على إصرار الفرنسيين على البقاء في المكان، بالرغم من مغادرتهم الجزائر منذ ثماني وخمسين سنة، وما يؤلم هو تنازل البعض منا لهم عما هو لنا، ومجاراتهم، بدون وعي، في ادعاءاتهم بأن المرأة التي عاشت في الهاوية ليست جزائرية، بالرغم من أن قصتها متواترة بين السكان و(الأهالي) في ذلك الوقت.
- على ذكر المكان، غير بعيد عنه تنام ذكرى أول روائي في العصر الحديث (سرفانتس) وربما هناك تشكّلت ملامح «دون كيشوت»، لماذا لم نستثمر المعلم سياحيا وروائيا؟
 نحن لم نستثمر سياحيا في كثير من المعالم ومنها مغارة ابن خلدون بتيارت، ومعالم لشخصيات جزائرية ذات بعد عالمي وإنساني مثل أبيلي، الأمير عبد القادر وغيرهما... ولنترك السياحي جانبا بالرغم من مرافقته للثقافي، لأن مشكلة السياحة لها أسباب أغلبها متعلق بالإرادة السياسية وأشياء أخرى، ولنطرح تساؤلا بسيطا هو: هل في البرنامج البيداغوجي لوزارة التربية شيء يسمى زيارة التلاميذ والطلبة هذه الأماكن المعالم؟ أما الاستثمار الروائي فهو متروك للكتاب ومستوى وعيهم بضرورة بعث الروح وإعادة رسكلة حمولة هذه الأمكنة الضاجة بالتاريخ في جانبه الحضاري والإنساني.
بين العنوان الرئيس والعنوان الثاني (رائحة الأم) يمكن أن نختصر أحداث الرواية التي تتراوح بين المكان والذكرى، كيف استطعت التوفيق بين هذا وذاك؟
الحنين إلى المكان أمر معروف في الأدب بصفة عامة، وعند العرب ما يشبهه قديما في ذكر الربع أو الوقوف على الأطلال وغير ذلك. أما في هاوية المرأة المتوحشة فهو شخصنة للمكان، الأم هي التي أنجبتنا والأرض هي التي أنجبت الجميع، وما من بعيد أو مبعد إلا ويحنّ إلى أمه، ويظل طيف الأم (أرضا أو مرضعة) يسكنه ويقاسمها كثيرا من الذكريات، وللأمكنة ذاكرة تزودنا كلما اقتربنا منها ذهنيا أو حسيا.
كتبت مدينة الجزائر وأنت بعيد جغرافيا عنها، هل كانت الرؤية أوضح؟
صحيح أنا أعيش في أدرار منذ أكثر من عشرين سنة بعيدا عن مدينة الجزائر جسدا، لكنني مازلت مرتبطا بها روحيا وثقافيا، ولا أقطع زياراتي لها. كثيرون لا يعلمون الشبه الكبير في كثير من العادات والتقاليد بين العاصمة وأدرار، وهنا لا أقصد العاصمة الحالية، ومرد ذلك بالدرجة الأولى إلى المذهب المالكي والمرجعية الفقهية التي كانت مؤثرة في كثير من السلوك والمعاملات على المستوى الاجتماعي في القديم، وأيضا التقارب في روح المعمار، وكذلك في الفن الغنائي، كثيرون لا يعلمون أنه إلى عهد قريب كان طابع الغناء الشعبي العاصمي بمدونته الشعرية المغاربية المدحية وبإيقاعه الحالي منتشرا في بعض مناطق أدرار.
- تحضر روح العاصمة بذاكرتها وأماكنها وموسيقاها الشعبية، إنه أدب المدينة الذي ظل غائبا في متننا إلا مع محاولات قليلة جدا، لماذا في رأيك عجز كتابنا عن كتابة مدنهم؟
 أشير إلى أنني لم أكتب عن العاصمة بعد جمع المعلومات عنها، بل كتبت من خلال ما عايشته فيها، وكل مكان ذكرته إلا وكانت لي سابق معرفة حقيقية به وبالإنسان فيه. وقد انطلق بعض الكتاب عندنا من هذه الخاصية وكتبوا بطريقتهم الخاصة عن مدينة الجزائر. غير أنني في هاوية المرأة المتوحشة أوغلت في (الحومة) وثقافتها الشعبية ولذت بالبسطاء الذين يشكلون غالبيتها الساحقة، وابتعدت عن العاصمة الكولونيالية التي يعرفها الجميع وعن شخصياتها الأنيقة المتعالمة، وابتعدت حتى عن القصبة التي بدت لي تتكرر كثيرا في الكتابات عن مدينة الجزائر التي تحاول منحها كل التراث العاصمي، فالقصبة ليست وحدها العاصمة، فهناك الأطراف الأقرب وأيضا هناك الأطراف القريبة أو المتاخمة أو ما كان يعرف بالأحواز، أو ما أسميه العاصمة العميقة حيث غالبية السكان.
 -  أخيرا، هل سنقرأ وجها آخر لمدينة الجزائر في عمل قادم، وما هي ملامح ذلك الوجه الذي لم نقرأه بعد؟
 ممكن جدا، لكنني حاليا بصدد صدور هاوية المرأة المتوحشة التي لم يتعرف عليها القارئ بشكل كاف. أتمنى أن تلقى طريقها إليه في المستقبل بشكل طبيعي وعادي، لإعطاء فرصة للقارئ، ثم الانطلاق في عمل آخر بحول الله.