طباعة هذه الصفحة

«الشعب ويكاند» ترصد مظاهر التّبذير والإسراف

ملايير في القمامة..والآلاف في المقابر سنويا

إعداد: هيام لعيون

يعتقد كثيرون أنّ التّبذير يتعلّق فقط باقتناء أكثر ممّا يسدّ رمقهم، بينما يتجاوز مفهوم التبذير لدى الخبراء إلى الإفراط في تناول الأطعمة ما يؤدي إلى حدوث أمراض مزمنة وفتاكة، وهو ما يسمى بالإسراف، وما بين التبذير والإسراف، شعرة واحدة وهي إتلاف ملايير من الدولارات ونخر الاقتصاد الوطني.
خلال شهر رمضان، يهرع الجزائريون إلى التسوق واقتناء مختلف أنواع المواد الغذائية والمشروبات بشكلٍ مفرط، وممّا لا حاجة لهم به أيضا، سلوك يتكرّر كل سنة، بل يمتد على مدار العام خاصة في بعض المواد الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، على غرار الخبز، الخضر والفواكه، حيث تشهد القمامات ومواقع النفايات المنتشرة عبر الوطن، كميات كبيرة ملقاة من هذه المواد. سلوك يسترعي من القائمين الاهتمام أكثر والوقوف على الأسباب الحقيقية وتطبيق إجراءات صارمة بل ووضع قوانين تحكم الاستهلاك، إذ لو استمرّت الوضعية على ما هي عليه، ستصبح الجزائر من بين أكبر البلدان تبذيرا في العالم، في وقت ما أحوج فيه اليوم إلى الحفاظ على قوتنا ومواردنا الطبيعية.
التبذير سلوك مذموم من قبل الجميع، من رجال الدين، اقتصاديين، فاعلين في المجتمع ومواطنين أيضا، هذا السلوك الذي تزايد مع السنوات الماضية في البلاد يحتاج إلى تشريح دقيق والنزول إلى الميدان، بدل التنظير في القاعات والمناسبات وتحديد المسؤوليات التي لا تقع على الفرد فقط، بل هو الحلقة الأضعف، في نظر المختصين، هي كلّها تساؤلات وتفسيرات تثار من خلال هذا الملف الذي أحياه المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي.

المرض أمامكم وإهدار المال وراءكم

تحصلت «الشعب ويكاند» على دراسة من إعداد البروفيسور عيسى عبد القرفي بالمدرسة الوطنية العليا للفلاحة، تحت عنوان «الاستهلاك المفرط والتبذير الغذائي، الآثار على الصحة وعلى الاقتصاد في الجزائر»، حيث توضح العلاقة بين الإسراف في الاستهلاك الذي تنتج عنه أمراض خطيرة وفتاكة، وبين التبذير، وهي علاقة وطيدة إذ كلاهما يكلفان الخزينة العمومية المليارات بالعملة الصعبة سنويا.

استهلاك 30 كلغ سكر عوض 10 في السنة

تقول الدراسة، إن الجزائريين يستهلكون 3 مرات من مادة السكر مقارنة بالمعدل العالمي، أي ما يعادل 30 كلغ للفرد في السنة عوض 10 كلغ من نفس المادة للفرد الواحد في السنة، حيث يتم استعمال 150000 طن من السكر لصناعة العصائر والمشروبات الغازية، غير أن هذا الرقم يتضاعف خلال شهر رمضان المبارك.

السّرطان وارتفاع ضغط الدم

كما توضّح الدراسة أنّ الإسراف له علاقة مباشرة بالأمراض الخبيثة التي تفتك بجسم الإنسان، مسببة له مضاعفات خطيرة أولها السكر، حيث تشير إلى أنه بين 12 بالمائة إلى 15 بالمائة من الجزائريين مصابين بداء السكري، أي ما يعادل من 5 إلى 6.6 مليون مواطن، و26 بالمائة يعانون من ارتفاع ضغط الدم، أي ما يقارب 11.5 مليون جزائري.
بينما تشير الوثيقة سالفة الذكر، أنّنا نسجّل في الجزائر ارتفاعا كبيرا في الإصابة بالسرطان، وهو مرض العصر، حيث تحوّل إلى وباء في الجزائر، بتسجيل 50000 إصابة جديدة وما لا يقلّ عن 20000 وفاة خلال سنة 2019، حسب إحصاءات قدّمها البروفيسور بوزيدي، متوقّعا أن يصل «هول» الأرقام إلى 70000 حالة في السنة في غضون سنة 2030.


 5 ملايين مصاب بالسكري
وصف البروفيسور عيسى عبد القرفي خطورة الإفراط في مادة السكر واصفا المادة «بالسمّ الأبيض»، الذي يتسبّب سنويا في الإصابة بداء السكري، وبعدما كان يُصنّف في خانة الأمراض التي تصيب الكبار، أصبح اليوم لا يفرّق بين صغير وشاب وكهل بسبب كثرة تناول السكريات، ففي سنة 2017 قدّرت التكلفة لكل مريض بـ 60.000 دينار جزائري، ما يعادل حوالي 300 مليار سنويًا لخمسة ملايين مصاب بالسكري، علما أن واردات المادة البيضاء خلال سنة 2015 وصلت إلى 1.93 مليون طن من السكر، أي ما يعادل 714.76 مليون دولار.
ربع الجزائريّين يعانون والزّيوت السّبب
أما فيما يخص الزيوت، فقد أشارت الدراسة إلى أنّ الواردات من فول الصويا الخام وعباد الشمس، وما إلى ذلك من المواد الدسمة بلغت 579.4 مليون دولار في عام 2016 (761.528 طن) مقابل 521 مليون دولار في عام 2015 (688.540 طن.
كما أشار البروفيسور إلى أنّ تناول الكثير من النوع الخاطئ من الدهون، مثل الدهون المشبعة والدهون المتحولة، يمكن أن يرفع كوليسترول LDL (الكوليسترول «الضار») ويخفض الكوليسترول HDL (الكوليسترول «الجيد»)، حيث يمكن أن يؤدي عدم التوازن هذا إلى زيادة خطر الإصابة بارتفاع ضغط الدم وتصلّب الشرايين والنوبات القلبية والسكتة الدماغية.
وتشير نفس الوثيقة، أنّ الإحصائيات الأخيرة لوزارة الصحة تحت عنوان (Stepwise WHO) الذي أطلقته الوصاية في عام 2017 أظهرت أن 23.6 ٪ من الأشخاص، الذين تتراوح أعمارهم بين 18
و69 عامًا، يعانون ارتفاع ضغط الدم أي ربع السكان، وأكثر خطورة من ذلك فإن 72 ٪ من المصابين بارتفاع ضغط الدم لا يعالجون في الجزائر، حيث يتسبب ارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين والنوبات القلبية والسكتات الدماغية في 35 ٪ من الوفيات، بـ 17000 حالة وفاة كل عام.
في حين بلغ استيراد الزيوت الموجهة للصناعات الغذائية 7.82 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من عام 2017، حسب إحصائيات رسمية قدمتها الدراسة نفسها.
أما فيما يتعلق بالتبذير، تشير الدراسة إلى أنّ الخبز يعدّ من أكثر الأطعمة المبذرة وفقًا لدراسة أجريت عام 2015 في العديد من البلدان العربية المتوسطية، حيث يتم التخلص من 20 ٪ من منتجات الخبز والحبوب، تليها الخضروات ومنتجات الألبان.
تشير وثيقة البروفيسور قرفي إلى أنه في عام 2015، وخلال شهر رمضان وحده، تم رمي 120 مليون خبزة من قبل المستهلكين الجزائريين، مستشهدا بأرقام الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين.
وحسب نفس المصدر، وخلال شهر رمضان لسنة 2015 وحده، تم تبذير أكثر من 50000 طن من الخضار من قبل المستهلكين، و12 مليون لتر من الحليب من قبل المستهلكين، بينما تكلفنا فاتورة استيراد الحليب ومشتقاته، 1.22 مليار دولار بين بداية جانفي ونهاية أكتوبر 2017.
هذه الفوضى في الإستهلاك وتبذير جل المواد الغذائية يقدرها الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين بأكثر من 35 مليار أورو سنويا!
وبحسب هذه المنظمة، فإنّ 60 ٪ من هذه المنتجات هي في الغالب من الضروريات الأساسية وتدعمها الدولة، من بينها الخبز الذي يلقى بكميات كبيرة في حاويات القمامة.
لذلك ترى الدراسة أن خفض الإسراف في الاستهلاك على مستوى التوزيع والمستهلك إلى النصف بحلول عام 2030 ضروري، إلى جانب تقليل الخسائر عبر سلاسل الإنتاج والإمداد، وهو أحد الأهداف الفرعية لهدف «التنمية الـ 12» التابع للأمم المتحدة، وذلك «بضمان أنماط الاستهلاك والإنتاج المستدام»، حيث تعتمد حماية الصحة والاقتصاد الوطني بشكل كبير على المعايير التي يمكننا وضعها.

حلول واقتراحات..

تعطي الدراسة بعض الحلول التي تراها فعالة في التقليل من ظاهرة التبذير، ولتقليل الاستهلاك المفرط، أولا من خلال تنويع الدقيق المستخدم، والتقليل الشديد من الدقيق الأبيض، خاصة بالنسبة للخبز،
وخفض السكريات والملح في جميع الأطعمة، مع تجنب التسمين المفرط للحيوانات مثل دجاج، لحم ضأن ولحم بقر.
واعتبرت نفس الوثيقة أن تقليل السكر والملح والدهون، هو عمل الجميع عن طريق وزارة التجارة، من خلال وضع معايير وضوابط صارمة، من خلال التوعية والتعليم، ومساهمة المسجد والشؤون الدينية، الصحة، إلى جانب توعية المجتمع المدني من خلال تسخير الجمعيات والمنظمات المهنية لهذا الغرض.
كما يشدّد البروفيسور قرفي على أنّ التقليل من الفرينة أيضا هو عمل الجميع، إلى جانب ضرورة تنويع أنواع الطحين في أنواع الخبز المختلفة وخلط أنواع مختلفة من العناصر.
كما أنّ التّحسيس بتقليل المشروبات الغازية والعصائر، هو أيضا عمل الجميع بدءاً بوزارة التجارة من خلال وضع معايير وضوابط صارمة، إلى جانب الاستمرار في عملية التوعية عبر مختلف المنابر الصحية والتعليمية والمجتمع المدني من جمعيات ومنظمات مهنية.
وهو نفس الشأن بالنسبة للخبز والدقيق الأبيض، حيث هي قضية الجميع من خلال التحيسس، الدعم المستهدف، تحسين الجودة، وكلّها شروط يجب أن تتوفر من أجل التقليل من الإسراف والتبذير في الخضار والتقليل من استخدام الزيوت، والتسمين المتحكم به للحيوانات، وفي السكر والملح أيضا.
وختمت الدراسة محتواها بآخر تقرير صادر عن الأمم المتحدة الذي  يُحذّر «البشرية تقف على مفترق طرق فيما يتعلق بمستقبل الطبيعة»، (تقرير 15 سبتمبر 2020)، والذي يتحدّث عن تمكين النظم الغذائية المستدامة والصحية مع التركيز بشكل أكبر على مجموعة متنوعة من الأغذية، ومعظمها نباتي، واستهلاك أكثر اعتدالًا للحوم والأسماك، بالإضافة إلى الخفض الكبير في النفايات المتعلقة بإمدادات الأغذية واستهلاكها.

«كناس»: الدّولة تدعّم بـ 70 % لكن...

يؤكّد المجلس الوطني الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، أنّ حجم الدعم الذي تخصّصه الدولة سنويا لغرض توفير المواد الواسعة الاستهلاك يتجاوز في الكثير من الأحيان عتبة 60 إلى 70 بالماىة من السعر الحقيقي لمعظم المواد، وهو ما يكبد الخزينة العمومية أعباء ثقيلة. جاء هذا خلال كلمة ألقاها رضا تير رئيس المجلس بمناسبة تنظيم يوم دراسي حول ترشيد الاستهلاك بالمدرسة الوطنية للإدارة بالعاصمة، قبل حلول رمضان.
ويرى المجلس الاقتصادي أنّه «بدل التفكير في زيادة الإنتاج والبحث عن الاكتفاء الذاتي والذهاب إلى التصدير لبعض المنتجات، كان علينا بناء التفكير أوّلا في الآليات التي يجب وضعها، من أجل الحدّ من ظاهرة التبذير التي وصلت إلى حدود الـ 20 بالمائة سنويا في قطاع المياه وفي مادة الخبز مثلا، ناهيك عن مواد أخرى كالتبذير في استهلاك الكهرباء والبنزين وغيرها، والتي تكلف خزينة الدولة المليارات من الدولارات سنويا، حيث كان يمكن تحويلها إلى قطاعات أخرى إستراتيجية كالصحة والتعليم وأخرى، أو توجيه الكميات الفائضة من بعض المواد للتصدير لتحسين مداخيل العملة الصعبة».

مختص: التّبذير سببه الجهل بالأخطار

يرى عبد الحليم لعراب، أستاذ متخصص في علم النفس الاقتصادي والاقتصاد السّلوكي، بجامعة الجزائر 2، أنّ «الإنسان غير عقلاني، بدليل أنه يتبع شهواته، والشّرع حدّد أن نأكل ما نحتاج فقط، وما حدث ويحدث يعود لغياب التوازن، والسؤال المطروح كيف نستطيع إعادة هذا التوازن من خلال سدّ الحاجة فقط، وليس تحميل الجسم فوق طاقته البشرية، فلو كان الإنسان يعلم أنّ المأكولات تؤثّر في صحته لما تجرّأ على ذلك، فالمشكل أنهم يعتقدون أنّ الإنسان عندما يمسك طوال النهار يفقد حريرات، ولابد من أن يجلب غذاء كبيرا يسدّ ما فقده خلال النهار، وهذا أمر خاطئ لأنه ثبت حديثا أن الصوم يعتبر شفاء ودواء للإنسان  بدليل أن الخلايا السرطانية تتغذى من المواد السّكرية، والصوم يقلّلها، لهذا ينصحون به اليوم في الغرب كنوع من أنواع العلاج».
وأضاف «في القديم لم يكن هناك تنوّع في المأكولات، واليوم ومع التسويق الذي يستهدف الترويج للمنتوجات من أجل جلب عدد أكبر من المستهلكين، وتلبية حاجيات الأشخاص، ففي نظري فإن التسويق استغل الفروق الفردية من أجل التنويع في المنتجات، علما أن الإنسان يميل كثيرا إلى التنويع، قديما كانت هناك مؤسسة منتجة واحدة لكل أنواع الصّابون كمثال، وبالتالي لم تكن لدينا حريّة الاختيار،أما اليوم وبعد التوسع والانفتاح على السوق العالمي والإشهار، يضطرّ المستهلك إلى تجريب كل المنتجات المعروضة ما يؤدي إلى التبذير».

أبو عبد السلام: أضعف الإيمان لا تشتري ما لا تحتاج

يقول الشيخ أبو عبد السلام، أنّ التبذير والإسراف، قضية جوهرية أخلاقية، ومن المظاهر الاجتماعية في إطار البحث عن المستهلكات، فكلما ظهر مستهلك وقلّ عرضه، تجد الطلب عليه يتزايد والنار في أسعاره تشتعل، فالرسول صلى الله عليه وسلم يؤدّبنا حينما يقول «نحن قوم لا نشتري ما لا نحتاج إليه»، فالمعيار هنا هو الحاجة، يعني لا أضطرّ إلى أن أحدث بذلك هلعا في المجتمع، وقلقا في السلوك خوفا بدل أن أساهم في زرع الطمأنينة».
أما ترشيد استهلاك ــ حسب الشيخ ــ فهو كيف نوعي الناس، وأنّ أضعف الإيمان أن لا تشتري ما لا تحتاج إليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم أعطانا قاعدة تقول «من كان له فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له»، إذ لابد أن يخرج التفكير من الذات إلى الغير، «فمن كان له فضل طعام فيعد به على من لا طعام له»، وهكذا مع كل الأمور الأخرى، حتى يعيش الجميع في طمأنينة، فالدين يوصينا بالتضامن والتعاطف، وخير دليل على ذلك قول الرسول الكريم ﷺ «مثل المؤمنين في تعاطفهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى»، وهذا هو التكافل الاجتماعي الحقيقي الذي يجنبنا التبذير والإسراف وحب الذات.
وحسب أبو عبد السلام، فإنه على كل واحد منا بناء الأولويات، فالأسرة الجزائرية، كانت إلى وقت قريب تأكل اللحم خلال المناسبات الدينية  وبعض المواسم والمناسبات العائلية فقط، فلذلك كانت رؤوس الماشية كثيرة، ما نتج عنه انخفاض في أسعار المواشي، وتجنب أمراض الإفراط في استهلاك المادة.
كما انتقد الشيخ وبشدة سياسة الاحتكار المنتهجة في شهر رمضان المبارك، وقال «العلماء قديما قالوا إن التجار يخطّطون ويبرمجون حسب الطلب، فإذا كان الطلب كثيرا وبإلحاح على منتج ما، ساهمنا في إخفائه عن الأضواء متبعين سياسة الاحتكار، والرسول الكريم ﷺ يقول إنّ «المحتكر ملعون والجاذب مرزوق»، فالحضارة لا تبنى هكذا، وإذا وُجد القلق لن تكون هناك حضارة».

اتحاد التجار والحرفيّين: إعداد إطار قانوني لترشيد الاستهلاك

دعا حزّاب بن شهرة، الأمين العام للاتحاد الوطني للتجار والحرفيين، إلى وضع إطار قانوني لترشيد الاستهلاك في الجزائر، وتجريم التبذير بمختلف أنواعه، بغية الحفاظ على حق الأجيال القادمة من الثروة والموارد الطبيعية، مشدّدا على ضرورة إنشاء فضاء عمومي للحوار والتشاور والاقتراح، يؤطّره شركاء اجتماعيون واقتصاديون، وهذا  بالتنسيق مع النقابات المهنية وشركاء المجتمع المدني، خاصة جمعيات حماية المستهلك، من أجل ترسيخ ثقافة الاستهلاك، ورفع مستوى الوعي الاستهلاكي، خاصة ما تعلق بترشيد الموارد الطبيعية، كالماء  والكهرباء وغيرها، وهذا لضمان ديمومة التنمية المستدامة.
وفي السياق، اعتبر حزّاب بن شهرة أن ترشيد الاستهلاك، هو سلوك وثقافة، أخلاق ووعي جماعي، يحتاج إلى تضافر كلّ الجهود للحدّ من ظاهرة اللامبالاة والتبذير في المواد الواسعة الاستهلاك، خاصة وأنها مدعمة من طرف الدولة بالعملة الصعبة، وهذا لضمان معيشة محترمة.
وأضاف ممثل التجار والحرفيين، أن ترشيد الاستهلاك يعتبر من بين أهم الركائز التي تقوم عليها المجتمعات السليمة والاقتصاديات القوّية، وهو السبيل الوحيد لتسطير رؤية استشرافية لسياسة الدعم وتوجيهه لمستحقيه، مؤكدا أن اتحاد التجار، وكمنظمة وطنية سيواصل عمله ضمن هذا المسعى للحفاظ على ثروات البلاد.

جمعية حماية المستهلك: التبذير المؤسّساتي أخطر ويجب تحويل الدّعم

يرى مصطفى زبدي، رئيس الجمعية الوطنية لحماية المستهلك، أنّ التبذير لا يقتصر على الأفراد أو العائلات الجزائرية، بل يتعدّى إلى تبذير المؤسسات، والذي قد يكون أخطر من تبذير المستهلك الفردي.
ويعتقد زبدي أنه ولتغيير سلوكيات المواطنين الجزائريين، لابد من أن نفرق بين الإسراف والتبذير، مشيرا إلى أن «الحديث عن التبذير في الجزائر يقتصر على الأفراد والعائلات فقط، وهذا أمر خاطئ، فالتبذير المؤسساتي قد يكون أهمّ من تبذير الأفراد، حيث نراه في المدارس، في المعاهد، في الاقامات الجامعية والمستشفيات، وهو لا يقلّ أهمية  وخطورة، ويمكن أن يكون أكثر بكثير من تبذير العائلات»، موضحا «أننا لازلنا لا نأخذ الأمر بعين الاعتبار، لذلك لابد من أن نشير إلى هذه النّقطة الجدّ مهمة».
وشدّد زبدي على أنّ «تغيير السلوكيات ليس بالأمر السهل، للأسف فإن  عملنا عمل مناسباتي فقط، في رمضان خاصة، ولكن لابد أن يكون العمل على طول السنة، والبحث عن طرق حديثة لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة».
وعبّر المتحدّث عن استهجانه لوجود متعاملين اقتصاديين ومؤسسات يستثمرون في الإشهار المتلفز غير الهادف، بينما يغيب الإشهار حول التبذير، وحتى أن الحملات التّحسيسية اختفت في الفترة الماضية، واختفى معها مثل هذا النوع من الإشهار أيضا.
وأردف يقول «لما نتكلم عن ظاهرة التبذير، ولأجل التأثير لابد علينا أن نخرج إلى الميدان، ونغادر القاعات المغلقة، خاصة إلى المدارس والجامعات عن طريق حملات تحسيسية تأتي أُكلها، أيضا إعادة توجيه الدعم، حيث أنّ كل مظاهر التبذير من خبز، حليب، ماء ووقود كلها منتجات مدعّمة، لذلك أعتقد أنّ القضاء على التبذير، يبدأ من تحويل الدعم من المنتجات إلى المؤسسات، حيث نساهم بطريقة قانونية ، كما يكون العمل مستمر لتغير السلوكيات».

قلفاط: رمي 10 مليون خبزة يوميا و5 أطنان خلال الحجر

يتحدّث يوسف قلفاط رئيس فيدرالية الخبازين، عن التبذير المخيف لمادة الخبز في الجزائر، حيث يؤكد أن 10 مليون رغيف خبز، يرمى يوميا في المزابل والقمامات.
قال قلفاط أنه وقبل الحديث عن تبذير الخبز الذي هو «مادة أساسية»، يستوجب إعطاء بعض الأرقام، حيث تصل عدد المخابز على مستوى  الوطن - في حالة نشاط - إلى 8552 مخبزة تعمل طيلة شهر رمضان المبارك، وبالتالي فإن الخبز متوفر بصفة جد عادية على المستوى الوطني. بينما يصل الإنتاج اليومي لرغيف الخبز، بـ 50 مليون خبزة في اليوم الواحد موجهة للاستهلاك، من بينها نسبة 20 بالمائة لا تستهلك تذهب تبذيرا وفضلات، وهي نسبة كبيرة توجه للموالين أيضا، كأعلاف للماشية، أي حوالي 10 مليون خبزة يوميا تذهب للقمامات.
وأضاف قلفاط «للأسف الشديد فإن أسواق الماشية أصبحت تحتوي على قناطير القناطير من الخبز تباع هناك للغنم والأبقار، بينما يصل المعدل اليومي لاستهلاك من مادة الطحين (الفرنية) التي تنتج بها الخبز 300 كلغ توجه للمخبزة الواحدة، 20 بالمائة منها تذهب تبذيرا»، متسائلا في السياق كم من أموال تكلف التبذير في الخبز الخزينة العمومية ؟ ليجيب  أكيد هي المليارات.
و واصل نفس المتحدث إعطاء أرقام «مخيفة» عن حجم التبذير في هذه المادة، التي لا تستغني عنها العائلات الجزائرية، حيث يقول «وصلنا إلى نسبة تبذير الخبز خلال الحجر الصحي في الفترة الممتدة من جانفي إلى أفريل 2020، إلى 5 أطنان من الخبز مرمية في المزابل، حسب إحصاء الشركة المتكفلة بجمع الخبز وبيعه في المزاد العلني للموالين.

وقف إهدار الملايير في اقتناء المحسّنات

 عن أهم أسباب التبذير في مادة الخبز والفرينة، يرى رئيس فدرالية الخبازين، أن هناك من يتحدث عن استمرار دعم الدولة أو غيره من الأسباب، بينما بالنسبة لنا هي قضية تربية وأخلاق، ضف إلى سبب  آخر متعلق بمادة الفرينة، فالخباز يقتني من المطحنة نوعية غير صحية تسبّب للمستهلك بعض الأمراض، وهو منتوج وطني، معتبرا أن هناك بديل، وهو الطحين الكامل وهي فرينة صحية واقتصادية لأنّها لا تستوجب إضافة المحسّنات، لذلك ندعو من هذا المنبر إلى وقف المحسنات التي تستورد، والتي تكلف أموالا طائلة، ولا تعود بفائدة اقتصادية وهذا هو الحلّ  في نظرنا.
سبب آخر في نظر قلفاط لتبذير مادة الخبز، وهو بيعه لدى محلات بيع المواد الغذائية، مرمي في سلال غير نظيفة تنفّر المواطن من شرائه، حيث يذهب في معظمه فضلات، لذلك يقول «يجب أن يمنع بيع مادة الخبز في دكاكين المواد الغذائية، خاصة من يضعونه في سلال الخبز على أبواب الدكاكين أو على الأرصفة».