طباعة هذه الصفحة

استشراف

مراجعـــة كتـاب

وليد عبد الحي

نناقش في هذه الصفحات كتاب «الانتقال إلى الديمقراطية: ماذا يستفيد العرب من تجارب الآخرين؟»، ومؤلفه الدكتور علي الدين هلال، وهو صادر عن المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب – الكويت عام 2019.
تقع هذه الدراسة في نطاق العلوم السياسية وتحديدا فرع النظم السياسية، فهو كتاب يتناول أحد أهم الظواهر المعاصرة في بنية النظم السياسية في العالم بشكل عام والدول العربية بشكل خاص، وهي ظاهرة الانتقال السياسي، وتعني رسم سُلَّم للنظم السياسية طبقا لتوفر درجات الديمقراطية في كل نظام، والانتقال من درجة لأخرى صعودا هو المقصود بالانتقال الى الديمقراطية، أي إذا اعتبرنا أن النظم السلطوية المطلقة هي الأدنى، فإن الدراسة تتبع الانتقال من درجة لأخرى على هذا السلم من خلال آليات الانتقال وظروفه ومعوقاته واحتمالات تراجعه نحو الدرجة الأدنى.
ما نشير له، أن مرحلة ما يسمى «بالربيع العربي» من نهايات عام 2010 عرفت تزايدا في دراسات هذا الموضوع (الانتقال الديمقراطي)، رغم أن دراسة الظاهرة في العالم غير العربي أقدم من ذلك كثيرا، وهو ما جعل الدراسات العربية تقتات على الأدبيات غير العربية –بخاصة الغربية- في هذا المجال. وأن متابعة الأدبيات العربية بخاصة عن مركز دراسات الوحدة العربية (بيروت)، مثل كتاب «الثورة والانتقال الديمقراطي في الوطن العربي: نحو خطة طريق عام 2012، وهو كتاب شارك فيه 21 باحثا، أو عن مركز البحوث ودراسة السياسات (قطر) مثل كتاب عزمي بشارة: الانتقال الديمقراطي وإشكالياته: دراسة نظرية وتطبيقية مقارنة، الصادر عام 2020 (أي بعد كتاب علي الدين هلال) والذي يغطي أغلب نقاط كتابنا ولو بتوسع أكبر، هذا إلى جانب بعض دور النشر الأخرى تكشف أن هذا الموضوع سيطر على النقاش الفكري في الدول العربية تحت ضغط الربيع العربي. وأكاد أجزم من اطلاعي بل وتحكيمي لعدد كبير من البحوث العربية في هذا الجانب، أن الإضافة العربية في هذا المجال لا تزيد عن كونها شروحا على متن الأدبيات الغربية، فلو نظرنا في موضوعات هذا الكتاب من تعريف الانتقال أو مراحله او مشكلاته او نظرياته او مقارناته او انتقادات دراساته، سنجد أنها إعادة انتاج للأدبيات الغربية، بل لفت نظري في هذه الدراسة بأنها –ورغم راهنية موضوعها في العالم العربي- كانت الأقل في الإشارة للتجربة العربية إذا قورنت بالاشارات للدول الاوروبية والافريقية وامريكا اللاتينية، وقد حاولت تحديد ما كتب عن الدول العربية في هذه الدراسة فوجدت أن مجموعها لا يتجاوز 5% من الدراسة، رغم ان الكاتب اشار في اكثر من موضع- وهو على حق في الاشارة بذاتها- ان لكل نظام سياسي خصوصيته وظروفه.
ذلك يعني ان موضوع الدراسة مهم، لكن حدود الجديد فيها ضيق للغاية رغم انها قدمت الموضوع بشكل علمي ومتسق. كما ان السؤال الفرعي الوارد في عنوان الرسالة: ماذا يستفيد العرب من تجارب الآخرين؟ بقي دون اجابة واضحة، فقد عقد الكاتب مقارنات عديدة في كل موضوعات الكتاب تقريبا، لكنه في خاتمته لم يحدد لنا ما هي الدروس المستفادة بخاصة عند الأخذ بخصوصية المجتمع والدولة العربية، فقد حدث التحول في الكتلة الاشتراكية التي كان يتزعمها الاتحاد السوفييتي (ألمانيا الشرقية وبولندا وتشيكوسلوفاكيا وهنغاريا ورومانيا وبلغاريا) ولم يصل عدد قتلى التحول الى ألف نسمة فيها كلها، بينما تقدر جهات دولية مختلفة عدد قتلى الربيع العربي بين 1.5 الى 1.8 مليون ضحية.
أعتقد ان الدراسة اقرب للمرجع الجامعي الجيد، فهو مفيد للطالب والباحث ولكنه لا يتجاوز حدود التجميع والتنظيم لمعلومات الموضوع، رغم إقراري بجودة هذا التجميع والتنظيم، فالكاتب أستاذ له انتاج أثرٌ في مجال النظم السياسية والعلاقات الدولية.
ورغم ان الكاتب عايش اغلب الظواهر التي تناولها في كتابه في خبرته العملية، ورغم شغله منصب وزير (السلطة التنفيذية) لفترة خمس سنوات (1999-2004)، وعضو في مجلس الشورى (السلطة التشريعية) 4 سنوات (2007-2011) مع المرحلة التمهيدية للربيع العربي في مصر، الا ان الكتاب لم يتضمن ما يعكس التجربة والخبرة الحياتية في مجال تقييم النظام السياسي المصري الذي عايشه الكاتب وعمل معه لقرابة عقد من الزمن في نطاق عمله في السلطتين التنفيذية (مجلس الوزراء) والتشريعية (مجلس الشورى).
يقع متن الكتاب في 209 صفحات، توزعت مع المقدمة والخاتمة على ستة فصول، ويشير في مقدمته الى انه سيستعرض تجارب الانتقال الديمقراطي، سواء الديمقراطية الاجرائية او الغائية ويقارن الخبرات الانتقالية لكل منها، ويميز بين الدعوات للديمقراطية التي تجعل من المصالح هي الاهم وتلك التي تركز على «اجراءات العملية الديمقراطية (التعددية والانتخاب والتداول وفصل السلطات...إلخ)، مركزا في مقارنته بين النظم السلطوية والديمقراطية على آليات سقوط للنظم السلطوية ودور النخب والمؤسسات الجديدة في الانتقال.
وتحت عنوان الديمقراطية بين القيم والمؤسسات، يحدد إصول مفهوم الديمقراطية ويعرفها بأنها «إدارة الاختلاف بطرق سلمية»، مؤكدا على ان نجاح الديمقراطية معتمد على وجود ثقافة ديمقراطية تقوم على قيم ثلاث هي التعددية والحرية والعدل، ويحدد سمات التعددية (تعدد السلطات والقوى السياسية، قبول فكرة الأغلبية، مبدأ التفاوض الاجتماعي، والتسامح)، أما الحرية فتقوم على: العقلانية وحرية التعبير وممارستها وعدم التجاوز على حقوق الإنسان، أما القيمة الثالثة وهي العدل فيجملها في ضمان المساواة والمواطنة للجميع، وتكافؤ الفرص وعدالة توزيع الموارد. أما ما يتعلق بالمؤسسات، فيركز على الممارسة الديمقراطية من خلال حكم القانون وجعل الدستور هو المرجعية الأعلى والفصل بين السلطات لضمان عدم تمركز السلطة بيد واحدة، الى جانب التعددية الحزبية ودور المجتمع المدني وضمان إجراء الانتخابات الدورية.
-يتبع-