طباعة هذه الصفحة

نظرة الصحافة الاستعمارية لمجازر ماي 1945 للطالب عبد السلام عكاش:

انحياز واضح للمحتلين الأوروبيين

سهام بوعموشة

يتناول الطالب عبد السلام عكاش في رسالة مقدمة لنيل شهادة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر للسنة الجامعية 2005 /2006، وتحت إشراف الدكتور محمد القورصو، بالتحليل مستندا على الوثائق إلى  نظرة الصحافة الاستعمارية لمجازر 8  ماي 1945، وهي دراسة تحليلية نقدية تضمنت 7 فصول.

 يتطرّق في تلك الفصول لظروف وأسباب مجازر 8 ماي 1945، حسب رواية الصحف الاستعمارية، القمع في الصحافة الإستعمارية والشيوعية والوطنية، القمع القضائي ومحاكمة المنتفضين، ردود الفعل المختلفة حول الانتفاضة، دراسة تحليلية مقارنة لأسلوب وصف الأحداث من قبل الصحف، في حين تطرّق الفصل الأخير لتحليل مقارنة لاتجاه الخطاب الصحفي (توظيف الأحداث للدعاية الإعلامية).
ويشير الطالب في مقدمة مذكرته لأولى الدراسات التي تناولت مجازر 8 ماي 1945، منها دراسة أوجين فالي Eugène Vallet في سنة 1947، تحت عنوان: «المأساة الجزائرية، الحقيقة حول انتفاضة 8 ماي 1945 «صاحب الكتاب كان عضوا في المجلس العمالاتي لقسنطينة، لذلك ترجم وجهة نظر المعمرين ودافع عن المسؤولين الإستعمارين، كما أصدر هنري بينازي Henry Bénazet سنة 1947 كتاب حول الإنتفاضة تحت عنوان : «إفريقيا الفرنسية في خطر»، وخلال نفس الفترة أصدر بول سارازين Paul Sarrasine كتاب «الأزمة الجزائرية «، حيث تعرض للأحداث.
 ومن الدراسات الحديثة حول الموضوع يقول الطالب عكاش يوجد كتاب المؤرخ روبير أرون Robert Aron» في أصول الثورة الجزائرية، ودراسة فرانسيس Francine Sessaine،
السلم لعشر سنوات سطيف قالمة 1945 «، كما أنجزت أني ري غولزيغر Anie Rey Goldzeiguer  دراسة تحت عنوان: «أصول الثورة الجزائرية 1940ـ 1945 من المرسى الكبير إلى مجازر الشمال القسنطيني»، ومن أهم أعمال الجزائريين حول الموضوع رسالة «عينات طابيت» حركة ماي 1945 في الجزائر،
وأطروحة بوصيف ميخالد جامعة إكس أونبروفانس تحت عنوان سلسلة مجزرة وأخر الدراسات قام بها جون بيير بيرولو Jean_Pierre Peyroulou «قالمة،1945: فرقة عسكرية فرنسية في الجزائر المستعمرة»، وجون لوي بلانش Jean_Louis Planche : «بوادر مجزرة، سطيف ماي 1945» وغيرها من الدراسات.
ويشير الطالب إلى الأطروحات المتعددة والمتضاربة حول المجازر، حيث إن الاستعماريين يسمونها أحداث الشمال القسنطيني، وهناك من يسمونها بالثورة الفاشلة أو الإنتفاضة الشعبية، وذلك ما يعبر عن الاختلاف في تأويل الأحداث تفسيرها والبحث عن أسبابها وتحليل مسؤوليتها وتحديد أبعادها.
تمحورت إشكالية الرسالة حول أسلوب تعاطي الصحف الاستعمارية مع أحداث ماي 1945، طرحت عدة تساؤلات وهي فهل الصحف الاستعمارية في تناولها لأحداث الإنتفاضة، قامت بدور إعلامي أو إخباري أي النقل الأمين لمختلف حيثياتها بكل صدق وموضوعية لتكوين رأي صائب حول الوقائع؟ أم أنها تعدّت هذه الرسالة النبيلة لتؤدي  دورا آخر فتصبح بوقا للدعاية الاستعمارية لخدمة مبدأ الجزائر الفرنسية؟.
ويحاول الطالب لمعالجة هذه الإشكالية ودراسة هذه الجدلية عرض وتحليل نظرة الصحافة الاستعمارية للانتفاضة، بتبيان أسس وخلفيات الخطاب الصحفي الإستعماري وتوضيح كيف أن النظام الاستعماري ساعات أزمته يستعين بوسائل الإعلام للترويج لأطروحاته والدفاع عن مبادئه، مع توضيح طبيعة الخطاب الصحفي الإستعماري لاسيما وأن الحدث يعد منعطفا حاسما في تاريخ الشعب الجزائري ضد المستعمر الفرنسي، بحيث مثلت إنتفاضة 8 ماي 1945 القطيعة بين مرحلتين مختلفتين مرحلة النضال السياسي والتحضير البسيكولوجي للجماهير حول القضية الوطنية، ومرحلة التخطيط لإستخدام الوسائل الثورية لإسترجاع السيادة.
يركز الطالب على ظروف وأسباب الانتفاضة الشعبية بتناول الظروف الاقتصادية والاجتماعية المتمثلة في مجاعة 1945 مع تحليل لكيفية ربطها من قبل الشيوعيين بوقوع الانتفاضة، كما تطرّق للظروف السياسية المتمثلة في الأثر النفسي للحرب العالمية الثانية على الجزائريين، وفي انتشار الدعاية الوطنية خلال الأحداث بالتركيز على دعاية حزب البيان وحزب الشعب السري، كما تناول سلسلة الأحداث كما روتها الصحف الاستعماري.
 وفي الفصل الثالث يتناول القمع الذي تبع أحداث الانتفاضة، وفي الفصل الرابع يتطرّق للقمع القضائي المتمثل في محاكمة المنتفظين، وقانون العفو عن المعتقلين مارس 1946، ولمساعي الحركة الوطنية لتجريم المسؤولين الاستعماريين، ومظاهر تضامنها مع عائلات الضحايا والمساجين، وفي الفصل الخامس ردود الفعل المختلفة حول الأحداث، حسب ما أوردته الإستعمارية واليسارية، وفي الفصل السادس مقاربة تحليلية مقارنة لمحتوى الصحف المدروسة ولكيفية تغطيتها للأحداث، وفي الفصل الأخير تقدم تحليل للخطاب الصحفي لكل طرف من الأطراف الصحفية المدروسة وعرض للقيم التي تدعو إليها.
ويؤكد أن الصحافة الاستعمارية كانت موجهة لمجتمع قراء من الأوروبيين وكانت توزع في المدن، حيث كثرة العنصر الأوروبي، أما المجتمع الجزائري فكان 10/9 منه في إنقطاع عن القراءة لذلك تأثير الصحافة فيه كان محدودا في النخب المثقفة.
يعتمد الطالب عكاش على المنهج التاريخي السردي وفي فصول أخرى على المنهج التحليلي ومنهج تحليل المضمون ودراسة المحتوى المتبع في الدراسات الإعلامية، حيث مثلت الصحف الإستعمارية المصدر التوثيقي الأساسي للدراسة، ومن أهم الصحف التي تعرضت للأحداث يومية الشرق الجزائري «برقية قسنطينة»، إلى جانب الإعتماد على الصحف الإستعمارية الصادرة في الجزائر كالبرقية الجزائرية وصدى الجزائر، وصحف محلية مثل صدى ومستقبل قالمة والسطايفي الصغير، فضلا عن بعض الصحف الأسبوعية والمتروبولية، معتمدا على الصحف الوطنية الصادرة عن الحركة الوطنية خاصة المساواة وصحف أخرى شيوعية وأجنبية للرد على الأطروحة الإستعمارية، مع تطعيم الموضوع بمراجع ودراسات أخرى.

 الصحف الاستعمارية وسائل دفاع عن مصالح المستوطنين

يقول الطالب: «كانت الصحف الإستعمارية وسائل دفاع عن المصالح لأجل استخدامها لوجهة معينة، لذلك كان التنافس يشتد فيما بينها لأجل السيطرة على الرأي العام الأوروبي وخاصة في المناسبات الانتخابية خاصة في عمالة الجزائر»، ويضيف أن بعض الصحف كانت تكتب في عنوانها الفرعي: «جريدة الدفاع عن مصالح..»، قد تكون تلك المصالح جهوية لمنطقة أو مدينة معينة، فئوية لحزب أو لتنظيم مهني، نقابي أو جمعوي معين، حيث كانت تلك الصحف أدوات دعائية بيد أحزاب وشخصيات يمينية ولم تخرج عن دائرة مصالحهم.
بعد حدوث إنتفاضة 8 ماي 1945، وما صاحبها من قمع مروع اعتبرت بعض الأطراف السياسية حينها خصوصا اليسارية، أن ما حدث هو ثورة طعام وأنه كان أمرا متوقّعا تتحمل مسؤوليته الإدارة الإستعمارية ويخلص لنا ذلك فيليب رولان في مقال نشرته صحيفة الفيقارو بعد أحداث 8 ماي بقليل: «الأزمة الجزائرية التي أنتجت عن أحداث 8 ماي لم تفاجئ من كانوا على علم بالأوضاع في الجزائر، فمنذ سنوات هذا البلد يتضوّر جوعا شهرا بعد شهر، بعد أن توسّع التجنيد ليشمل حتى من في سن الأربعين... في وقت تناقصت فيه المؤن في الأسواق، وأصبحت المخازن فارغة من المؤن وشاعت مضاربات السوق السوداء التي صاحبها إرتفاع الأسعار وسوء تصرف المسؤولين المحليين، الذين حاولوا بدورهم التملص من مسؤولياتهم».
ويوضح الباحث أنه كثيرا ما ربطت العديد من الأطراف بين انتفاضة 8 ماي 1945، ونقص الغذاء ولخص بعضها أنها ثورة طعام بالنظر للأوضاع المأساوية التي عاشها الشعب الجزائري خصوصا سنة 1944 - 1945، واستمرت الصحافة الشيوعية تروي حلقات مسلسل المجاعة.
تؤكد العديد من الوثائق والتصريحات والكتابات التاريخية أن الحكومة العامة والمصالح الإستعمارية كانت تتوقّع قيام إضطرابات تثيرها الحركة الوطنية بإنتهاء الحرب العالمية الثانية، في هذا الإطار وجه الحاكم العام إلى شاطينو مذكرة في شهر أفريل إلى العمالات ورؤساء الدوائر يحذرهم فيها من إمكانية قيام إضطرابات بين الفئتين الجزائرية والأوروبية يوم النصر، و زادت الصحافة الإستعمارية من إثارة المخاوف فعنونت أسبوعية الشرف والوطن الناطقة باسم قدماء المحاربين أحد مقالاتها: «ثورة لا يمكن تجنبها».
وتركز المذكرة أن ما يؤكد توقع قيام الأحداث ويعزّز فكرة وجود مؤامرة استعمارية هدفها الاستيراتيجي ضمان استمرارية الوجود الإستعماري في الجزائر وعلى شكله العنصري الجائر، ما ذهبت إليه صحيفة البريد الجمهوري التي ذكرت أنه حتى يشعر المتربول بأهمية المستعمرة الجزائرية، وكيف أن درس الحرب بين أن المستعمرة (الجزائر) مثلت رئة تنفس بالنسبة للوطن الأم، لذلك لابد من أحداث تراجيدية (مأساوية) حتى يدرك إخواننا الفرنسيين المصلحة الأساسية التي تمثلها الأملاك الإفريقية».
في المقابل، حاولت الصحافة الوطنية استغلال الأحداث لخدمة الدعاية الوطنية، على عكس الصحافة الإستعمارية التي اعتمدت أسلوب التعتيم الإعلامي بإبراز وتضخيمها لبعض الجوانب وإغفالها وتجاهلها لجوانب أخرى، ففي 9 ماي نقرأ في الصحف الكبرى مختلف مظاهر احتفالات المعمرين، والتي أشرفت عليها السلطات الإستعمارية في مختلف المدن في وقت كانت المظاهرات التي قام بها الجزائريين أكبر منها من حيث استيعاب عدد المتظاهرين، وهي التي تحمل دلالات سياسية خطيرة بالنسبة للإستعمار، إلا أن الصحف الإستعمارية لم تتحدث عن هذه المظاهرات التي شملت مختلف المدن الجزائر، وحتى الأحداث الدموية لم تتحدث عنها مباشرة بعد حدوثها أي في 8 و9 ماي وإنما تأخرت إلى التواريخ الموالية وحتى تعرضها لها تمّ لكونها تحوّلت إلى صدمات ومشادات عنيفة مسّت بالفئة الأوروبية، يضيف عكاش.
على خلاف تفصيلها في الطرق التي قتل بها الأوروبيين لم تول الصحف الإستعمارية اهتماما كبيرا للقمع الذي لحق بالجزائريين والذي كان عنيفا تحت إشراف السلطات الرسمية وبالخصوص رئيس دائرة أشياري، وحول تبرير القمع ذكرت صدى قالمة: «السلطات كانت واعية بالمجزرة لذلك قرّرت تسليح الأوروبيين الذين شكّلوا الحرس المدني، الذي انضم إليه الأوروبيين بمختلف توجهاتهم الحزبية، الشيء الذي سمح بحفظ الأمن في المدينة إلى غاية وصول النجدات».
وخلص الطالب في بحثه، إلى أن الخطاب الصحفي الاستعماري حول أحداث ماي تميز بالانحياز الواضح للجانب الأوروبي ومساندة وجهة النظر الرسمية والاستعمارية الداعية إلى ممارسة القمع بقوة، وفي سبيل تبرير ذلك عرضت الصحف الاستعمارية أحداث الانتفاضة بأسلوب عاطفي يثير أحاسيس الشفقة تجاه الأوروبيين والعداء اتجاه الجزائريين وألقت كل مسؤولية التصعيد بهم متجاهلة دور استفزازات الشرطة ومطاردة قوات الأمن والجيش والإعدامات الجماعية للميليشيات والقصف المدمر للطيران والمدفعية الحربية.
 وتجاهلت أيضا الضحايا الجزائريين الذين يبدوا حسب منطقها الإستعماري يجب أن يموتوا دون أن يستفيدوا من حقّ الحديث عنهم مثلما لم يستفدوا من حقّ الدفن. ومحاولة تقزيم حجم الانتفاضة باعتبارها عمل لأقلية محرضة من قبل أوساط أجنبية ألمانية وفاشية ودعمت أطروحاتها بنشر مواقف مختلف الجهات المعادية لحركة الإنتفاضة والداعية للهدوء ولقمع المتسببين في القتل بشكل قاسي. أما الصحف الوطنية قامت بتنمية الحسّ الوطني والوعي القومي وروجت لفكرة ضرورة إعادة النظر في صيغة التعامل مع المستعمر وأسلوب مواجهته ووظفت الأحداث بالشكل والتي كانت نتيجته ميلاد أول نوفمبر 1954.