طباعة هذه الصفحة

اليوم الوطني للذاكرة

جرائم فرنسا الإستعمارية لن تسقط بالتقادم

حمزة محصول

تعود ذكرى 8 ماي 1945، هذه السنة، كيوم وطني للذاكرة، تخلد فيه أرواح ملايين الشهداء الذين سقطوا على يد الاستعمار الفرنسي الغاشم طيلة 132 سنة. في وقت تستمر الدولة في جهود اقتطاع الحقوق المعنوية والتاريخية للجزائريين، عبر القنوات التفاوضية مع باريس.
يستذكر الجزائريون، مجازر 8 ماي، التي وقعت قبل 9 سنوات عن انطلاق الثورة التحريرية، كيوم لغدر ووحشية فرنسا الاستعمارية، التي سخرت كامل ترسانتها الحربية، مدعومة بمليشيات المعمرين لقتل آلاف المواطنين العزل، الذي خرجوا للتظاهر مطالبين بالاستقلال، بعد انتصار الحلفاء على النازية.
وكان استقلال الجزائر، يومها، وعدا أخلف به الاستعمار الفرنسي، ليضيف الخديعة والغدر إلى قائمة الصفات المشينة التي اتصف بها منذ احتلاله لها سنة 1830، كالإبادة والتخريب والقتل والتدمير والتنكيل والتهجير وصولا إلى مسخ الشخصية الوطنية.
ومنذ العام الماضي، أعطت الجزائر، بعدا آخر لهذه الأحداث الأليمة التي عرفته مدن سطيف، قالمة وخراطة، قبل 76 سنة، حيث رسّم الثامن ماي من كل سنة، كيوم وطني للذاكرة الوطنية، من قبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون.
وأعاد القرار ملف الذاكرة الوطنية، إلى مجالها التاريخي الحقيقي، بعد محاولات حثيثة لحصر جرائم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، في السنوات السبع للثورة التحريرية، بل سعى البعض إلى التلاعب بالتاريخ والمشاعر وتوظيف مقاربات زائفة للمساواة بين الضحية والجلاد، من خلال الدفع إلى الواجهة بما يسمّى «بالجراح المشتركة».
الرئيس تبون حسم، العام الماضي، في رسالته بالمناسبة، وبشكل قاطع، في الحقبة الزمنية التي تشكل الرصيد الكامل للذاكرة الوطنية، الواجب صيانتها وتخليدها لكل الأجيال، حيث أكد جرائم الاستعمار الفرنسي خلفت أكثر من 5.5 ملايين شهيد منذ 1830 إلى 1962.
وقال في رسالته: «إن القمع الدموي الوحشي للاحتلال الاستعماري الغاشم، سيظل وصمة عار في جبين قوى الاستعمار، التي اقترفت في حق شعبنا طيلة 132 سنة». وأكد أنها «جرائم لا تسقط بالتقادم رغم المحاولات المتكررة لتبييضها، لأن عدد ضحاياها تجاوز الخمسة ملايين ونصف المليون ضحية من كل الأعمار، أي ما يمثل أكثر من نصف سكان الجزائر».
وإلى جانب الدماء الزكية، التي سقت أرض الجزائر، لن يحمى من سجل الاستعمار الفرنسي ما اقترفه من نهب وسلب لمقدرات وكنوز وممتلكات تفوق قيمتها ملايير الدولارات، إلى جانب ما تركه من سموم وألغام، على البيئة والإنسان في الصحراء الجزائرية وعلى الشريط الحدودي، لازالت آثارها مستمرة إلى غاية اليوم.
وفي إطار هذه النظرة الشاملة، تطرح السلطات الجزائرية على الطاولة مقابل الجانب الفرنسي، مجموعة من الملفات كحزمة ثقيلة لملف الذاكرة، لا يبدو أنها ستجد طريقها إلى الحل خارج الأطر التفاوضية العسيرة، بسبب مماطلة وتملص الطرف الذي خسر الحرب.
وتقف أمام البلدين أربعة ملفات أساسية هي: استعادة الأرشيف الوطني، التفجيرات النووية في الصحراء وآثارها، استكمال استرجاع جمام المقاومين الشهداء والمفقودين.
وطيلة السنة الماضية، استطاع الرئيس تبون ونظيره الفرنسي، تحريك جزء من المياه الراكدة، حيث استعادت الجزائر أول دفعة لجماجم أبطال المقاومة الشعبية، في الخامس جويلية الماضي، وجرى الاتفاق على الشروع في عمل ثنائي لتسوية الملف، لكن وطيلة هذه الأشهر لم يصدر عن باريس إلا خطوات رمزية قليلة، لا ترتقي حتى إلى نظرة الجزائر للملف.
وطالبت الجزائر رسميا، من فرنسا الخرائط الطبوغرافية لأماكن إجراء التجارب النووية والكيماوية، ومواقع دفن نفاياتها، بغرض الشروع في تطهير المناطق من الإشعاعات. وينتظر أن يعقد الفوج المختلط الجزائر-الفرنسي دورته 17 حول التجارب هذا الشهر.