طباعة هذه الصفحة

المدير العام لمجمّع «جفابرو» مصطفى بلحنيني لـ «الشعب»:

لا نُصدّر لكن الاحتياجات الوطنية مضمونة

حوار: زهراء - ب

 ارتفاع أسعار الخضر في رمضان غذّته لهفة المستهلك

يؤكّد الرئيس المدير العام لمجمّع تثمين المنتجات الفلاحية «جفابرو» مصطفى بلحنيني، في حوار مع «الشعب»، أنّ قطاع الفلاحة لا يصدّر للخارج، ولكن استطاع «ضمان الاحتياجات الوطنية» من الغذاء خاصة في فترة الجائحة، داعيا الجزائريين إلى وضع «الثّقة» في الحكومة لأنّها لو رأت عجزا في الإنتاج لقرّرت فتح باب الاستيراد، وعليه لا داعي «للتخوف» من نفاذ مخزون المنتجات الزراعية، وتغذية بذلك المضاربة، التي أبقت أسعار عدّة منتجات مرتفعة في الأسواق، رغم دعوات التهدئة وعدم الانسياق وراء مروّجي الشّائعات.

الشعب: ما هي مهمّة مجمّع تثمين المنتجات الفلاحية؟ وهل تجاوز تداعيات الأزمة الصحية؟
المدير العام لمجمّع «جفابرو» مصطفى بلحنيني: أنشئ مجمع تثمين المنتوجات الفلاحية، في ديسمبر 2016، انبثق من شركة مساهمات الدولة، وهو تحت وصاية وزارة الفلاحة، يضم 74 مزرعة نموذجية منها 31 مزرعة في إطار الشراكة، المزارع متخصّصة في إنتاج الكروم، الأشجار المثمرة (الزيتون المكثّف، التمور، وجميع أنواع الفواكه)، إنتاج بذور البطاطا.
مجمع تثمين المنتوجات الفلاحية «جفابرو» رغم الأزمة الصحية، هو في صحة جيدة، واستطاع تحقيق نتائج إيجابية، بفضل سياسة العمل المسطّرة والتي ركّزت على تنمية فرعي الأشجار المثمرة، وبذور البطاطا.
انطلقنا في مشاريع كبرى، مثل مخبر قلال، الذي أصبح مهيأ ويتجاوب مع مشروع وزارة الفلاحة، لتوفير الاحتياجات الوطنية من بذور البطاطا، واستنادا إلى المؤشرات، الجزائر ستحقّق اكتفاءها الذاتي من هذه المادة آفاق 2023 وتتوقّف عن استيراد بذور البطاطا، فحاليا ننتج 1.5 مليون طن من البذور سنويا، وهي وفق مؤشرات الانتاج ستغطي الإحتياجات، ونحقق فائضا يفوق 200 ألف طن في 2022  و2023.
بالنسبة للأشجار المثمرة، يوجد مزارع في إطار الشراكة تتجاوز مساحتها المغروسة 7 آلاف هكتار، تضم الحوامض الكروم، جميع أنواع أشجار الفواكه.
أما المزارع الأخرى خارج الشراكة، هي تحت وصاية المجمع تختص في إنتاج الكروم، البطاطا، الحوامض، البطاطا، وهذا العام خصّصنا 400 هكتار لزراعة الكولزا.
 رغم تحقيق نتائج إيجابية في إنتاج بذور البطاطا، إلا أن مشكل البطاطا الإستهلاكية دائما يطفو للسّطح، ما هو السبب؟
 لا يوجد بلد في العالم لديه منتوج البطاطا على طول السنة، الجزائر لديها منتوج الصيف، الخريف، الموسمي، المناطق السهبية والمناطق الصحراوية، صحيح يوجد فترة نسجل نقصا في الإنتاج، ولكن لتغطية العجز وضمان توزيع دائم لهذه المادة، وضعنا نظام التخزين 50 ألف طن، نخرجها لما نسجل نقص المنتوج في الأسواق ويرتفع الطلب عليه، مثلا في هذا رمضان ارتفع الطلب على البطاطا مقارنة بالسنوات الماضية، لكن هذا العام وقع بعض التذبذب في الإنتاج بسبب تقليص المساحة المزروعة بولاية الوادي من 30 ألف هكتار إلى 20 ألف هكتار، لذلك المنتوج القادم من هناك لم يغط الطلب الوطني، وانتظرنا دخول منتوج المناطق الشمالية مثل مستغانم وسكيكدة، ولكن ما وقع مع مادة البطاطا ليس مشكل إنتاج وإنما مشكل مضاربة، بسبب قيام أشخاص (أصحاب الأموال) بشراء جميع الإنتاج بثمن مرتفع لإعادة بيعه في الأسواق بسعر مرتفع، وبذلك أصبحوا هم من يتحكمون في الأسواق، لذلك قمنا بإنشاء نقاط بيع وأخرجنا المخزون وتم بيعه بأسعار معقولة لكن في شهر رمضان رأينا لهفة المستهلك ساعدت على نشر التخوف من نفاذ المنتوج، ناهيك عن الاشاعات والبلبلة التي عمّقت هذا الهاجس.
بالنسبة للخضر الأخرى، سابقا لم تكن موجودة طول السنة، ولكن اليوم أصبحت متوفرة بفضل الزراعة في البيوت البلاستيكية بولايات الجنوب بسكرة والوادي خاصة، وهذه تتطلب ميزانية ضخمة، لذلك من أراد أن يأكلها طازجة خارج موسمها فسعرها سيكون مرتفعا قليلا نظرا لتكلفها، وقد وصل سعر الطماطم 170 دج في أسواق التجزئة، وسوقها المجمّع بسعر تراوح بين 60 و70 دج.
ولكن لهفة المواطن من يشجّع المضاربة، ويرفع التبذير خاصة بالنسبة للمواد سريعة التلف، لذلك على المواطن أن يطمئن بأن الإنتاج متوفر، وعليه أن يعي جيدا أنه لو تم تسجيل نقص في الكميات المزروعة، لقامت الحكومة باستيراد ما نحتاجه لتدارك العجز، ولكن المنتوج متوفر، ونحن نحارب المضاربة، بدل التركيز أكثر على الإنتاج، لذلك يجب تفعيل المراقبة يوميا لوقف المضاربة والقضاء على هذه السلوكيات.
نحن كمؤسّسة عمومية، قمنا بفتح نقاط بيع على مستوى عدة ولايات منها العاصمة ووهران، لتوفير احتياجات المستهلكين، في باب الوادي مثلا قمنا ببيع تقريبا 70 طنا من البطاطا بسعر معقول ترواح بين 40 و45 دج، وسعرها لا يجب ألا يتجاوز 45 دج واليوم الفلاح يريد بيعها بين 30
و35 دج، حتى يحقق هامش ربح، وليس هو من يطالب ببيعها بـ 60 دج أو أكثر، هذا هدف من يقومون بتسويق هذا المنتوج بطرق غير شرعية.
وما هي الحلول التي تقترحونها لتنظيم عملية الانتاج والتسويق؟
 إنتاج الجزائر من البطاطا يعادل 50 مليون قنطار سنويا موسمية وغير موسمية، بمعدل حصة استهلاك للفرد الواحد تقدّر بـ 100 كلغ سنويا، وهذا الرقم يفوق المعدل العالمي، أما على مستوى الدول العربية والإفريقية فنحن الأوائل.
تبقى الفترات الصعبة التي تشهد نقصا في الإنتاج، وتبدأ من شهر نوفمبر إلى غاية ديسمبر، اليوم استطعنا تغطية العجز المسجلة خلال هذه الفترة بالبطاطا المنتجة في الوادي، أما شهر جانفي فيغطى الطلب فيه بالبطاطا المتأخرة، ولكن أحيانا استمرار تساقط الأمطار يؤخّر عملية الجني وتسويق المنتوج في الأسواق، لذلك نتدخل عن طريق ضخ المنتوج المخزن منذ الصيف لتغطية النقص، وهذا الحل المعتمد حاليا، نخرج البطاطا في فترة الندرة أو الظروف المناخية الصعبة حيث يستحيل جني المحصول الجديد، لتغطية احتياجات المستهلكين، ولكن يوجد حل آخر مادام أن كل أنواع الخضروات والخيرات متوفرة، وهو تغيير النمط الإستهلاكي، يجب على المواطن أن يتجه لاستهلاك الأنواع الأخرى للخضر، ولا يقتصر على مادة البطاطا فقط حتى يساير ظروف البلد، ورأينا شعوب بعض الدول كيف نظمت استهلاكها لتتماشى مع ظروف الحياة في بلدانها، ونحن في الجزائر وفّرنا كل أنواع الخضر في كل المواسم، يبقى شهر رمضان ترتفع فيه الأسعار بسبب تدخل أصحاب البلبلة ولكن بعد مرور 10 الأيام الأولى تزول التخوفات، وتستقر الأسعار.
مع أنه نمنح ضمانات بتوفر الإنتاج، ولكن المواطنين لا يثقون، يجب على الشعب أن يضع ثقته في الدولة، فهي لن تسمح فيه، هذا رمضان نظّمت اجتماعات عديدة للتحضير لرمضان سواء على مستوى مجلس الوزراء، الحكومة، القطاعات الوزارية، كم من أسبوع ونحن نحضّر، ولو رأينا أنّ الإنتاج الوطني لا يلبّي الاحتياجات كانت الحكومة قررت الاستيراد، ولكن الحكومة متحكّمة في الوضع والمواطن عليه أن يثق في الدولة، وأن الخيرات متوفرة، صحيح لا نصدر للخارج ولكن الاحتياجات الوطنية مضمونة، مثل الليمون، الثوم كنا نستوردهما اليوم ننتجهما.
لأوّل مرة نشهد استمرار ارتفاع أسعار الخضر والفواكه طيلة أيام الشهر الفضيل، لماذا؟ وهل صحيح بسبب تراجع إنتاج البيوت البلاستيكية؟ 
  رمضان هذا العام استثنائي، صحيح شهدت بعض الخضر ارتفاعا مثل الطماطم ولكن انخفض سعرها من 170 إلى 70 دج، ومقارنة الأسعار لا يجب أن تكون في الأحياء الكبرى حيث المحلات التجارية يبيعون بأسعار مرتفعة، ولكن خارج أحياء الأثرياء يوجد أسعار معقولة.
الزراعة في البيوت البلاستيكية تأثّرت بالعوامل المناخية، شهدنا مناخا باردا نوعا ما في شهر أفريل، وهذا أخّر عملية نضج الطماطم عن وقتها المحدد، وبالتالي تأخّر موعد جنيها وتسويقها، ومع ارتفاع درجات الحرارة في شهر ماي لن يكون هناك تأخرا في نضج المزروعات.
من جهة أخرى، فائض الإنتاج يجب أن ينظم، لذلك نعمل على مرافقة الفلاحين عن طريق التعاونيات أو الهيئات المستحدثة لتصديره للخارج أو تحويله، وهذا التوجه يتطلب تقنيات وخبرة ومرافقة من قبل السلطات حتى يحقق المنتجين أهدافهم، ونحن نسير في هذا المهنج حيث أنشأنا على مستوى وزارة التجارة فرعا للتصدير يضم ممثلين من وزارة الخارجية، الجوية الجزائرية، الفلاحة، وقد وضعنا برنامجا كبيرا لرد الاعتبار للمنتوج الوطني وتسويقه في الأسواق الدولية الإفريقية، الأوروبية، والأسيوية.
وبالنسبة للمحولين فسيخصص لهم الفائض الإنتاج لتحويله، سواء منتوج البطاطا أو الفواكه، واليوم نرى محولين مختصين في إنتاج الفواكه المجففة كالزبيب، البرقوق، المشمش، بعد أن كنا نستوردها لسنوات.
 خاض المجمّع هذا العام تجربة زراعة الكولزا وهو محصول استراتيجي يراهن عليه لخفض فاتورة استيراد المواد الأولية التي تدخل في صناعة الزيت، هل حقّقت التجربة أهدافها؟
 قمنا بزراعة الكولزا هذا العام في تجربة أولى، تنفيذا لإلتزامات رئيس الجمهورية وتوجيهات وزير الفلاحة ميدانيا، على مساحة 400 هكتار كبداية رغم وجود صعوبات في عملية زراعة المنتوج بحكم أنها تجربة جديدة، ولكن بفضل تقنيي المجمع تم التحكم في زراعته، وفي أقرب وقت ستبدأ عملية الجني، جزء من المحصول سيترك بذورا، والجزء الآخر سيوجه لاستخراج الزيوت.
وضعنا برنامج توسيع مساحة زراعة هذا المنتوج على 3 آلاف هكتار آفاق 2024، لتحقيق على الأقل نصف احتياجات الجزائر من الزيوت المستورد من الخارج.
والحكومة وضعت برنامج استصلاح الأراضي في الصحراء، ومنح التسهيلات للفلاحين الراغبين في الاستثمار في هذا النوع من الإنتاج لتحضير أنفسهم، وإنتاج هذه المنتوج لصالح البلاد واقتصاد البلد، وسجّلنا تجاوبا كبيرا من قبل الفلاحين لتحقيق هذا الهدف في المناطق الصحراوية الشاسعة، خاصة وأنّ المياه متوفّرة.
لا يمكن تحقيق هذا الهدف في يوم واحد، ولكن سيكون عبر مراحل، وسنقيّم التجربة في نهاية 2024 حتى ندعم النقاط الايجابية، ونصحح الأمور التي أخطأنا فيها.
هل توجد نيّة لتوسيع عدد المزارع النّموذجية وفتحها للشّراكة مع الخواص أو الأجانب؟
 المزارع النموذجية لديها طابع استراتيجي وهي موجودة في جميع مناطق الوطن، وهي بمثابة مدارس للفلاحين، حيث يمكنهم الإطلاع على تقنيات الزراعة الحديثة سواء المزارع الموضوعة في إطار شراكة أو العمومية، لأن المزارع النموذجية لا تملك مساحات كبيرة لتغطية جميع الاحتياجات الوطنية، ولكن يمكنها تنظيم الفلاحين المجاورين لها، ومنحهم التقنيات المساعدة على توسيع المساحات المزروعة وتطوير الإنتاج خاصة في الشعب الجديدة، حيث لا يملك الفلاح أي خبرة و تجربة مثل الزراعات الاستراتيجية.
الشراكة مع الأجانب ممكن، لكن اليوم في الجزائر لدينا مشتثمرون جزائريون لديهم الكفاءات والامكانات نبدأ معهم، والأجانب إذا رغبوا في الاستثمار بالجزائر ونقل التقنيات وتحويل التكنولوجيات مرحبا بهم، لن نغلق الأبواب أمام أي طرف، ولكن بناء على تجربتنا يوجد جزائريون لديهم رغبة في الاستثمار، والدليل الشراكة التي تمت في إطار المزارع النموذجية أصبحت اليوم مرآة الاستثمار الناجح للبلاد وحققت أهدافها، حيث ارتفع مردود الشجرة المثمرة من 180 قنطار إلى 600 قنطار، وبالنسبة البطاطا وصلنا إلى 500 قنطار في الهكتار الواحد.
يوجد عمل كبير أنجز مع الخواص في إطار الشراكة التي كانت ناجحة سواء على مستوى مردود الإنتاج أو النتائج المالية.
التشكيك في كفاءة الجزائري والقول إنه لا يعمل يجب أن يزول من الرؤوس، الثقة هي من تدفع بالاقتصاد الوطني ولكن غيابها يوقف كل شيء، لهذا يجب وضع الثقة في الجزائري للنهوض بقطاع الفلاحة لأنه سيعوض البترول، خاصة وأن الإمكانات الطبيعية والبشرية المساعدة على تحقيق ذلك متوفرة في وقت تفتقر إليها عدة دول، بقي وضع الآليات القانونية للعمل وسيتغير اقتصاد البلد.
على ذكر الآليات القانونية للعمل، يتّفق الجميع على أنّ البيروقراطية هي من يجهض أي مشروع لجعل الفلاحة قاطرة اقتصاد البلد، كيف نعالج هذا الداء؟
 النّهوض بالقطاع الفلاحي يتطلب منح تسهيلات وتحفيزات للفلاحين والمستثمرين لاستعادة ثقتهم، فالإكثار من اللجان والوثائق يؤخر انطلاق المشاريع بين عام أو عامين، ونفس الأمر بالنسبة للتصدير.
استعادة ثقة الفلاحين ورجال الأعمال بمنح التحفيزات والتسهيلات لتحريك الاستثمار، إذا كانت قائمة على مستوى الحكومة، يجب أن تكون عند كل المسؤولين بالدوائر والبلديات والولايات، وعليهم أن ينخرطوا في هذا المسعى ويتجاوبوا مع سياسة البلد للقضاء على البيروقراطية التي عمرت طويلا في الإدارة.
الثقة أساس تقدّم ودعم الاستثمار، ولا يجب أن نبقى في الحسابات الضيقة، توجد عدة إمكانات لجعل الفلاحة القاطرة الحقيقية لاقتصاد البلاد، التي تنسينا في البترول، ولكن يجب منح الحرية للمستثمر من أجل الاستثمار وعدم النظر إليه بنظرة دونية.