طباعة هذه الصفحة

رئيس الجمهورية أمر باستحداث صندوق خاص بها

خطــوة نحــو وضـع اليد على الأمـوال المنهوبـة

حمزة محصول

يعرف ملف استعادة الأموال المنهوبة، الذي يشكّل أحد أكبر التزامات رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون تقدّما لافتا، عقب تسجيل إشارات قوية على تسريع الوتيرة استرجاع ما «نهب» و»هرّب» خارج الوطن، كالشروع في وضع الآليات القانونية والتنظيمية، تؤكّد «الإرادة» في التعاطي الشفاف مع هذه المقدرات.
بعد أزيد من سنة من الترقب، بدأت الأخبار «المؤكّدة» بشأن استرجاع الأموال والممتلكات العقارية والمنقولة، التي نهبت واستغلت بطرق غير قانونية، تصل الرأي العام الوطني، لتبرهن أنّ الأمر ليس مجرد وعد انتخابي «تعجيزي» أو «استعراضي» مثلما ذهب إليه البعض.
وبالرغم من حجم المسؤولية السياسية والمعنوية، لالتزام مماثل، يحظى باهتمام بالغ من قبل الشعب الجزائري، الذي خرج في حراك 22 فيفري مطالبا بإسقاط العهدة الخامسة، ومحاسبة الفاسدين دون استثناء، أكّد رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، عزمه على التعاطي مع الملف بكل شفافية ووضوح، ودون ادّخار أي جهد في تحقيق التزامه.
وفي السياق، وجّه الرئيس تبون الحكومة، لدى ترؤّسه اجتماع مجلس الوزراء، الأحد، بإدراج أحكام تتعلق باستحداث «صندوق خاص بالأموال والأملاك المنهوبة المصادرة، والتي سيتم مصادرتها مستقبلا، بناء على أحكام قضائية نهائية، في إطار قضايا محاربة الفساد».
وستدرج هذه الأحكام، ضمن مشروع الأمر المتضمن قانون المالية التكميلي 2021، الذي سيعرض للمناقشة والمصادقة، في الاجتماع المقبل لمجلس الوزراء.
قرار استحداث هذا الصندوق، يبرز «الإرادة» في جرد وتسيير كل ما تم مصادرته وحجزه لحد الآن، من أموال وممتلكات عقارية ومنقولة بطريقة شفّافة، ويؤكّد انسجام الجزائر مع التوجه العالمي في محاربة الفساد والوقاية منه، والمنصوص عليه في اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وتحديدا مادتها 31.
وتنص الفقرة الثالثة، لهذه المادة على أن «تتّخذ كل دولة طرف (في الاتفاقية)، وفقا لقانونها الداخلي، ما قد يلزم من تدابير تشريعية وتدابير أخرى لتنظيم إدارة السلطات المختصة، للممتلكات المجمّدة أو المحجوزة أو المصادرة».
وجاء دستور نوفمبر 2020، بتعديلات نوعية، في ما يتعلق بمكافحة الفساد والوقاية منه، بدءاً من الديباجة، وصولا إلى المواد التي تنص على استحداث آليات دستورية في المجال.
ويرمي استحداث صندوق خاص، إلى التقفي الدقيق لمصادر الأموال والممتلكات واختصاص صرفها، حتى لا تدرج في المحاسبة العمومية ضمن الميزانية العامة، ويحدّد مرسوم تنفيذي صادر عن الجهة الآمرة بالصرف، مجال تخصيصها دون المرور على قانون المالية، كون الأخير يضع الميزانية السنوية القطاعية.
رئيس الجمهورية، تحدّث في مجلس الوزراء، عن «الأموال والممتلكات المصادرة» و»التي سيتم مصادرتها»، مشيرا بذلك إلى أن العملية التي بدأت أولى ثمارها بالظهور أواخر فيفري الماضي بالظهور، مستمرة إلى غاية استرجاع أقصى ما يمكن استرجاعه.
ومعروف أنّ استعادة الأموال المنهوبة، في جميع دول العالم، تمر عبر ثلاثة مراحل: تحديد أماكنها، صدور الأحكام القضائية النهائية ووجود اتفاقية ثنائية مع الدول التي تتواجد بها الأموال.
وأواخر فيفري، أعلنت سفارة الجزائر بباريس، عن استعادة ما لا يقل عن 44 عقارا، من قصور وشقق ومباني كبرى، تفوق قيمتها عشرات الملايين من اليوروهات، وكشف في السياق، السفير الجزائري، لدى فرنسا، عنتر دواد، أنه رفع ملفا مفصلا لرئيس الجمهورية، في الأسابيع القليلة الماضية، عن العملية.
وأشار إلى أنّه تمّ وضع خطط للتعامل مع تلك الممتلكات، والتي من ضمنها قلعة بمرسيليا تتراوح قيمتها ما بين 8 و10 مليون يورو، من خلال البيع أو الإيجار بعد إعادة الترميم والتأهيل، واستغلالها في مصالح اقتصادية وطنية.

أزيد من 700 مليون يورو لحد الآن

وزارة العدل هي الأخرى، كشفت في الثالث ماي الجاري، عن أرقام ضخمة للأموال المصادرة والجاري التحفظ عليها لحد الآن، في انتظار صدور باقي الأحكام النهائية بشأنها وبشأن قضايا أخرى ارتبطت بنهب مليارات الدولارات، هرّب جزء مهم منها إلى الخارج.
ويفوق مجمل ما كشفت عنه الوزارة في بيانها التفصيلي، الـ 700 مليون أورو، من أموال وممتلكات عقارية ومنقولة، من مركبات وسفن وعشرات القطع الأرضية العادية والفلاحية والمحلات، وضعت تحت يد القضاء ومنها ما تمّت مصادرتها.
وترتبط سرعة مصادرة هذه المقدرات المنهوبة، بتوقيت صدور الأحكام النهائية، حيث لجأ كل المتهمين في قضايا الفساد إلى الطعن بالنقض لدى المحكمة العليا، والتي أعلنت في 10 ماي الجاري، عن رفضها الطعون المقدمة في قضيتي مراد عولمي وطحكوت محي الدين، ما يجعل الأحكام الصادرة عن مجلس قضاء الجزائر نهائية.
وباتت الأحكام «بالحبس، الغرامة والمصادرة»، التي صدرت بشأن القضيتين في أكتوبر ونوفمبر 2020، قابلة للتنفيذ، في انتظار البت النهائي في قضايا أخرى كبدت الخزينة العمومية خسائر جسيمة.

تجاوب أوروبي

مسعى استعادة الأموال المنهوبة، امتد إلى الخارج، وتحديدا إلى الدول التي ثبت أن بها أماكن تواجد الأموال سواء في حسابات بنكية أو في شكل عقارات، وكشف رئيس الجمهورية، في آخر لقاء صحفي له، أن دول أوروبية أبدت استعدادها لمساعدة الجزائر، مشيرا إلى أن «شركات أوروبية تورّطت في كثير من قضايا الفساد في الجزائر وتهريب الأموال واستثمارها في الخارج».
وتنتظر الجزائر تعاونا جادا من إيطاليا، فرنسا، سويسرا واسبانيا، وبلدان أخرى في هذا الملف، في إطار تفعيل الاتفاقيات الثانية، بعد صدور القضاء الجزائري جميع الأحكام النهائية. ولا توجد أرقام دقيقة لحد الآن، عن حجم الأموال المنهوبة، لكنها تقدّر دون شك بمليارات الدولارات.