طباعة هذه الصفحة

«حياةٌ أخرى».. لثيودو كاليفاتيدس

كتاب مـهم للـذين يعانـون من حبسة الكِتـابـة

أمينة جابالله

تمت أول أمس وضع «الرتوشات» الأخيرة على عملية مراجعة ترجمة كتاب حياة أخرى للكاتب ثيودو كاليفاتيدس المطروح من طرف مجلس الثقافة والفنون السويدي، برعاية الكاتب الجزائري سعيد فتاحين، الذي قيّم العمل المتناول وفصل في جزئياته من جهة، وأعطى العلامة الكاملة خمسة على خمسة المستحقة  للكاتبة والمترجمة الأردنية فلورا مجدلاوي تثمينا لإشرافها على ترجمة الكتاب من جهة أخرى.
ثمّن المشرف على مراجعة الكتاب الذي جاء في شكل ذكريات عن الكِتابة بحدّ ذاتها، وصنفه من بين أهم الكتب التي يجب أن يقرأها كل كاتب ناشئ يسعى لتدارك ماهية أصول التدوين، أو كما جاء من خلال مصدر نسخة المراجعة التي تحصلت «الشعب» عنها من طرف الكاتب سعيد فتاحين، الذي صرّح بأن هذا الكتابٌ الجامع لعدة سِيَرٍ ويوميات، هو مهم لكُل كاتب حتّى يعثر على نفسه، وربما يشغل سيرته في أي وقت قرر أن يصبح كاتبًا، ودائماً يبقى سؤال الكِتاب هو الوجود بالنسبة للكاتب حَتَّى يكتب بشكل أدق.
كما استهل المشرف على العمل بجملة اعتراضية وجعلها كمقدمة للغوص في بحر الصفحات التي تمثلت في «كان خوفي الأكبر دائمًا هو أنني قد أجعل نفسي محطّ سخرية، فأكتب سيئًا فضيعًا»، هي جملة متضمنة في الكتاب أراد من خلالها المؤلف وضع القارئ في الحدث مباشرة وأن يتخيّل أنّ غريغور سامسا أحد - أبطال الكتاب - أفاق كحشرة ذات صباح، وتابع الكاتب تكملة الفقرة على النحو التالي: وبهذا المثال  تخيّل أن تنهض لمواصلة الكِتابة بطقوسكَ الخاصة لكنّ وأنت في أوّج الأزمة وداخل الصراعات التي تصنعها الشّخصيات وبين راديو الأصوات في ذاكرة الكاتب سرعان ما لا تستطيع الكِتابة وتحاول لكنك لا تستطيع أن تكتب حرفًا واحداً..
في هذا الكِتاب يبدأ الكاتب بسؤال.. كيف سأتمكن من أن أستطيع الكِتابة مجددًا..؟
وعن لحظات الضعف اللغوي الذي يتعرض له الكاتب أحيانا بحكم عدة مسببات، ولعلّ أهمها يكون بسبب الحالة النفسية المتقلبة، يضيف المتحدث في هذا السياق: إنَّ أي كاتب في لحظة ما يُعاني من عدم القدرة على الكِتابة،
ويحاول إخبار الآخرين أنه سيتوقف لكنّ القرار ليس بيدهم فلا صوت يسمعه، إنه شعور يشبه الإدمان، حيثُ يتطرّق؛ ثيودور عبر نماذج حيّة عن هذا الشّعور الذي يعيشه الكاتب، ويشبه هذا الإحساس بشخص على وشكّ أن يفقد عقله.. يشرع الكاتب في رحلة البحث عن الكاتب داخله، وهو أشبه برحلة البحث عن شيءٍ يقطن قربنا كالجار لكن من الصعب الوصول إليه أو معرفة مكانه، الأمر أشبه بالبحث عن مفتاح المعنى هو دائماً في جيوب العقل لكننا دائماً نبحث عنه..
وأبرز سعيد فتاحين الفرق في تعاطي فكرة الحالة النفسية لدى الكاتب الذي يعيش في المجتمع السويدي ونظيره الذي يعيش في المجتمع الجزائري، حيث قال في هذا الصدد: داخل مجتمع سويدي يصف الكاتب حالته النّفسية وحاجته إلى التغيير وكان يقول، إن القصص والمقالات والترجمة هي متناوله لكنها ميّتة، كأنها دون أكسجين.. وأعتقد أنَّ مشكلتنا في الجزائر هي التّفكير في الطبّع قبل الكِتابة أو بالأصح كيف يمكن أن نغدو كُتّابًا وفقط.. وبين شوارع ستوكهولم تدور قصص صغيرة بين الكاتب وبعض الأشخاص المميزين الذين يعرفهم، حيثُ يقرّر الكاتب بيع الاستوديو الذي يعيش فيه ومحاولة تغيير نمط حياته، هربًا من أسئلة الكِتابة لكن الأسئلة لا تكف عن الصراخ كأنها طفل صغير ضيّع نفسه و يبحث عن أباه الذي لا يمكن أن لا يكون إلا كاتبًا، ثم إنَّ الهوية دائماً ما تصاحب الكِتابة هكذا كان ثيودور يفتش عن موطنه، بينما الكِتابة تنبش قبره مفكرًا في انتحار إنّ لم يستطع الكِتابة،قرّر ثيودور كاليفاتيدس التّخلي عن كل شيء أن لا يذهب إلى العمل مثل أحداث رواية المسخ لفرانز كافكا، وكأنّ سامسا غريغور يسكن ثيودور، إنّ التّطفل على الشّخصيات سرعان ما يصبح تطفلاً على عالم خارجي هذا ما حدث مع كاليفاتيدس الذي أصبح يثير الشكوك حول زوجته وكل شيء في غالب الأحيان هذا ما يحدث حين لا نكتب.
وذكر المشرف على مراجعة الترجمة أنه بين الذّاكرة والهوية خيّط رفيع حيثُ يتحدث ثيودور عن يوميات وحكايا الأصدقاء وتلك القضايا الإنسانية التي كان يكتب عنها، وأحياناً يشعر الكاتب بالهلوسة والجنون حين لا يكتب فتأتي اللغة والطفولة الهاربة والحنين والمعتقدات الدينية والأزمات السياسية القذرة، يجول بنا كاليفاتيدس داخل ذاكرته المتطفلة على العالم الخارج بعد أن فكر في استسلام والتوقف عن الكِتابة..؟!!
تاركا في الأخير للقارئ جملة هامة من استنتاجات من شأنها أن تكون كوصايا في متناول صنّاع الكلمة، التي جاءت على النحو التالي:
أن نفتش ونحرس أنفسنا إنّ كُنّا سنكتب أم لا هنا حتمًا ستكون النهاية، فالكِتابة تختارنا ولا يمكن أن نختارها، وإنّ بعض الجمل القصيرة التي تشكل لنّا عملاً أدبيًا تبدو ببساطة كذبابة مزعجة في رؤوسنا..
إنَّ العودة إلى الذّاكرة هي أشبه بطفل صغير يحاول أن يمشي وهذا يعني العودة إلى اليونان يعني العودة إلى الكِتابة، وهنا أتذكرُ فيلم الكاتب الأرجنتيني دانييل مونتفاني حيثُ لم يستطيع أن يكتب خارج حدود بلدته سالاس هذا ما حدث مع ثيودور كاليفاتيدس،..
إنَّ المزاوجة بين اللغة أمر صعب هذا ما حدث مع ثيودور الذي كان ضائعًا لا يجد نفسه إلا بعد الحادثة، وتذكر أنه يكتب من أجل هويته الضائعة ولا فرق بين أن يعبر عنها بالسويدية أو باليونانية..