طباعة هذه الصفحة

إحياء الذكرى 150 لمقاومة المقراني

اعتماد التراث الشعبي في كتابة التاريخ

سهام بوعموشة

إستعرض المؤرخ  إيدير حاشي أستاذ بمركز البحث في الأنثربولوجيا الإجتماعية والثقافية بوهران، في محاضرة نظمها المعهد الوطني للدراسات الاستراتيجية الشاملة  أمس بمناسبة إحياء الذكرى الـ150 سنة لمقاومة 1871، مؤلفه بعنوان :»ألف وثمانمائة وسبعون، رفع سلاح من أجل الشرف والأرض « الصادر مؤخرا وهو نتاج بحث دام 10 سنوات، مؤكدا أن المحرك الأساسي لثورة المقراني هي الحماية وإسترجاع الأراضي وطرد المستوطنين.  
يقول المؤرخ إنه على ضوء دراسة لمحاكمة 213 قائدا لثورة 1871 الجزائرية خلال محاكمة قسنطينة الممتدة من شهر مارس إلى سبتمبر 1873، يعيد هذا الكتاب بناء «اللوحة القضائية « التي تلت ثورة يشهد الجميع بأنها أكبر محطة ثورية شهدتها الجزائر خلال القرن الـ19 من بوادرها حتى آخر المعارك.
ويوضح أن هذه الثورة بقيت نشطة من شهر نوفمبر 1870 إلى غاية جانفي 1872 بحوالي 350 معركة دارت خلال هذه الثورة التي بلغت ذروتها بين شهري مارس وجوان 1871، حيث جمعت آنذاك 200 ألف مقاتل وخصت أكثر من 800 ألف شخص على امتداد قرابة ثلثي شمال الجزائر، وهي منطقة القبائل حتى ضواحي الجزائر العاصمة، مناطق سوق أهراس، الأوراس، بسكرة، تبسة، الشمال القسنطيني، سطيف، الحضنة، سور الغزلان، تقرت، ورقلة ،نقرين ،فركان ،وشرشال بغرب الوطن، حيث قاد هذه الثورة الحاج أحمد المقراني وتوسعت إثر إقحام الزوايا الرحمانية بقيادة الشيخ محند أمزيان أحداد. ويقترح الباحث بالنسبة للمسائل المتعلقة بالأسباب والفاعلين إبراز تاريخ وإظهار الخصائص الإجتماعية للنخب الجزائرية للقرن الـ19 عبر مشاركتهم في هذه الثورة، حيث ركز في كتابه محرك هذه الثورة الشعبية المناهضة للاستعمار مع تفضيل التحليل النوعي للأرشيف القضائي للمؤلفات الناتجة عن الأدب الاستعماري للمواد الأنثروبولوجية مثل الشفوية والشعر، بهدف وضع ثورة 1871 في قالبها الحقيقي أي ثورة واسعة تستمد شدتها الاستثنائية من اندماج ثلاثة عناصر وهي نبل الجواد، القيادة الرحمانية والمجتمع الجزائري بذاته. ويضيف المحاضر أنه على قدر ما كانت تتقارب هذه القوات باتجاه نقطة التقاء، على قدر ما كان الإجماع الاستعماري يستعيد أنفاسه بالرغم من الخصومات القوية التي سجلها لتوحيد في كتلة واحدة الإدارة المركزية، السلطة الاستعمارية، الهيئات العسكرية والاستيطانية، مبرزا انتصار هذه الكتلة الاستعمارية على الثورة واستعادة النظام المهيمن بطريقة وحشية وعنيفة غير متكافئة ويمكن القول إنها انتقامية من شأنها الظهور كأنها لحظة مميزة لبيداغوجية إمبريالية موجهة نحو إعادة تأكيد سلطة النظام الاستعماري، الذي سعى لتدمير الأنسجة الاجتماعية – الأنثروبولوجية وتفقير المجتمع الجزائري.
ويشير المؤرخ حاشي أن الانتفاضة انتهت بتضحية 100 ألف جزائري ومصادرة 80 ألف بندقية وتبعها قمع وحشي ميزه عشرات الأحكام بالإعدام وعمليات إبعاد عديدة لمدى الحياة إلى أقطاب متباعدة (كاليدونيا الجديدة)، أحكام قاسية بالسجن والاحتجاز، حجز غير مسبوق للأراضي (205 مليون هكتار) وغرامات حربية تتجاوز 36 مليون فرنك، وتحتم الأمر على الجيش الاستعماري تعبئة قرابة 90 رجلا موزعين على عدة أرتال تقودها عشرات الجنرالات والضباط للقضاء على هذه الثورة الهائلة، التي كانت موجة مد حقيقية مناهضة للاستعمار والمستوطنين بصفة خاصة.
من جهته، دعا الدكتور بوضرساية بوعزة أستاذ التاريخ بجامعة الجزائر 02 إلى تحديد المصطلحات التاريخية، وتسمية الأمور بمسمياتها فبدل تسمية انتفاضة المقراني يجب إعطاء المصطلح الصحيح وهو ثورة، حيث أعاب على بعض الباحثين الذين يكتفون بالاعتماد في بحثهم على المصادر الفرنسية، في حين التراث الشعبي الجزائري غني بالمحطات التاريخية وهو أفضل مصدر لتدوين تاريخنا، مشيرا إلى أن الترجمة من الفرنسية إلى اللغة العربية شوهت تاريخنا.