طباعة هذه الصفحة

الصّحراء الغربية وليبيا... ثبات على الموقف

جلال بوطي

تحظى السّياسة الخارجية الجزائرية باحترام كبير على المستويين الإقليمي والدولي، الأمر الذي بوّأها مكانة خاصة بين الأمم، ورغم تحديات كبيرة واجهتها في مناصرة قضايا التحرر لم تحد الجزائر عن دبلوماسية التضامن قيد أنملة، وتستمر في مواقفها المشرفة على غرار دعم حركة تحرر البوليساريو ومرافقة الأشقاء في ليبيا.

الثبات على الموقف سمة بارزة رافقت الدبلوماسية الجزائرية منذ الاستقلال، وتعزّزت أكثر سبعينيات القرن الماضي، ولا تزال إلى يومنا هذا راسخة وشامخة بين الأمم والدول، ويتجلى هذا كثيرا في وقوف الجزائر مع الجمهورية العربية الصحراوية، العضو المؤسس في الاتحاد الإفريقي، التي تواجه الاحتلال المغربي وباتت أكثر القضايا حساسية في المشهد الدولي كونها آخر مستعمرة في إفريقيا.
ومنذ الاحتلال المغربي للصحراء الغربية سنة 1975، وقفت الجزائر على موقف واحد يدعّم الشرعية الدولية، ويدعّم في نفس الوقت جبهة البوليساريو الممثل الشرعي الوحيد للشعب الصحراوي، حيث تعتبر الأمم المتحدة، الصحراء الغربية مصنّفة على لائحة الدول المعنية بتصفية الاستعمار، وهو ما يمثّل موقفا وحيدا للجزائر ترافع عليه في المحافل الدولية انطلاقا من مبادئ ثورة التحرير المباركة التي خطّها بيان أول نوفمبر 1954 بالوقوف مع حركات التحرر العالمية.
ولما تمثله قضية الصّحراء الغربية، اليوم، من ملف معقد في أروقة الأمم المتحدة على ضوء فشل أممي طيلة أربع عقود من تسوية النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو،  تدافع الجزائر باعتبارها دولة جارة ومراقبة عن الشرعية الدولية وفق سياستها الخارجية الأزلية، وتدعو لتمكين الشّعب الصحراوي من حقه في تقرير المصير عبر استفتاء شعبي أقرّته الأمم المتحدة بعد وقف إطلاق النار بين طرفي النّزاع في 1991 ضمن خطّة سلام اقترحتها الولايات المتحدة الأمريكية، لكن استئناف إطلاق النار منذ 13 نوفمبر الماضي أعاد النزاع إلى مربع الحرب.

 ليبيا..دعم إنساني وسياسي

ألقت الجزائر بكل ثقل دبلوماسيتها منذ انفجار الأزمة الليبية، وكانت سبّاقة في الدعوة لرفض التدخل الخارجي الذي تسبّب في أزمة دموية لا تزال رحاها قائمة إلى اليوم رغم تراجع حدّتها بتوقيع الفرقاء على اتفاق وقف إطلاق النار في أكتوبر الماضي، لكن فشل الأمم المتحدة في دعم الحوار السياسي للتوصل لقاعدة دستورية لتنظيم الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 24 ديسمبر المقبل بات يثير المخاوف من عودة الصراع.
لم تدّخر الجزائر جهدا في مرافقة الفرقاء اللبيبين بالجلوس إلى طاولة الحوار، واحتضنتهم عدة مرات لتقريب وجهات النظر، كما كانت سبّاقة في دعم الشعب الليبي عبر مساعدات إنسانية عاجلة منذ تفجير الأزمة، وذلك عبر إرسالها جوّا وبرّا عبر المعابر الحدودية في تنسيق متواصل إلى يومنا هذا بين الهلال الأحمر الجزائري ونظيره الليبي، لضمان تموين المواطنين بالمواد الغذائية الأساسية.
موقف الجزائر من ملف ليبيا جعلها محل ثقة واحترام من كل الأطراف الليبية التي رحّبت بجهودها لاحتضان سلسة مشاورات عديدة لإنهاء الأزمة منذ 2015، ولا تزال الدبلوماسية الجزائرية ثابتة على موقفها رغم تعرضها لانتقادات من أطراف حاقدة على دعمها لجهود التسوية الأممية، واستمرار رفعها لمبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتأكيدها على أن الحل في ليبيا يكون ليبيا - ليبيا، وهو ما رافعت لأجله في مؤتمر برلين الأول والثاني، وتواصل دعمها للسلطة التنفيذية الليبية ممثلة في المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية لتنفيذ استراتيجيهم لإنهاء الأزمة بما يعود بالاستقرار للمنطقة.