طباعة هذه الصفحة

حفظ الذاكرة أمانة

من الكتابة الثوريـــة إلى الفيلـم السينمائـي

حبيبة غريب

  لا يمكن لأمة أن تخلد بطولات رجالها ونسائها إلا من خلال تدوينها كتابيا وفنيا، وكم هي كثيرة تضحيات أبناء وبنات الشعب الجزائري على مر الزمن سواء في الدفاع عن السيادة والأرض والعرض أو في بناء الدولة والكيان وتحقيق الرقي والازدهار والتصدي لكل الأزمات الأمنية والسياسية والاقتصادية.
تعود ذكرى استرجاع السيادة الوطنية ومعها عيد الشباب، تستوقفنا المناسبة للحديث عمّا قدمه الأدب والأدباء من روايات ومؤلفات وما عرضه صناع الأفلام السينمائية من أعمال عن المقاومة وثورة التحرير الوطني لطرح السؤال هل وفينا الماضي حقه، وهل تؤدى الأمانة لأجيال المستقبل وهل حفظنا حقا الذاكرة الوطنية من خلال الإبداع والفن؟
كم هي جميلة ومؤثرة تلك القصص والمواقف والتضحيات التي تحاكي نضال الشعب الجزائري طيلة قرن و32 سنة من الزمن وكفاحه المستميت من أجل التحرر من العبودية ونير الاستعمار، قصص يستوجب علينا التعريف بها، وتقديمها إلى الأجيال القادمة حتى تُرسخ فيهم روح الوطنية وحتى نكرم التضحيات الجسام لرجال ونساء ضحوا بالنفس والنفيس من أجل أن تسترجع الجزائر سيادتها في 5 جويلية 1962..
كثيرة هي الكتب والروايات التي تناولت الشخصيات الوطنية والأحداث والبطولات التي كللت كفاح الشعب الجزائري الأبي ومقاومته خلال أكثر من قرن وثلاثة عقود في وجه الاستعمار الغاشي. إصدارات قيمة تترجم اهتمام الكتاب والروائيين والباحثين في تاريخ الجزائر، وكذا بعض الناشرين، وتشكل أغلبيتها مراجعا توثيقية مهمة ترفع الستار عن القليل فقط من كم المعلومات الهائل الذي يزخر به تاريخ المقاومة الشعبية الجزائرية مند أجيال.
وبالرغم من ثراء المكتبة الجزائرية تمثل هذه العناوين القيمة والأبحاث الهامة في تاريخ الثورة التحريرية، تبقى المجهودات المبذولة في هذا السياق محصورة في غالبيتها على جمع وأرشفة التواريخ والأحداث انطلاقا من الشهادات لمن عايشوا الفترات المؤلمة أو استنادا لما كتبه المؤرخون المستشرقون.
خزان هائل من المعلومات القيمة لا يهتم به الكثير من أفراد المجتمع، ولا يتناوله الإعلام إلا مناسباتيا ولا يدرج في المناهل والمناهج البيداغوجية المدرسية، مجهود فكري وتاريخ ضائع بين رفوف المكتبات أو في مستودعات التخزين عند الناشرين في غياب آليات التوزيع والإشهار للتعريف به... مخزون من المعلومات التاريخية لا يعرف اهتمام كتاب السيناريوهات ولا يترجم إلى أفلام أو مسلسلات من شأنها أن تعيد الإعتبار للذاكرة الثورية، وتلهم الأجيال الصاعدة التي تبحث اليوم على مراجع وأبطال تفتخر بها.....
 الأفلام الثورية والحاجة لمقاربات مغايرة
 قليلة هي للأسف الشديد الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية التي تسلط الضوء في أيامنا هذه على المقاومة الشعبية وعلى أحداث ثورة نوفمبر المجيدة، وتضحيات الشهداء البررة والمجاهدين الصناديد والمقاومين الأحرار...
 لقد شهدت فترة ما بعد الاستقلال إلى غاية نهاية السبعينات ذروة الإنتاج السينمائي في مجال الأفلام الثورية والتاريخية التي سجلت مجد السينما الجزائرية في المحافل والمهرجانات الوطنية والدولية ...»ريح الأوراس، العفيون والعصا، معركة الجزائر، الليل يخاف من الشمس وثورة بوعمامة، ريح الجنوب، دورية نحو الشرق.
فجر المعذبين.. الليل يخاف من الشمس
«الشمس السوداء»، «الجحيم في عشر سنوات»، زاد تاريخ الثورة الخارجون عن القانون، حواجز الطين، ديسمبر، دورية نحو الشرق العرق الأسود، منطقة محرمة، حرب التحرير، وقائع سنين الجمر هروب حسان «طير»و الإرث، ريح الجنوب، أولاد نوفمبر، -العدو الحميم.... كلها أفلام ثورية تتميز بمقاربة أحادية يركز من خلالها على وحشية الاستعمار وصمود الجزائريين.
أعمال فنية أنجزت وعرضت خلال العصر الذهبي للسينما الجزائرية، في الفترة الزمنية المذكورة أعلاه وحصدت أغلبيتها الكثير من الجوائز والتكريمات، ليغيب معظمها بعد ذلك سواء في قاعات السينما أو على شاشة التليفزيون وبقيت هي الأخرى تعود للواجهة- ليست كلها- متى احتفلنا بالأعياد الوطنية مثل الفاتح نوفمبر 1954والثامن ماي 1945، الخامس جويلية 1962، 17 أكتوبر1957 و11 ديسمبر1961 من كل سنة.
وبعد الركود الذي عرفه مجال صناعة الأفلام السينمائية في تسعينيات القرن الماضي بعد غلق وتحويل دور العرض عن تخصصها وتدهور الإنتاج السينمائي وأزمة السيناريوهات والاتجاه إلى الأفلام الاجتماعية...؛ عاد الاهتمام بالأفلام الثورية بصورة محتشمة جدا وبأعمال أثارت الكثير من النقد وأسالت الكثير من الحبر منها فيلم ابن باديس، زبانة، مصطفى بن بولعيد، وآخرها اليوبوليس.....
 كل عام الأعمال تستوقفنا، اليوم، للتفكير في إستراتيجية تجمع بين الإنتاج الإبداعي والكتب الثورية وصناعة الأفلام بطريقة حديثة ومقاربة مغايرة يجد فيها القارئ والمشاهد الأبطال المرجعية التي يبحث عنها وكذا انعكاسا له فيهم ...أعمال تقدم البطل الثوري الإنسان بعيدا عن تقديس الصورة الذي عهدناه فيما سبق.