طباعة هذه الصفحة

أستاذ التاريخ الحديث بجامعة المدية، مولود قرين:

الاستقلال صفحة مشرقة من النضال والبطولة

خالدة بن تركي

وطنية الأسلاف لم تكن مجرّد شعارات جوفاء

أكد أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر بجامعة المدية الدكتور قرين مولود، أن استقلال الجزائر انتصار على همجية الاستعمار، ويرتبط بصفحة مشرقة من النضال والبطولة، جعلت من الجزائر قلعة للثوار ونموذجا لحركات التحرر في الدول الأفرو- أسيوية، مشيرا في حديث لـ»الشعب» إلى أنّ استرجاع السيادة الوطنية جاء بعد ضريبة باهظة دفعها الشعب الجزائري طيلة 132 سنة.

قال الدكتور قرين إنّ محطة الاستقلال ورمزية الانتصار تكفي لأن تكون إشعاع أمل لكل الجزائريين، لأنها تذكّرهم بأنّ الانتصار هو مصير كل من اجتهد وضحى من أجل بلوغه، واحتفالية الإستقلال يجب أن تربط الجيل الجديد سيما الشباب منهم بتاريخ أسلافهم لكي يدركوا عوامل النصر، والمتمثلة أساسا في الإصرار والاستمرارية وعدم اليأس.
وأضاف: «لو درسنا تاريخ الجزائر منذ أن وطأت أقدام المستعمر أرض المحروسة سنلاحظ بأن الجزائريين لم يستكينوا ولا لحظة واحدة، ولم يوقفوا نضالهم ومقاومتهم موظفين كلما أتيح لهم من وسائل وإمكانيات، فوظفوا السيف والبندقية طيلة القرن 19م (المقاومات الشعبية)، والفكر والقلم مطلع القرن العشرين في إطار النهضة والعمل السياسي، لتأتي الثورة التحريرية كتتويج لتاريخ نضالي مشرف وظف فيه الجزائريون البندقية والفكر والسياسة والدبلوماسية».
وأشار الباحث في التاريخ المعاصر إلى أنّ وطنية الأسلاف والأجداد لم تكن مجرّد شعارات جوفاء وإنما مارسوا الوطنية عملياً. لقد ضحى الأسلاف بالنفس والنفيس، وتركوا صفحات مشرفة في التضحية، فلو درسنا رموز المقاومة سنلاحظ أنّ أغلبهم قد ضحى بمستقبله ومساره بل ضحى بأعزّ ما يملك وهي النفس.
واستشهد بالشهيد الرمز مصطفى بن بولعيد الذي كان ينتمي إلى أسرة ميسورة الحال، لكنه باع جزءا من ممتلكاته من أجل الثورة، وآثر الشهادة على المكانة الاجتماعية، والطلبة الجزائريون آثروا الشهادة على مقاعد الدراسة في إضرابهم التاريخي في الـ19 جوان 1959، وهناك من المثقفين والسياسيين من تخلى عن منصبه من أجل الثورة مثل المثقف مصطفى الأشرف الذي كان أستاذا وغيره من النماذج الأخرى.
وأضاف الدكتور، أنّ عامل الوحدة واللحمة التي كانت بين الجزائريين طيلة تاريخ المقاومة والحركة الوطنية والثورة التحريرية، فشهداء الجزائر لم يناضلوا لقراهم ودواويرهم بل ناضلوا من أجل الجزائر ككل، وهناك نماذج كثيرة على ذلك لعل أبرزها الشهيد الرمز رمضان بن عبد المالك أول شهيد في الثورة التحريرية يوم 4 نوفمبر 1954م فهو من قسنطينة واستشهد في مستغانم في الغرب الجزائر.
فكل هذه الرمزيات -يضيف الأستاذ -لابد أن تلقن للشباب وتدرس، حتى يستلهموا العبر والقدوة من أسلافهم، فإن كان الأسلاف قد قاوموا الاستعمار، فإنّ شباب اليوم أمام تحديات وأخطار أخرى والتصدي لها يقتضي الوحدة واللحمة بين جميع أبناء الجزائر، وأن تعمل الجزائر بكل مؤسساتها على الحفاظ على ذاكرة من ضحوا من أجل أن نعيش أحرارا مصداقا لقول الشهيد ديدوش مراد «إذا استشهدنا حافظوا على ذاكرتنا».
وأبرز المتحدث ضرورة الحفاظ على ذاكرة الشهداء، من خلال تلقين مآثرهم وبطولاتهم من أجل المساهمة ولو جزئيا في الحفاظ على الاستقلال، وعلى الذاكرة وتلقين الأجيال التاريخ الوطني والوقوف ضد الخطاب الذي يعمل على تشويه التاريخ والرموز والذي يقتضي تجند الجميع، بداية بالإعلام، والنخب، وفعّاليات المجتمع المدني، والمراهنة بالدرجة الأولى على وسائط ومنصّات التواصل الاجتماعي لما لها من دور فعّال في التأثير على الشباب خاصة، وكذلك توظيف الصناعة السينمائية تخليدا لرموز المقاومة والنضال.