طباعة هذه الصفحة

وزارة الفلاحة تستنفر جميع الفاعلين 

«اليقظة» لإحباط مخطّطات تستهدف الثّروة الغابية

زهراء - ب

 حرائـق خنشلة «ليست صدفــــة» والجزائر مستهدفة

 إتلاف 8946 هكتار من الغابات وتعويضــات للمتضرّريـــن

يتّفق خبراء ومسؤولون بقطاع الغابات، على أنّ الأسباب التي كانت تقف وراء اندلاع حرائق غابات في الجزائر ومنها الظواهر الطبيعية لم تعد قائمة، وأصبح الفعل الإجرامي الطرح المؤكد منذ نوفمبر 2020، وقد أظهرت صور القمر الصناعي بشكل لا يرقى للشك، الفعل المتعمد لإضرام النار عبر مساحات غابية متفرقة تبدأ من الحواف.
قال وزير الفلاحة والتنمية الريفية عبد الحميد حمداني، في كلمة خلال أشغال لقاء وطني حول حماية الغابات من الحرائق، نظم بمقر الوزارة، أول أمس، «إذا كان البعض يرى في حرائق نوفمبر 2020 وجويلية 2021 صدفة فإنّها بالنسبة لنا ليست كذلك» قبل أن يضيف بالقول «نرفض هذا الطرح لأنّ المعلومات العلمية المتوفرة لدينا تبرز التشابه بين ما حدث السنة الماضية وهذه السنة والحرائق التي اندلعت من حواف الغابات، وفي منطقة الأوراس ومناطق أخرى كانت بفعل فاعل».
أمام هذا التهديد للثروة الوطنية الغابية، رأى حمداني ضرورة تجنيد أكبر عدد من الفاعلين، سواء مؤسسات القطاع، الأسلاك الأمنية، وممثلي المجتمع المدني والمواطنين، معتبرا هذه الفئة حلقة أساسية لإنجاح مخطط حماية الغابات، بالنظر لدورها الفعال في إحباط أي محاولات إضرام النار في المساحات الغابية، مثلما حدث في غابة «باينام» بالعاصمة والشريعة بالبليدة ومناطق أخرى.
لكن استراتيجية مكافحة حرائق الغابات، لا يجب أن تبقى  «كلاسيكية» مثلما قال الوزير، فاللجنة الوطنية تتجنّد كل عام بمشاركة كل القطاعات المعنية، ولكن هذا العام بعد الحرائق المسجلة اتّضح ضرورة تغييرها بإستراتيجية أخرى تعتمد على الاستباقية، تحسيس المواطنين والحضور الدائم في الميدان، وهذه بالنسبة لحمداني «الوسيلة الوحيدة في هذه الفترة لمجابهة هذا الخطر والعمل الجواري بإشراك كل الفاعلين لإنقاذ المساحات الغابية».
ويقتضي تجسيد المخطط الاستعجالي لمكافحة هذه الآفة، يقول وزير الفلاحة «اتخاذ الإجراءات الضرورية والفورية وتجسيد جملة من العمليات الميدانية بإشراك كافة الهيئات والمجتمع المدني والمواطنين بغرض حماية الثروة الوطنية».
ومن بين ما يجب القيام به تعزيز دور المؤسسات لاسيما التابعة للقطاع لتقوم بدورها الوقائي والمساهمة في المكافحة بالتنسيق مع كافة المعنيين بما فيهم السكان والمجتمع المدني، مضاعفة الجهود للمراقبة والوقاية من خلال تجنيد كافة الفاعلين المحليين في القطاع من مديرية الصالح الفلاحية والأقسام الفرعية والغرف الفلاحية والمرشدين في عملية التوعية والتعبئة لتفادي الحرائق، التجنيد الفوري لكافة الفرق الإقليمية التابعة لمصالح الغابات من أجل المراقبة والمتابعة الدائمة للمناطق التابعة لها، إشراك الصيادين والسكان المحليين والجمعيات والكشافة الاسلامية بغرض التحسيس والمساهمة في مكافحة الحرائق، تكثيف حملات الاتصال والتوعية بكافة الوسائل السمعية البصرية لاسيما من خلال تنظيم أيام مفتوحة وإعلانات تليفزيونية تعرض صورا للأضرار التي سببتها الحرائق، رفع درجة الحيطة والحذر للمواطنين والتنبيه عند اندلاع الحرائق وتعزيز العمل الجواري لدى السكان المحاذين الغابات.
ولأنّ الحرائق مفتعلة ولها طابع إجرامي، يتطلب حسب وزير الفلاحة إعادة النظر في نظام التدخل بكيفية مستعجلة خاصة فيما يتعلق بأبراج المراقبة، وانتشار الفرق المتنقلة للتدخل الأولي والتزويد بالعتاد المتوفر، وتجنيد الأعوان بمشاركة الأسلاك الأمنية والهيئات المعنية قصد الإبلاغ بأي خطر.
ومن جانب آخر، يستوجب الظرف مثلما ذكر حمداني «العمل على إعادة النشاط بالمناطق المتضررة في أقرب الآجال، علما أن المتضررين سيتم تعويضهم بمواد عينية لتمكينهم من مزاولة أنشطتهم في ظروف ملائمة».
وحسب الأرقام المقدمة في اللقاء، ارتفعت المساحة الغابية التي مستها الحرائق المسجلة مؤخرا إلى 8946 هكتار، ضمن 261 بؤرة، حيث كان أكبرها بولاية خنشلة (8245 هكتار) أي بنسبة 92 بالمائة من المساحة الكلية على مستوى الوطن، مقابل 2600 هكتار مساحة متضررة في حرائق السنة الماضية.
ولعل نجاح مسعى مكافحة الحرائق مرهون بالعمل المشترك، وبذل الجهود بالتعاون وتبادل المعلومات في حينها وإشراك المواطنين في حماية ثرواتنا.

الدرون يقلّص المخاطر

التحسيس وإشراك كافة الفاعلين في مخطط حماية الغابة، قد يؤتي ثماره، ولكن لضمان فعالية أكبر للجهود الوطنية، ينبغي التخلص من الوسائل اليدوية لمجابهة الحرائق، واستبدالها بوسائل جوية قبل حدوث الكارثة.
واستعرض المندوب الوطني للمخاطر الكبرى حميد عفرة، إمكانية إستعمال الدرون (طائرات دون طيار) للإنذار عن بعد في حال رصد بؤر حرائق الغابات، يستخدم عن طريق مركز بحث جزائري.
وحسبه هذا الجهاز غير مكلف، ويمكن من خلاله رصد معلومات عن طريق صور ترسل إلى الأرضية الرقمية، وبناء على ذلك يمكن اتخاذ قرارات التدخل السريع، وتقليص الحرائق ذات الأسباب الإجرامية، و التي تتكرر في المناسبات الوطنية والأعياد الدينية.
ومن جهته أكّد ممثل الحماية المدنية، أنّه بالإضافة إلى توعية المواطنين وتحسيسهم بضرورة المحافظة على الثروة الغابية، يجب توفير الوسائل الكفيلة بالسيطرة على حرائق الغابات وقال «صحيح الحماية المدنية سخرت كل الإمكانيات منذ 1 جويلية من بينها 65 وحدة متنقلة مجهزة بوسائل تبقى غير كافية لأنّ وحدات الحماية المدنية لا يمكن لها التوغل داخل المحيطات الغابية، يمكنها الوصول للمناطق الحضرية» قبل أن يضيف أن «التنظيم يحدد مهمتنا في دعم الفرق المتنقلة التي مهمتها حماية الغابات، لذلك يجب دعم الوحدة المتقدمة ووضع استراتيجية خاصة».

العدالة ستأخذ مجراها 

وتضع مصالح الدرك الوطني، حماية الثروة الغابية في صميم انشغالاتها، مثلما قال ممثل عنها في مداخلة له موضّحا أنه أجل ذلك تم تكوين خبرات تنتمي لدائرة الحرائق التابعة للمعهد الوطني للأدلة الجنائية هي «تحت تصرف مصالح وزارة الفلاحة ومستعدة للعمل الميداني للمحافظة على ثروات البلاد».
واعترف ممثل الدرك الوطني أن الجزائر مستهدفة والحرائق المندلعة في تواريخ مرتبطة بعيدي الثورة والاستقلال، «ليست صدفة»، ولكن لا ينبغي البقاء تحت تأثير هذا الطرح، فنحن اليوم كما قال «في مرحلة أحسن بكثير ممن كنا عليه سابقا، ويجب علينا مضاعفة التنسيق والتعاون والتنبيه لتفادي الأسوأ».
وأشار إلى أنّ وحدات معهد الأدلة الجنائية، تتحرى في الحرائق الأخيرة التي اندلعت في خنشلة، جيجل، أم البواقي، مستغانم، وتبحث عن الأسباب التي جعلت المواطن يقبل على هذا الفعل الإجرامي هل المسألة مثلما ذكر «متعلقة بالعيد فقط للحصول على الفحم أم مسألة أخرى تستهدف المساس بالجزائر في معظم ثرواتها الغابية الحيوانية، التفاح»، موضحا أنه عندما تتوفر الدلائل الموضوعية ستأخذ العدالة مجراها.

تقاليد اندثرت

حماية الغابات من الحرائق كانت لها تقاليد خاصة قديما، ولكنها اندثرت في السنوات الأخيرة بسبب غياب المشاريع أو لنقص الأموال، يقول رئيس الغرفة الفلاحية لولاية خنشلة محمد سعدواي، إذ على مستوى المنطقة وعند حلول فصل الصيف كانت تنصب لجان محلية على مستوى البلدية، الدائرة والولاية تضم جميع الفاعلين والمواطنين لتنظيم أنشطة تحمي الفضاءات الغابية من أي خطر» وهو ما لم يعد قائما، حتى اللافتات التي كانت تحذّر من رمي سيجارة لم تعد موجودة، وفي غياب هذه الإجراءات لا يمكن لأي أحد أي يحمي الغابة حتى ولو كان 1000 حارس، خاصة وأن المنطقة لديها مساحات غابية كبيرة تقدر ببلدية بوعمامة فقط بـ 85 ألف هكتار.
واقترح سعدواي تطبيق سياسة الردع ومنع الذهاب الدخول الى الغابة في فصل الصيف إلا برخصة تمنح للمعنيين لتفادي الأسوأ لأن الغابة مستهدفة، والحرائق الأخيرة بيّنت ذلك، كما يجب إعادة الاعتبار لغابة خنشلة بفتح المسالك المقطوعة وبناء الحواجز المائية في المناطق الريفية والغابية القريبة لتسهيل مهمة الإطفائيين، فوجود الماء على مسافة 1 كلم يمكن لهم السيطرة على الحريق ولكن إذا كان على مسافة 20 كلم أو أكثر تصعب هذه المهمة.

التّرويج لثقافة الإخطار

تشارك الكشافة الإسلامية إلى جانب مؤسسات الدولة في التحسيس بخطر حرائق الغابات، وقد قامت حسب ممثلها يزيد معمري بمراسلة محافظي الولايات من أجل تنظيم قوافل جوارية على المستوى المحلي.
ولأنّ العمل سيركز على عملية التحسيس و دور جمعيات المجتمع المدني، اقترح معمري تغيير العمل التحسيسي الكلاسيكي إلى التحسيس الحديث باستخدام مواقع التواصل الاجتماعي، وقال «كما يروّج عبر هذه الوسائل أن مؤسسات الدولة لم تستطع احتواء الحرائق، نقول أن كبريات الدول مثل استراليا أو دول أخرى شهدت حرائق لم تحتوها في فترة زمنية وجيزة بالرغم من امتلاكها طائرات والجزائر بفضل تضافر الجهود والإمكانيات الموجودة استطاعت احتواءها، وهذا ما يجب الترويج له من خلال كل الوسائل لأن المجتمع ما يسمعه عن طريق وسائل الإعلام التقليدية أو مواقع التواصل الاجتماعي غير الواقع الموجود في الميدان».
كما اقترح العمل على نشر ثقافة حماية الغابة  والحفاظ عليها خاصة لدى الناشئة الأطفال الصغار والشباب الأكثر شريحة في المجتمع، كما ينبغي الترويج لثقافة الأخطار حتى نساعد الأجهزة الأمنية وهذا يكون من خلال الحملات التحسيسية والقوافل التي ستنظم على المستوى المحلي خاصة في التجمعات السكنية الموجودة بمحاذاة المناطق الغابية وغيرها.
وتحدّث عن تجربة الكشافة في تكوين الشباب قبل التخييم في عمليات حراسة الغابات، وتعليمهم طريقة استخدام مراكز المراقبة والمسالك واستعمال وسائل التواصل، وهذا ما يسمح بزرع ثقافة حماية الغابة عند الشباب.