طباعة هذه الصفحة

تجسّس على القمم العربية لصالح الكيان الصهيوني

المخزن في أزمة والجزائر قادرة على معاقبته

هيام لعيون

ما هو مستقبل العلاقات الدبلوماسية الجزائرية - المغربية؟ بعد انزلاق المخزن الخطير وغير المسبوق تّجاه جارتها الشرقية والمتمثل في محاولة استهداف الوحدة الوطنية وفضيحة التجسس على مسؤولين ومواطنين جزائريين، وما صاحبها من ردود فعل جزائرية صارمة وحازمة، وهو ما تجلّى في آخر بيان لوزارة الخارجية، الذي أكد على «احتفاظ الجزائر بالحق في تنفيذ إستراتيجيتها للردّ على تجسّس المغرب ضدّ مسؤولين جزائريين»، بعد استدعاء سفيرها بالرباط للتشاور.
اعتبرت الجزائر قضية «بيغاسوس» بـ»الإعتداء الممنهج والمرفوض على حقوق الإنسان والحريات الأساسية الذي يشكّل أيضا انتهاكا صارخا للمبادئ والأسس التي تحكم العلاقات الدولية»، وهو البيان الذي جاء بالتوازي مع إعلان النائب العام لدى محكمة سيدي امحمد، عن فتح تحقيق في القضية.
ويعتبر الأستاذ في العلاقات الدولية بجامعة ورقلة، والمهتم بالشؤون الإفريقية والمغاربية، مبروك كاهي، في تصريح لـ «الشّعب»، أنّ «قضيّة التجسس أمر ليس بالجديد على المغرب، باعتبار أن المغرب مرتبط بقضايا تجسسية منذ نشأة النظام العلوي في عصره الحديث، خاصة التجسس على القمم العربية لصالح الكيان الصهيوني، والتي سرّبت لها كلّ الوثائق، والمؤرخون أثبتوا هذا الأمر، فنظام المخزن معروف بتجسّسه على جيرانه وحتىّ على حلفائه».
وأضاف الأستاذ الجامعي، أنّ «المغرب يعيش صدمات متتالية، لم يستفق من واحدة حتى يواجه صدمة جديدة، فقضية التجسس تعتبر صدمة أخرى للنظام المخزني بعد أزمته مع ألمانيا، وأزمته مع إسبانيا وموريتانيا، ومع البوليساريو، وأزمته مع الجزائر التي أثيرت في أروقة الأمم المتحدة، ومؤخرا أثار أزمة أخرى مع حليفه الإستراتيجي، وهي الدّولة الفرنسية، باعتبار أنّ أهمّ ضحايا قضية التجسس هو الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون».
وتساءل المتحدث عما إذا كانت عملية التّجسس، تتمّ لصالح المغرب أم لصالح الكيان الصهيوني التي تجسّست باسم المغرب، مشددا على أنّ «هذا الكيان المحتل لفلسطين كان يستعمل وثائق دول أجنبية آخرها قضية اغتيال قيادي فلسطيني في مدينة دبي الإماراتية، حيث تمّ استخدام جوازات سفر بريطانية، الأمر الذي أزعج بريطانيا كثيرا، لذلك فإنّ الأمر الأقرب للواقع هو أن «المغرب الذي باع اسمه وسمعته حتّى أصبح الكيان الصهيوني يستفيد من هذا الاسم ولا توجّه لها التهم ولا المسؤولية مباشرة».
وشدّد نفس المتحدث، على أنّ «نظام المخزن يعيش أزمة حقيقية، أزمة داخلية مرتبطة باحتجاج منطقة الريف التي لطالما رفع سكانها مطالب اجتماعية وتنموية، وعجز عن تلبيتها، كذلك يعيش المغرب أزمة اقتصادية خانقة، إضافة إلى أزمة الديون المتراكمة التي تقدّر بحوالي 124 مليار دولار، حسب إحصائية رسمية قدّمها صندوق النقد الدولي، أضف لها أزمة كورونا وتداعياتها على الداخل المغربي، فإن الديون ستتفاقم أكثر وأكثر دون إغفال ورطته مع جبهة البوليساريو».
إلى جانب هذا ــ يضيف المحلل السياسي ــ فإن المخزن يعيش أزمة حقيقية غير مسبوقة في تاريخه منذ «خروجه» من الحماية الفرنسية، وكل هذه النتائج جاءت أمام تهرّبه من مسؤوليته، سواء كانت أمام شعبه أو تجاه القضايا الأممية، وعلى رأسها قضية الشعب الصحراوي ومسؤوليته تجاه جيرانه، وقضيته مع إسبانيا بضبط الحلول مع مدينتي سبتة ومليلية، وكذلك معالجة قضاياه الحقيقية مع جارته الشرقية الجزائر في إطار الشفافية.
وحول سؤال متعلق بردة فعل الجزائر على استفزازات المخزن، قال كاهي «لحدّ الساعة الرّد الجزائري كان حكيما ومتزنا، ويتوافق مع الأعراف الدولية والتقاليد الدبلوماسية. فالجزائر قدمت طلبا رسميا وتوضيحات رسمية من السفير المغربي تجاه الأمم المتحدة، وعندما لم تتلق أيّ رد، قامت باستدعاء السفير الجزائري من الرّباط من أجل التشاور، في انتظار خطوات لاحقة، وأنا شخصيا لا أستبعد طرد السفير المغربي، كما لا أستبعد أن تتّخذ الجزائر عقوبات اقتصادية تجاه المغرب».
وعدّد الأستاذ، أهمّ تلك العقوبات، منها حرمان الجارة الغربية من الغاز الجزائري. علما أن أنبوب الغاز الممتد لأسبانيا، والمارّ عبر الأراضي المغربية، يستفيد منه المغرب مجانا، حيث يحصل على 70 بالمائة من إنتاجه، وهو الممتد من بني صاف إلى أليكانت الإسبانية، كذلك تصدّر الطاقة الكهربائية، بوجود خط كهربائي عالي التوتر يمرّ من الأراضي الجزائرية إلى الأراضي المغربية، وتستفيد منه المدن الحدودية المغربية وبسعر تفاضلي، في إطار انفتاح الجزائر على الأخوة المغاربية، لكن يبدو ــ يقول كاهي ــ أن المغرب لم يقدّر كل هذا السّخاء الذي تقدمه الجزائر، إضافة إلى صمت السلطات الجزائرية تجاه الاستفزازات، ولاسيما الإعلام المغربي الرسمي والخاص، لكن المغرب تجاوز الخطوط الحمراء ولن يحظى بكل هذه الإمتيازات مستقبلا، مستبعدا قطع العلاقات بشكل رسمي، بل سيتم الإبقاء على خيط رفيع بينهما للحفاظ على العلاقات بين الدولتين الجارتين.