طباعة هذه الصفحة

سـوق تيجلابين للمركبات المستعملـة

مصير غامض لأكـبر فضـاء تجــاري للسيـارات

بومرداس: زقاي كمال

 

 

 

 «صـراع» بـين البلديــة والمستأجـر الجديـد مصـدره الظـرف الاستثنائـي

 صفقـة قياسيــة بـ 17.5 مليـار سنتيـم تبخّـرت وســط ذرات غبــار متطايـر

 يشكل سوق السيارات المستعملة لتيجلابين المتنفس الاقتصادي الرئيسي للبلدية، حيث تمثل قيمة الكراء السنوية المقدرة بـ17.5 مليار سنتيم المورد الأساسي للخزينة، بحسب رئيس المجلس بالنيابة محمد صغير قهواجي الذي أكد في حديثه لـ»الشعب» أن السوق يعتبر الرئة الاقتصادية ومصدر دخل وحيد تقريبا لتغطية العجز في الميزانية السنوية»، مضيفا «كنا نأمل أن يستعيد هذا الفضاء التجاري الهام حيويته بعد تسليم الصفقة لأحد المتعاملين الاقتصاديين، لكن جائحة كورونا حالت دون ذلك بما فيه تقليص مدة النشاط إلى يومين في الشهر بدلا من أربع مرات.
عادت قضية سوق تيجلابين للسيارات المستعملة إلى نقطة الصفر تقريبا بعد انفراج الوضع بنجاح المزايدة التاسعة سنة 2019، وتسليم الصفقة لمتعامل اقتصادي بقيمة تجاوزت السعر الافتتاحي الذي حددته مديرية أملاك الدولة المقدر بـ16.8 مليار سنتيم، حيث حلم كل طرف بمكاسب مادية تعود بالفائدة على الجميع بما فيه المواطن ومحترفي البيع والشراء الذين عاشوا سنوات من الرخاء في هذا الفضاء الأشهر وطنيا قبل أن تحل الكارثة ودخول السوق فترة فراغ طويلة تعدت 15 شهرا في عهد رئيس البلدية السابق بحجج فشل 8 مزايدات نظرا لعدم اقترابها من سقف السعر الافتتاحي، ما تسبب في غلقه بسبب الأعباء وغياب المداخيل.
ولم تمض سوى أربعة أشهر تقريبا من عودة النشاط المتذبذب وفتح سوق السيارات مجددا شهر مارس الماضي تاريخ رفع إجراءات الحجر بمعدل مرتين في الشهر بدلا من أربعة، حتى عاد كابوس الوباء مجددا بتفعيل تدابير تعليق بعض النشاطات التجارية في الفضاءات الكبرى بما فيه سوق السيارات المستعملة لتيجلابين بقرار من السلطات الولائية بسبب تفشي فيروس كورونا المستجد، وهي الإجراءات التي تزيد من تعقيد وضعية السوق وخلط الأوراق، لكنها رجحت كفة صاحب الصفقة الذي طالب صراحة بتعليق العقد إلى غاية رفع الحجر الصحي أو إلغائه بالتراضي وهي آخر مستجدات الملف التي بحوزة الشعب.   

رئيس البلدية: لسنا راضون عن طريقة التسيير   

تحدث رئيس بلدية تيجلابين بالنيابة محمد صغير قهواجي مطولا لـ» الشعب» في لقاء خصص لعرض واقع سوق السيارات المستعملة بعد تسليم الحصة، ومدى مساهمته في تحسين الوضعية الاقتصادية وبعث مشاريع التنمية المحلية، قائلا: «لقد مرّت الإجراءات القانونية والإدارية المتعلقة بالمزايدة بعدة عقبات قبل أن يستقر الحال أخيرا على منح حق الاستغلال لمتعامل اقتصادي شارك في العملية بمبلغ وصل إلى 17.5 مليار سنتيم، وهو أعلى مزاد يصله السوق نظرا لأهميته الاقتصادية كأكبر فضاء تجاري على المستوى الوطني وعدد المركبات التي يستقبلها أسبوعيا. وأضاف بالقول: «من سوء الحظ أن الصفقة سرعان ما واجهت تدابير الوقاية المتعلقة بالحجر المنزلي بسبب جائحة كورونا التي أدت إلى تعليق النشاط.
 وبعد إعادة فتحه مجددا شهر مارس الماضي، لم يحافظ على نفس التوقيت المتضمن في بنود العقد وهي أربعة مرات في الشهر، بل تحولت إلى مرة كل 15 يوما، وهو ما أثر سلبا على مردودية السوق بتراجع المداخيل، وهي تقريبا التبريرات التي أستغلها المسير الجديد وتعمد التأخر في دفع المستحقات الشهرية الخاصة بالكراء المقدرة بـ 1.4 مليار سنتيم، وهي وضعية بدأت تؤثر سلبا على مداخيل البلدية في ظل العجز في الميزانية وتأخر انجاز المشاريع المبرمجة».    وعن سؤال حول الإجراءات القانونية المتخذة للوصول إلى حل وسط يرضي الطرفين تماشيا مع الظروف الاستثنائية، أوضح محمد الصغير قهواجي «نحن نجتهد بهذا الخصوص، حيث قمنا بالاتصال مع عدة أطراف معنية بداية من قابض البلدية، مصالح أملاك الدولة، مديرية التنظيم والشؤون العامة، الإدارة المحلية والسلطات الولائية من أجل إيجاد مخرج وإضافة ملحق في العقد يراعي الظروف والمتغيرات الجديدة في التوقيت، وبالتالي إعطاء أكثر ليونة للمتعامل لدفع حقوق الكراء الشهرية المتفق عليها في العقد السابق، لأن البلدية بحاجة إلى كل مواردها الاقتصادية والمالية في ظل الضائقة الحالية».                                                                                                                                                           

مسير سوق تيجلابين: أقترح فسخ العقد بالتراضي   

ومن جانبه، ظهر المسير الجديد لسوق السيارات المستعملة بتيجلابين «زهير، أ» جليا من خلال حديثه لـ»لشعب» انه غير راض تماما عن الصفقة سواء من حيث التوقيت الجديد والظروف الاستثنائية لجائحة كورونا التي قلصت النشاط وفي عدد الوافدين، أو في القيمة المالية للصفقة التي حطمت الرقم القياسي مقارنة مع الصفقات السابقة، حيث أدرك أخيرا وقبل حوالي سنة ونصف من انقضاء العقد، أنه دخل رهانا خاسرا ولا يمكنه في كل الأحوال تحقيق هامش ربح نتيجة الوضعية الحالية، التي تعقدت أكثر بعد قرار الأمين العام للولاية بغلق السوق بناء على مخرجات مجلس الوزراء الأخير في إطار تدابير مكافحة كوفيد19.  
وعن وجهة نظره للموضوع ومصير الصفقة، أكد مسير سوق تيجلابين بالقول: «أنا أقترح حلّين، الأول هو تعليق عملية الكراء ودفع الحقوق الشهرية إلى غاية تسوية الوضعية ورفع التدابير الاستثنائية المتعلقة بالحجر المنزلي الذي أدى إلى تقليص مدة التسوق من أربعة إلى مرتين في الشهر مثلما كانت عليه في الظروف الطبيعية، وهذه الوضعية أثرت كثيرا على مداخيل السوق وبالتالي صعبت علينا عملية الالتزام بدفع الحقوق الشهرية، أما الاقتراح الثاني فهو اللجوء إلى فسخ العقد بالتراضي للخروج نهائيا من المأزق خاصة بعد قرار الغلق النهائي للسوق إلى إشعار آخر».
وعن فحوى الملحق الإضافي للعقد الموقع مع البلدية مؤخرا، كشف «أن الملحق حمل عدة مقترحات تخدم الطرفين تتماشى مع الظرف الاستثنائي والتوقيت الجديد، كان أهم بند فيها هو تمديد تاريخ دفع حقوق الكراء إلى شهرين بدلا من شهر واحد، بمعنى شهر بشهر حتى نتمكن من توفير هذا المبلغ، لكن هذا الحل سيجد صعوبة أيضا في التنفيذ بعد قرار تعليق نشاط السوق إلى وقت غير معلوم، وبالتالي سنعود إلى نقطة البداية والدخول في نفس المزايدات مع البلدية، لذلك نقترح في هذه الحالة فسخ العقد بالتراضي وتسوية الملف العالق بين الطرفين لأني لا استطيع لوحدي تحمل تبعات هذه القضية والخسائر الناجمة عن توقف النشاط مثلما قال.   
  ولدى تقييمه لحصيلة العمل منذ تاريخ العودة ورفع التجميد عن النشاط الأسبوعي لسوق تيجلابين،  أكد «زهير، أ» أن نشاط سوق السيارات تراجع بنسبة أكثر من 50 بالمائة مقارنة عما كان عليه سابقا، حيث تقلص عدد المركبات الخفيفة والثقيلة التي كان تدخل السوق أسبوعيا إلى أقل من ألف مركبة بعدما كانت تتعدى الألفين نتيجة الظروف الجديدة والتوقيت المعدل، وبالتالي نحن نسجل خسائر بالجملة لم تكن منتظرة تماما قبل إمضاء العقد والإشراف على تسيير هذا الفضاء التجاري الذي بدأ يتراجع في كل شيء.        
بعيدا عن التجاذبات.. مواطن في رحلة البحث عن مركبة
بعيدا عن التجاذبات التي دخلتها بلدية تيجلابين مع المستأجر الجديد وطرق تحصيل المستحقات القانونية المتفق عليها في العقد، يبقى المواطن البسيط يحلم باقتناء مركبة لعائلته بعيدا عن مظاهر البريستيج تحت شعار «مركبة تسير وفقط»، وهي التعليقات التي سجلتها «الشعب» في حديثها مع رواد سوق تيجلابين من باعة وباحثين عن فرص للشراء لم تعد متاحة بسهولة أمام الارتفاع الكبير في الأسعار لمختلف أنواع المركبات بما فيها الأسياوية وبصفة أدق الصينية التي لم تعد تنزل من 100 مليون سنتيم.  
 في هذا الصدد، علق حسان ابن الاخضرية وجدناه بصدد بيع مركبته من نوع «لوغان» سنة 2014، «لم يعد المواطن أو الموظف العادي قادرا على إيجاد مركبة متوسطة العمر وبسعر معقول يتماشى مع دخله الشهري، لقد تعدت أسعار السيارات حدود المعقول منذ توقيف عملية الاستيراد والتركيب المحلي، فأغلب المركبات السياحية العادية، بداية من سنة 2010 هي حاليا ما بين 100 الى 150 مليون سنتيم، في حين لم يعد للمركبات الجديدة سقف محدد هذا إن وجدت في السوق.
وأضاف بالقول «بالنسبة لمركبتي من نوع لوغان، وصلت حاليا 150 مليون سنتيم لكن لم أرد البيع لأن قيمتها السوقية أكبر من هذا بحسب توقعات السوق وقلة العرض خاصة بالنسبة للسيارات ذات النوعية الجيدة من حيث الصيانة وقلة مسافة السير»، وأكثر من هذا يضيف حسان بالقول: «هناك في الجهة المقابلة سيارة سياحية من نوع «أتوس» سنة 2011 وصل سعرها الى 120 مليون سنتيم، وأخرى سنة 2009 وصلت 114 مليون سنتيم، في حين تبقى السيارات المتوسطة والأقل جودة مثل «بيكانتو» النسخة القديمة، «ألتو»،»ماروتي» وحتى «سبارك» التي يتردد عليها الكثير من المواطنين هي في حدود ما بين 80 إلى 100 مليون سنتيم.  
غياب التهيئة والخدمات والأمن موجود
  عن وضعية سوق تيجلابين ومدى توفر التهيئة المطلوبة، نوعية الخدمات والمتطلبات الأمنية، صرّح محدثنا بقوله: «إن سوق تيجلابين عرف في السنوات الأخيرة تدهورا واضحا من حيث غياب التهيئة الحضرية والخدمات الأساسية، في حين يبقى الجانب الأمني جيدا مقارنة مع بعض الأسواق الوطنية، لكن هناك ظاهرة سلبية يشتكي منها جميع رواد السوق، وهي عملية الاستغلال غير القانوني من قبل مجموعات الباركينغ، فلا يعقل أن ندفع 1400 دينار حقوق إدخال المركبة زائد 200 دينار أخرى لركنها في زاوية ما.
ومن جهته لم يتردد «حسان» ابن حمادي، في الحديث عن وضعية الشراء والبيع وتداولات سوق المركبات وهو بصدد بيع شاحنته المتوسطة الحجم من نوع «جاك» حيث قال: «صراحة نواجه صعوبة كبيرة في عملية البيع والشراء معا، حيث اقتنع الجميع في ظل حالة الركود وقلة عدد المركبات المعروضة للبيع وسعرها المرتفع، أنه لا يمكن المغامرة لبيع سيارة مهما كان نوعها وحالتها بدافع تغييرها بأحسن منها، لأن هذا الحلم لن يتحقق أبدا وسيندم على فعلته. وفي حديث مع محترفي البيع ومواطنين صادفناهم بصدد البحث عن مركبة بسوق تيجلابين تم رصد عدة آراء ووجهات نظر متقاربة من حيث حدة الأزمة التي يعيشها سوق السيارات بالجزائر وسوق تيجلابين الذي يعتبر بارومتر حقيقي لهذا النشاط، حيث اتفق الجميع «على عمق الأزمة التي دخلها نشاط تجارة المركبات المستعملة في ظل تبدد الآمال التي تعلق بها المواطن حول قرب موعد عودة استيراد المركبات لأقل من 3 سنوات بعد دراسة ملفات عدة متعاملين مستعدين للاستيراد، وكذا فتح المجال للخواص باستيراد مركبات على تكاليفهم الخاصة، وكلها مقترحات ومشاريع قوانين تنتظر التجسيد في الميدان بحسب تعليقات المستجوبين من أجل الخروج من عنق الزجاجة التي دخلها نشاط سوق السيارات في الجزائر.   
10 ملايير سنتيم مقترحة لتهيئة سوق تيجلابين    
يشكل سوق تيجلابين الأكبر نشاطا ومساحة على المستوى الوطني بأزيد من 13 هكتارا نموذجا حيا للمشاريع المهملة وغير المستغلة أحسن استغلال، فرغم أهميته الاقتصادية واحتضانه لعشرات الأيدي العاملة والمستفيدين من نشاطه الأسبوعي من تجار، أصحاب محلات «الفاستفود»، حراس الباركينغ المرخصين والبزنسية، إلا أن وضعيته تزداد تدهورا من يوم لآخر مع تقلص المساحات المهيأة بمادة الزفت التي يتسابق إليها جميع العارضين وبرسوم إضافية تصل إلى 200 دينار، في حين يضطر البقية إلى ركن مركباتهم على مساحات ترابية يحفّها الغبار صيفا والطمي شتاء، ناهيك عن مشكل غياب الإنارة، السياج الخارجي وصعوبة المسالك المؤدية إليه.
وأمام هذه الوضعية المتدهورة للسوق وتزايد شكاوي الرواد والتجار، وضعف القيمة المالية للكراء جراء عدم الاستغلال الكلي للمساحة الاجمالية، قرّر والي بومرداس في تصريح سابق تلى عملية تسليم الصفقة بتخصيص 10 ملايير سنتيم كقرض لفائدة بلدية تيجلابين يخصص للقيام بأشغال تهيئة واسعة لكل فضاءات السوق وتوفير الخدمات الأساسية، وهنا عبر رئيس البلدية بالنيابة عن ترحيبه بالمقترح من أجل ترقية السوق، مع إمكانية مضاعفة قيمة الكراء الى حدود 30 مليار سنتيم سنويا. كما كشف عن مبادرات مستقبلية لتوسيع نشاطه لأكثر من قطاع وبمعدل ثلاثة مرات في الأسبوع، مشيرا «ان المداولات موجودة بناء على تجربة مستقاة من سوق الحراش، منذ سنة 2010، لكنها تنتظر التجسيد بسبب أزمة التهيئة التي لا تسمح بمثل هذه النشاطات الإضافية على حد وصفه.
ويبقى السؤال يحوم حول سبب تقاعس بلدية تيجلابين طيلة هذه السنوات على تسجيل عمليات التهيئة لسوق المركبات المستعملة الذي تحسد عليه من قبل باقي البلديات الفقيرة من حيث المداخيل وغياب أدنى مصادر التمويل، ومصير الأموال الضخمة التي كانت تصب في الخزينة المحلية كل سنة كحقوق للكراء، وأخرى شكلت حصيلة نشاط أزيد من سنة فترة التعليق بمعدل حوالي 300 مليون سنتيم في الأسبوع مجموع رسوم دخول المركبات بسعر يبدأ من 3 آلاف إلى 6 آلاف دينار. وكان سوق تيجلابين قبل تسليم الصفقة سنة 2019، قد عرف الكثير من الملاسنات القانونية التي طفت الى السطح بعد قرار تعليق نشاطه من قبل رئيس البلدية المقال شهر جوان من سنة 2019، فقد جاء بحسب روايته عن «فشل 9 مزايدات مفتوحة قامت بها لجنة البلدية بعد تحديد مصالح أملاك الدولة السعر الافتتاحي بـ16.8 مليار سنتيم بقياس مساحة السوق المقدرة بـ13 هكتار، لكن كل هذه المزايدات فشلت وتوقف العرض المقدّم من قبل بعض المتعاملين عند حدود 12.1 مليار سنتيم وهو ما دفع بالسلطات الولائية الى رفض العرض وتكليف البلدية بمواصلة تسيير الفضاء والتكفل بكل الأعباء في وقت كانت فيه خزينة البلدية عاجزة ولا يمكنها الاستمرار في العملية خاصة وأن دخل السوق لا يتجاوز 5 مليار سنتيم، وفق تصريحه السابق.
بعيدا أيضا عما هو مدوّن ظاهريا في بنود عقد الصفقة النهائية، تبقى الكثير من نقاط الظل تحوم حول طريقة إجراء المزايدة وعدد الأشخاص المشاركين فيها، بحسب مصادر مطلعة تحدثت لـ «الشعب» عن هذه القضية، ومبررات قفز الرقم من 12 مليار سنتيم إلى 17.5 مليار سنتيم في ظرف قصير تعدى حتى السعر المقترح من قبل مديرية أملاك الدولة.