طباعة هذه الصفحة

أطفال يبحثون عن لقمة العيش

الوباء يضع حدا للباعة المتجولين على شواطئ البحر

عنابة: هدى بوعطيح

 

 

 

 أطفال اضطرتهم الظروف للبحث عن لقمة العيش بأي طريقة كانت وفي أي مكان، فالمهم بالنسبة لهم هو جني بعض النقود التي تمكنهم من مواجهة قساوة الفقر، والتغلب على الجوع، والوقوف في وجه المرض، فلم يجدوا أمامهم غير الشواطئ التي تعتبر ملاذهم للتغلب على ظروفهم المزرية وتلبية احتياجاتهم اليومية من مأكل ومشرب على وجه الخصوص.
عائلات لم تجد أمامها حلا آخر سوى الدفع بأبنائها إلى الشارع للبحث عن لقمة العيش، فلا يهم سنهم، ولا يهم أيضا إن كانوا قادرين على تحمل مسؤولياتهم ومواجهة الأخطار القادمة من الأماكن التي يتوقعون بأنها ستكون مصدر رزقهم، فالمهم بالنسبة إليهم هي تلك النقود التي يضعها هذا الابن بين يدي والديه آخر النهار لانتشالهم من براثين الفقر والتسول وضمان لقمة يسدون بها رمقهم.
لا مجال للراحة...
أطفال معوزون محرومون من اللعب والاستمتاع بعطلتهم الصيفية كباقي أقرانهم، أطفال بعد سنة دراسة متعبة، يجدون ويكدون في فصل الصيف لكسب قوتهم، لا مجال للراحة في قاموسهم، فالشغل الذي اكتسحوا عالمه في سن مبكرة في انتظارهم، ليصبحوا «الباعة المتجولون» على شاطئ البحر، الذي بات يغص بهذه الفئة التي تحمل إما المأكولات على غرار البوراك والإسفنج والسندويتش أو المشروبات الساخنة والباردة أو المثلجات.. وينادون على المصطافين لشراء ما جادت به أيديهم، علّهم يجدون من يتفضل عليهم بالشراء.
فقد كان الشاطئ قبل جائحة كورونا وقرار إغلاقه ومنع السباحة والتجوال به مصدر رزق للبراءة التي رمت بها ظروفها الصعبة إليه، حيث كانت ترى فيه وفي زواره ومصطافيه المنقذ الوحيد لمواجهة واقعهم المزري، فبالنسبة لهم هذا القرار وإن كان حفاظا على صحتهم، هو بمثابة العودة إلى حياة البؤس والبحث عن وسيلة أخرى للاسترزاق وبطبيعة الحال بحسب الكثيرين منهم لن يجدوها، فمن يقبل بتشغيل طفل لم يتعدى عمره18 سنة وماذا سيشتغل؟.
براءة تعاني في صمت
براءة تعاني في صمت، دون أن تجد من يأخذ بيدها إلى بر الأمان، حلمهم الوحيد الآن أن تفتح الشواطئ من جديد لمزاولة نشاطهم مرة أخرى التي تبعدهم ولو قليلا عن حياة البؤس، حيث يقول في هذا الصدد الطفل «قصي ناصري» بائع المثلجات صاحب الـ14 ربيعا، أنه يدعو الله دائما أن ينتهي الوباء ليعود إلى الشاطئ لكسب لقمة عيشه، مضيفا بأنه لم يجد عملا آخرا ليجني منه بعض النقود التي تغنيه عن التسول بسب الفقر الذي يعيشه رفقة والدته وأختيه البنات، حيث أن والده متوفي منذ ما يقارب الـ3 سنوات، وهو ما دفعه للبحث عن أي عمل من أجل مساعدة والدته التي تعمل منظفة ولا يمكن لراتبها أن يلبي حاجياتهم اليومية من مأكل ومشرب وملبس، لذلك يعيل بما يجنيه من نقود نفسه ويساهم ولو قليلا في مصاريف البيت، على أن تتكفل والدته بأختيه اللتين ما تزالان صغيرتين على تحمل قساوة الحياة، كما قال.
حكايات تكشف عن مأساة عائلات، لا عائل لها سوى هؤلاء الأطفال الذين يحملون بداخلهم مسؤولية لا يقدر عليها سوى الرجال، ليصبحوا بذلك رجال في جسد أطفال لكن بعقول واعية، على غرار محمد أمين الذي يتكفل بوالدته المريضة بالسكري، حيث يقول صاحب الـ17 عاما إنه يعمل هو وشقيقه على بيع «المحاجب» أحيانا و»الكاوكاو» والشاي أحيانا أخرى، مشيرا إلى أنه اضطر للعمل لكسب قوته اليومي فوالده متوفي ووالدته مريضة، غير أنه يتحسر على إغلاق الشواطئ ويتخوف في ذات الوقت من عدم إيجاده لعمل آخر، وبالتالي عدم قدرته على توفير الدواء لأمه من جهة ومن جهة أخرى عجزه عن توفير مصاريف الدخول المدرسي المقبل، مضيفا بأنه يتفقد شواطئ عنابة كل يوم فلعله يجد بعض الزوار الذين سيجودون عليه ببعض النقود من خلال ما تعود على بيعه كل موسم اصطياف.
أولياء لا خيار آخر أمامهم
«كورونا هلكتنا» هذا ما قاله لنا «أنس صخري» البالغ من العمر 15 سنة، فهو الآخر يعتبر الشواطئ مصدر رزق بالنسبة له، وإن كان والده حيا، إلا أن عجزه عن توفير له متطلباته جعله يشمر على ساعديه ـ كمال قال ـ ويبحث عن عمل حتى يعيل نفسه ولا يعتمد على والده الذي يعيل والدته و03 إخوة، فما كان عليه سوى اللجوء إلى الشاطئ وبيع «البوراك» الذي تعده له والدته يوميا، مشيرا إلى أنه كان يجني من ورائه مبلغا محترما، غير أن الوباء قلب عليه الموازين وأحاله على البطالة، بحيث ينتظر يوميا خبر إعادة فتح الشواطئ ليعود من جديد إلى مهنته.
أنس وجدناه رفقة والدته بشاطئ «السانكلو» والتي تحدثت إلينا بحسرة عن ظروفهم المزرية التي جعلت ابنها يبحث عن مصدر رزق آخر غير الذي يوفره له والده، مؤكدة أنها بحثت في عديد المرات عن عمل سواء كمنظفة أو في محل، إلا أنها لم تجد، وحين أوصدت أمامها جميع الأبواب، فضل ابنها البكر البحث عن عمل يعيل به على الأقل نفسه، خاصة خلال موسم الدراسة، حيث تعمل على جمع ما يجنيه داخل حصالة تجعله لا يعتاز إلى شيء من مستلزمات الدراسة، قائلة بأن ابنها من التلاميذ النجباء غير أن الحاجة قادته إلى هذه المهنة التي اعتبرتها «حلال» تبعد «الأطفال المعوزين» عن السرقة وتغنيهم عن مشقة البؤس والحرمان.