طباعة هذه الصفحة

أستاذ علم الاجتماع أولحاج لـ «الشعب»:

وباء كورونا أوجد وضعا اجتماعيا خاصا

البويرة: حسان. س

منذ ظهور وباء كوفيد-19 قبل سنتين، أصبحت كل الدراسات والبحوث العلمية والاجتماعية، تهتم بتبعات هذا الوباء المجهول الذي حيّر العالم وتأثيراته الكبيرة على موازين القوى العالمية، بل تعدت ذلك إلى درجة زعزعت توازن النسق الاجتماعي للمجتمعات، وبالتالي تعددت درجة الخطورة وأخذت عدة أشكال وأوجه، وهذا ما ذهب إليه المختصون في دراستهم وتحليلاتهم العلمية والأكاديمية.

وللوقوف على تداعيات الظاهرة على المجتمع الجزائري من خلال الموجة الثالثة، سعت «الشعب» إلى معرفة رأي وتحليل أستاذ علم الاجتماع بجامعة البويرة «محند آكلي أولحاج» سمير صغير، الخطورة الكبيرة التي باتت تسببها الموجة الثالثة في تفكيك الحياة الجماعية عنوة وحتمت اتباع سلوكيات اجتماعية معينة للحفاظ على أرواح البشر وبالتالي الحفاظ على كينونة المجتمع. لذلك يرى الأستاذ أن الموجة الثالثة حتمت علينا هندسة اجتماعية تهدف إلى استقرار المجتمع الجزائري على وجه الخصوص.

الوباء فكك الحياة الجماعية للأفراد

عرف العالم الكثير من الأوبئة المدمرة والفتاكة بالجنس البشري منذ عصور خلت، راح ضحيتها في كل مرة ملايين البشر. ونحن اليوم أمام جائحة عالمية أخرى تجاوز تهديدها البشرية حول العالم مدة السنة والنصف، مصطدمين بين الفترة والأخرى بتغير شكل الفيروس المسبب للوباء وبتغير خصائصه وانعكاساته على الإنسان، مما صعب أكثر عمل العلماء الباحثين والأطقم الطبية في دول العالم لمواجهة انتشار تأثيرات وضراوة هذا الوباء.

تحذيرات مبكرة لوسائل الإعلام

 يقول الأستاذ، إنه منذ الأيام الأولى لظهور الفيروس في مدينة ووهان الصينية، بدأت وسائل الإعلام العالمية في الحديث عن مرحلة وبائية مرتقبة، لكن شح المعلومات عن الفيروس المسبب للوباء خفف من وتيرة التحضيرات للتصدي له، وآخر إعلان اعتبار منظمة الصحة العالمية ووهان والصين كمنطقة وباء، لكن بعد الانتشار الكبير له في أوروبا ثم في الولايات المتحدة الأمريكية تم إعلان الوباء كجائحة عالمية.
وبدأت صور الموت والمعاناة تتصدر واجهة وسائل الإعلام العالمية ووسائل التواصل الاجتماعي التي زادت حجم تدفق المعلومات حول الوضعية الوبائية في كل مناطق العالم، وعملت كإعلام بديل من جهة. ومن جهة أخرى، ساهمت في تخفيف وطأة التباعد الجسدي والاجتماعي الذي فرضه هذا الوباء، وذلك بتسهيل التواصل الصوتي والمرئي عن بعد بين أفراد المجتمع.

بداية الوباء وانعكاساته في الجزائر

يبرز الأستاذ درجة خطورة الوباء على المجتمع بالقول، إنه منذ ظهور الحالات الأولى للوباء في الجزائر، الذي تزامن مع استمرار مسيرات الحراك الشعبي الذي انطلق في شهر فيفري 2019، مع نكران جماعي لفكرة الوباء ومقاومة كبيرة لها، بالرغم من الدعوات الرسمية والعلمية بضرورة اتباع إجراءات التباعد الجسدي والخضوع لإجراءات الحجر المفروضة من قبل السلطات، وهو ما لوحظ جليا في الأوساط الاجتماعية، ما كان يدفع إلى التساؤل عن إمكانية تسمية التوجه العام للمجتمع الجزائري في ظل الجائحة العالمية بالتوجه الانتحاري؟.
 لكن تغير الأمر –يضيف الأستاذ- بعد الموجتين الثانية والثالثة للوباء، هذه الأخيرة التي مازلنا نعيشها إلى اليوم، عملت على إعادة النظر في هندسة خارطة العلاقات الاجتماعية والممارسات التفاعلية في الأوساط الاجتماعية.

في مواجهة عادات قبل الفيروس

ويجزم الباحث في علم الاجتماع، أن أهم عائق حال دون الخضوع والالتزام بإجراءات الحجر المنزلي هي عادات وتقاليد المجتمع الجزائري، خاصة فيما يتعلق بإلقاء التحية والسلام والمصافحة والعناق والاجتماعات العائلية والزيارات.
ومع ارتفاع عدد الإصابات بالفيروس وتزايد عدد الوفيات الناتجة عنه، يتوجب على كل أطياف المجتمع الجزائري القيام بعملية التلقيح في أسرع وقت ممكن، حتى نضمن المناعة الجماعية حفاظا على كيان المجتمع واستقراره، مشيرا إلى أن ظهور مبادرات شعبية عفوية مهيكلة أحيانا في جمعيات للقيام بعمليات توعوية حول الخطر الداهم، واقتراح إجراءات حجر منزلي يبدأ من منتصف النهار في بعض المناطق مثلا، وإطلاق عمليات تضامنية تمثلت في إعانات غذائية للمتضررين من الحجر في الموجتين الأولى والثانية.
بالإضافة إلى إطلاق حملة تبرع واسعة على مستوى التراب الوطني بهدف اقتناء تجهيزات ومحطات إنتاج الأكسجين لإلحاقها بمستشفيات الوطن، تخفيفا لمعاناة المرضى المصابين بالفيروس بعد الطلب المتزايد على هذه المادة في السوق الوطنية نتيجة للانتشار الرهيب للفيروس خلال الموجة الثالثة.