طباعة هذه الصفحة

الكاتب والناقد سعيد فتاحين:

المطلوب إيقاف انتشار الفيروسات الثقافية

أمينة جابالله

من المفروض أن تحمل معالم نظرية النقد الثقافي صورة جلية لرحلة تحري الأنساق المضمرة في النص الأدبي، والتعرف على مرجعياتها وبيئتها وسلطتها المعرفية، ودورها في بناء النص، وفي نفس الوقت ينبغي أن لا توكل مهمة النقد إلا لذوي الاختصاص المتبحرين في عُباب تلك الرحلة الإبداعية التي من شأنها، أن تقدم إضافة للعمل المنجز، وماتلك الإضافة إلا إشارة خضراء تخوّل صاحب العمل ذلك المبدع الشاب إلى التقدم لا أن تجعله حبيس انتقادات هدامة، وبالتالي تهدده ببعثرة حلمه المنشود في سماءات التطور، وربما يتبخر في حسابات خارج إطار وأدبيات الثقافة المتعارف عليها إنسانيا قبل أن تكون إبداعيا.

أشار الكاتب والناقد سعيد فتاحين للشعب أن ظاهرة النقد الثقافي حاليا تعاني في صمت رغما عنها، والطريق الذي من المفروض أن يساهم في سير مراكب بصمات الإبداع، باتت تصارع فوضى كبيرة في حقل النسيح الفني والجمالي، ويؤكد بأنه طالما هناك أشباه نقاد يشوهون أعمال المبدعين الشباب يتوجب علينا حصار تلك الرؤى الخاطئة التي تسعى إلى الوصول للمكانة السامية، وكأنها بحسب ماجاء في تصريحه للشعب  “مليشيات ثقافية في شكل أشباح نقدية، تهدد وتتوعد السّاحة الأدبية الشبابية ».
وفي ذات السياق، وصف المتحدث من يتزعمون عمليات النقد الخارجة عن أُطُر وأُسس معالم نظرية النقد الثقافي بالهاجس المقلق، حيث قال في هذا الصدد: إن هدف أولئك الذين فقدوا مكانهم، هو محاولة أن تكون ميليشيات ثقافية تشبه جنود فيلم ماد ماكس، فكانت كأجيال مقموعة مقهورة لا صوت لها، تحاول أخذ المكان بشتّى الطرق بممارسة الصعلكة والتّهكم والسخرية فقط من أجل غاية تسليع جديد يقودنا في كل مرة، حَتَّى صار هاجس الكاتب أولئك النماذج البشرية التي لا تمل من السعي إلى غرض ما.
وأضاف سعيد فتاحين في نفس السياق إنَّ هؤلاء الذين لا يملكون أي شيء للخسارة، يستطيعون بيع كل شيء حَتَّى أنفسهم مقابل الوقوف كآلهة زيوس في منابر، ويحاولون صناعة مجموعة من العبيد في سبيل الانهيار الثّقافي، وهذا بسبب تشكل هذا الجيل الجديد الذي نهض وسط الخراب بميكانزمات نفسية متصدعة، وذات متأرجحة وحواس مشوشة تقوده إلى تحقيق الخراب بدل الثّورة الثّقافية، إنه جيل قلق رافض لصوت الآخر، باحث عن أي مكان يعبر عن ذاته المنسية، ويعود السبب هذا إلى غياب ثقافة ما قبلية وغياب حرية الرأي وغياب الإنسان ذاته في المشهد الثّقافي الذي أصبح يشبه كرنفال في دشرة..
مؤكدا فتاحين في تصريحه بأنه لا يقصد التّجريح، لكن طالما نحن في جحيم يقول الكاتب، مسيّج بجدران رطبة وداخل أمشاج وعصارة الإنسان التي أنتجت كمًا من العنصرية والتمركز حول الذات وحمى الرأي الصحيح وفلسفة القوي يأكل الضعيف، وعدوى القبلية والتّشدد كل هذه الأشكال النفسية في الإنسان لا تصنعه منه مثقف ولا يمكن أن تنهض الثّقافة على نقد دون دلالات أو على رأي دون معنى يتسند عليه، إنَّ الثّقافة تعبير عن الفن وليس مجرد مكبوتات تجعل الإنسان في حالة هجوم ودفاع، وإنَّ نصرة الثّقافة بالبث عن المسكوتِ عنه وليس برحلة البحث عن أمكنة الآخرين وكأننا في قطار يصدر صفيرًا لكنه لم يتحرك، فلا أحد من الراكبين عرف مكانه، والغاية دائمًا هي إيجاد متنفس أو إفراغ مكنونات أو البحث عن شكل من أشكال التّسليع أو رحلة البحث عن منصب عمل عن طريق صناعة بروباغندا إعلامية أو البث في أشياء خارج الثّقافة.
وفي الأخير ختم المتحدث أن ما يحدث مع هاته الطبقة التي لاصلة لها بأواصر الثقافة والإبداع، التي تختار أحدهم ويأكلون جثته باسم النقد أو القراءة أو أي شيء يسمونه، فيقربون رأسه قرب مائدة الأكل ويحاولون شرعنة أنفسهم على عباد الضعفاء، أولئك الذين ينبهرون بالفضائح الثّقافية، فالأمر أشبه بمشهد فيلم مقصلة ماد ماكس، فتجد صغار النّفوس تبث سمومها في كل مكان وزمان، كأنها حرقة بعد شراب جُعةٍ من قمح السنابل الدافئ، أو شكوى بعد سُكرٍ، وفجأة يستفيق الجميع من خديعة المكياج، ويبصرون الهوية المبطنة بالأقنعة، ويشاهدون حجم الخراب في هذه الساحة الأدبية، التي توجد فيها ميليشيات ثقافية لا تعرف طريق التوبة إلى اللَّه.