طباعة هذه الصفحة

عصرنة المنظومة البنكية تؤسّس لعهد جديد

مرونة في الأداء وقطيعة مع البيروقراطية والفساد

فضيلة بودريش

تشكل الإصلاحات البنكية رافعة قوّية تدفع بالاستثمارات المتنوعة نحو التدفق بكثافة، فتتشكل آلة متينة لإنتاج الثروة وتسريع وتيرة النمو بشكل مستمر ومن دون توقف والأشواط التي قطعتها الجزائر في إصلاحات المنظومة البنكية والمصرفية، تؤكد أن خطواتها القادمة ستصّب في استكمال المساعي وترسيخ الرؤية الصحيحة، لأن خيار عصرنة هذه المنظومة وحوكمة أدائها، سيندرج في جوهر مخطط عمل الحكومة المقبل الذي سيعرض على البرلمان، خلال دورته الخريفية المقبلة.
الظرف الاقتصادي الحساس الذي تزامن مع تداعيات فيروس كورونا، سيشجع أكثر في المرحلة القادمة على مضاعفة الجهود للانتقال من أداء تقليدي على مستوى البنوك إلى قفزة عصرية تتوسع فيها التعاملات الإلكترونية في الدفع والتمويل وما إلى غير ذلك. وكل ذلك يحتاج دون شك إلى إرساء بنى تحتية تسمح بتوسيع التعاملات الالكترونية عبر توفير وتعميم استعمال وسائل الدفع الالكتروني وإلى جانب تقوية التعامل بشبكة الانترنيت التي كثيرا ما ينظر إليها على أنها من الركائز الجوهرية للدفع بها نحو العصرنة، يضاف إليها كذلك تقنين خدمة التحويل الالكتروني مع تعزيز آليات التعامل وتوفير تدابير وحلول لمواجهة المخاطر خاصة الطارئة منها، وبالتالي بلوغ سقف جودة الخدمة لمواكبة المنافسة في أسواق المنظومات المالية التي تشهد قفزات كبيرة وتطور رهيب.
إن عصرنة النظام المصرفي والمالي وحوكمة المؤسسات العمومية، صارت حتمية تحتاج إلى التجسيد العاجل لنهوض سريع وقوي للاقتصاد الوطني، لأن النظام البنكي مفتاح التمويل للنسيج المؤسساتي الذي لا يتسع إلا بالتطور عبر التمويل من أجل الإنتاج الكثيف، ومن ثم التوجه نحو التصدير عبر أسواق خارجية، ومن خلال استيراد مواد أولية عندما تقتضي الحاجة، وفي كل ذلك انفتاح البنك على المؤسسة الاقتصادية ومرافقتها ودعمها سيكون الشريان الذي يبث فيها الحياة. ولأن العصرنة تختفي معها جميع السلوكات البيروقراطية البغيضة التي يختفي مكانها بعد تطوير نظام الدفع وتبني نظام التسوية الالكترونية لترسيخ قواعد السلامة والسرعة في أداء التعاملات المالية بما يسمح بتطوير نشاط المؤسسات المالية، وتكون على أهبة الاستعداد للتدخل لصالح مختلف الأعوان الاقتصاديين الذين يتفرغون بثقة ورضا للعمل وينصب جهدهم حول تقديم الأفضل ومنتوج منافس للسوق الوطنية وللأسواق الخارجية.
النظام المالي الجزائري مهيأ ويتأهب لإصلاح جذري نهائي، يفضي إلى الأهداف المسطرة التي تنعكس على أداء اقتصادي سلس، ومن نقاط قوته تمتعه بصرامة الرقابة حول حركة رؤوس الأموال، ولعل العصرنة ستضاعف من سرعة حركيته وشفافيته، ولكن هذه التحديات تتطلب تأهيل الأعوان للتخلص النهائي أو الانتقال من التعامل بالورق إلى التعامل الالكتروني، وهذا ما يؤدي بشكل تلقائي إلى التخلص من ثقل المنظومة البنكية التقليدية حتى لا يتأثر أي جانب من مكونات المشهد الاقتصادي، على خلفية أن الإصلاح البنكي يعد نقطة بداية مسار التطور الاقتصادي.
عصرنة قطاع البنوك سيؤسس لعهد جديد ضد الفساد ويقطع الطريق أمام محاولة تهريب الأموال بجميع أشكالها خاصة ما تعلق بوضع حد لتضخيم الفواتير وتهريب الأموال تحت غطاء الاستيراد أو التصدير، وإطارات وعمال المنظومة المصرفية مدعوون إلى مواكبة التطور ورفع رهان العصرنة والانخراط بعفوية وإنسيابية في معركة العصرنة التي تعد رقما أساسيا لتجاوز بطء النمو وصعوبات تنويع الاقتصاد الوطني.
استمرار غياب شبابيك صرف العملة يطرح هو الآخر العديد من الاستفهامات، من أجل استرجاع كل الأموال التي تتداول في دائرة السوق الموازية وهذا من شأنه أن ينعكس على العملة الوطنية وحتى يخضع كل التعاملات للدائرة القانونية، لكن العصرنة وحدها من تجلب الحلول التي كانت تبدو صعبة ومستعصية. وخلاصة القول أن عصرنة المنظومة البنكية تؤسس لعهد جديد تتكرس فيه المرونة وسرعة في الأداء وقطيعة مع البيروقراطية والفساد.