طباعة هذه الصفحة

المعابر الحدودية ومناطق التّبادل الحر

مستقبـل المبادلات التّجارية والدبداب جاهزة

محمد فرڤاني

 تسعى الجزائر إلى الرّفع من حجم المبادلات التّجارية مع الدول الإفريقية، وخاصة البلدان المجاورة عبر طرق بريّة صحراوية تربطها بليبيا، تونس، مالي، النيجر وموريتانيا، وهو المسعى الذي كبر بعد انتعاش ملحوظ في الاقتصاد الوطني، من خلال فائض إنتاج قابل للتّصدير وذي قدرة تنافسية في قطاعات عدّة، مثل المنتوجات الكهرومنزلية والإلكترونية ومواد البناء وبعض المنتوجات الفلاحية. وبعد افتتاح المعبر الحدودي البري مع دولة موريتانيا سنة 2018، تستعد الجزائر لإعادة فتح معبر الدبداب الحدودي مع دولة ليبيا، وبجواره يرتقب إنشاء منطقة تبادل حر مع دولتي تونس وليبيا، وهي المنطقة التي تضمن رفع القيود الجمركية لتطوير المبادلات التّجارية بين بلدان القارّة، هذه الأخيرة التي تعرف غزواً اقتصاديّا من قبل بعض القوى الاقتصادية الكبرى، ما يرفع سقف التّحدّي لدى البلدان الرّاغبة في تعزيز اقتصادها القاري مثل الجزائر، التي باشرت في إقامة ملتقيات دولية رغم الجائحة الصحية، وتعمل على استحداث آليات للمراقبة وإنشاء فروع بنكية في إفريقيا، مع مواصلة الاستثمار في البنى التّحتية خاصة في النقل البرّي.

  أوضح الوالي المنتدب للمقاطعة الإدارية الدبداب بولاية إليزي، عبد الوهاب زيني، لمجلة “الشعب الإقتصادي”، الدّور المحوري الذي تلعبه مقاطعته في تجسيد نظرة الدولة الإستشرافية للعلاقات الاقتصادية بين الجزائر وليبيا، نظراً لموقعها الاستراتيجي على حدود تبلغ 1006 كلم مع الجارة ليبيا، ويمتاز المعبر الحدودي للدبداب بقربه من مدينة غدامس الليبية، التي لا تبعد سوى بـ 20 كلم، وهي المدينة التي تملك إمكانات تؤهّلها لتأدية دور محوري هي الأخرى في مسعى الدولتين لترقية الصّادرات والمبادلات التجارية.
وكشف عن جملة من المشاريع التي سُطّرت وجُسّدت على أرض الواقع، ومنها ما ينتظر التّجسيد من أجل مرافقة مسعى الحكومة في ترقية المبادلات التجارية مع دول الجوار، وهي التي تعوّل على فتح معبر الدبداب في القريب العاجل، لما يحمله من أهمية في مخطّط الحكومة، بالإضافة إلى إنشاء منطقة تبادل حرّة مع دولتي ليبيا وتونس بذات المقاطعة.
وذكّر، عبد الوهاب زيني، بواحدة من أهم البنى التّحتية التي من شأنها المساهمة في النّهوض بالتبادل التجاري عبر المعابر البرية مع الدول الجوار، وهي شبكة الطرقات، إذ كشف عن الدّور البارز للطّريق الوطني رقم 53 في شقّه الرّابط بين مدينة الدبداب وورقلة على مسافة 243 كلم، حيث أشار إلى إتمام أشغال إعادة تهيئته، وهو حالياً معبّد إلى غاية حدود ولاية ورقلة، كما ذكّر عبد الوهاب زيني، بطريق آخر يربط مدينة الدبداب ببلدية البرمة بولاية الوادي، على مسافة 100كلم - أين تجري به أشغال التهيئة حالياً - وهو الطّريق الذي سيختصر المسافة بين مدينة الدبداب الحدودية والمدن الجنوبية الشّرقية، والمدن الشّرقية أيضاً، خاصة تلك التي تعرف حركية اقتصادية سواء في مجال الفلاحة أو الصناعة، ما سيسمح بتصدير المنتجات الجزائرية بطريقة مباشرة لدولة ليبيا عوض الطّريقة التي كانت تعتمد، حيث كانت البضائع الجزائرية تصل إلى ليبيا عن طريق دولة تونس انطلاقاً من معبر طالب العربي بولاية الوادي.
وسيعود فتح معبر الدبداب أو إنشاء منطقة للتّبادل الحر، بالنّفع على المنطقة الحدودية الجنوبية، والاقتصاد الوطني بشكل عام، إذ من شأن هذه الخطوة أن ترفع من حجم الصّادرات، وتكسب المتعاملين المحليّين فرصة ولوج السّوق الدولية والتّنافس مع نظرائهم من دول أخرى، إضافة إلى القضاء على ظاهرة تصدير المنتجات الجزائرية باسم دول أخرى، وأشار عبد الوهاب زيني إلى إمكانية إسهام الخطوة في تحريك عجلة التنمية المحلية بالمنطقة، فمن المنتظر أن يستقطب فتح المعبر الحدودي ومنطقة التّبادل الحر مستثمرين في الصّناعة التّحويلية، ويسهم في إنشاء عدّة مؤسّسات تعنى بعمليات التّصدير نحو دولة ليبيا والدّول المجاورة.
ويكمن الرّهان في مدى توفّر البنى التحتية لإنجاح النّشاط بالمعبر الحدودي الدبداب، أو منطقة التبادل الحر في حال إنشائها بالمنطقة، كما أنّ الأمر يتطلّب توافقا من جهة المتعاملين الاقتصاديّين الليبيّين من أجل الانطلاق في المبادلات التّجارية.

بنية تحتية ومشاريع واعدة

 تكتسي المقاطعة الإدارية الدبداب، أهمية التّسهيلات الإدارية والرّقمنة من أجل ترقية المبادلات التجارية، وتوفير مناخ ملائم لرجال الأعمال من كلا الجانبين، كما أنّ شبكة الطّرقات المؤدّية إلى المعبر الحدودي على طول حدود ولاية إليزي ممتازة، ولن تشكّل أي عائق في عملية التّصدير البرّي، فهي تتوفّر على جميع الشّروط لخدمة مستعمليها، وإضافة إلى الطّريق الوطني السّالف الذّكر، هنالك عدّة طرق ولائية أخرى معبّدة تضاعف من المنافذ المؤدّية إلى المعبر الحدودي.
أما فيما يخص الطّاقة الكهربائية، فإنّ المنطقة تسجّل فائضا في توليد الكهرباء، وبالإمكان كذلك تصديرها إلى دولة الجوار ليبيا وبالضبط إلى مدينة “غدامس” الليبية، كما أكّد محدّثنا أنّ مجال الاتّصال الرّقمي يعرف تطوّراً يضاهي الخدمات التي تقدّم في أي منطقة بالجزائر، إذ أنّ التغطية الهاتفية سواء للهاتف الثّابت أو النقال متوفّرة، وتصل إلى نسبة 80 بالمئة في كل الطّرق المؤدّية إلى الدبداب، وتصل شبكة الألياف البصرية إلى غاية النّقطة الصفرية في الحدود مع دولة ليبيا، واستطرد الوالي المنتدب للمقاطعة الإدارية قائلاً “إنّ المنطقة مؤهّلة لاحتضان أي مشروع اقتصادي حكومي كمنطقة للتّبادل الحر، كون الدبداب عكس كل المناطق التي تضم معابر حدودية، تمتاز بنقطة صفر تجمع منطقتين آهلتين بالسّكان بحجم مدينتي الدبداب وغدامس اللّيبية، إذ تمكّن من إنشاء حركية اقتصادية طالما أنّ المسافة بين المدينتين لا تتعدى 20 كلم”.

الدبداب جاهزة لكل نشاط تجاري

 استقبلت المقاطعة الإدارية الدبداب وفداً من المتعاملين الاقتصاديّين، مطلع شهر جوان من السنة الجارية، ضمّ رئيس كونفدرالية المنتجين والصّناعيّين الجزائريّين “CIPA”، والرّئيس المدير العام لمجمّع نقل البضائع “LOGITRANS”، وممثّلا عن البنك الخارجي الجزائري “BEA”، في زيارة معاينة لهياكل الاستقبال بالمركز الحدودي، قصد التّنسيق بين مختلف المتدخّلين وضبط الخدمات التي من شأنها تسهيل سيرورة النشاط التجاري بالمعبر، قبيل ترجمة الاتّفاق الموقّع بين الجزائر وليبيا على أرض الواقع.
وفي هذا الصدد، كشف زيني، عن جاهزية التّأطير الرّقابي على مستوى المركز الحدودي، سواء من قبل شرطة الحدود أو من مصالح الجمارك، وفيما يخص عملية النّقل أكّد أنّ ممثل مجمّع نقل البضائع أبدى ارتياحه لوضعية الطّرق المؤدّية للمعبر الحدودي، خاصة وأنّ المقاطعة لا تبعد كثيرا عن مدينة حاسي مسعود التي تضم عدّة استثمارات لمؤسّسة نقل البضائع، كما تمّ الاتفاق مبدئيا على فتح فرع لبنك الجزائر الخارجي على ضوء معطيات شبكة الاتصال المتوفّرة، واستجابةً لطلبات المتعاملين الاقتصاديّين الجزائريّين بشأن دعم المؤسّسات المالية وقربها من المعبر الحدودي.
وحول إمكانية إقامة منطقة نشاطات، فإنّ المقاطعة لا تعرف مشكلاً في العقار، وعلى ضوء المعطيات الموجودة، قد يتم منح العقار للمستثمرين الذين سيقومون بتهيئة منطقة نشاطهم وفق خصائص مؤسّساتهم وفروعهم التّجارية.
وفي نفس السياق، فإنّ المنطقة جاهزة لاحتضان الحدث من ناحية المنشآت الصحية، خاصة وأنّ الفترة التي تمر بها الجزائر على غرار دول العالم، تتّسم بالحذر في تنقّل الأشخاص تجنّباً لعدوى وباء “كوفيد-19”. وللتحكم أكثر في أي طارئ صحي سيما إثر عودة الحركة على مستوى المعبر أو فتح منطقة التّبادل الحر، تمّ الانطلاق في بناء مستشفى يتّسع لـ 60 سريراً بالدبداب، إضافة إلى مؤسّسة صحية جوارية تعتبر من بين أحسن المؤسّسات الصحية بولاية إليزي، يضاف إليها مشروع عيادة متعدّدة الخدمات بالمنطقة.
توطيد العلاقات الاقتصادية
 يرى رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسّسات، يوسف ميلي، أنّ منطقة التّبادل الحر فرصة لتوطيد العلاقات الاقتصادية بين الدّول بعيدا عن الإجراءات البيروقراطية. وعلى صعيد الإقتصاد المحلي، فإنّ هذه المناطق أضحت ضرورة قصوى للجزائر، فمن دونها سنبقى - يقول - عاجزين عن اقتحام الأسواق الدولية وخاصة سوق الجوار، وأضاف أنّ هذا المطلب لطالما نادى به المستثمرون ورجال الأعمال منذ زمن، أين كانت صورة الاقتصاد الجزائري غير واضحة، فمنذ 30 سنة وطابع الاستيراد يغلب على جل تعاملات رجال الأعمال والمستثمرين، لذلك فالتّحوّل نحو التّصدير لن يكون بالشّيء السّهل على المؤسّسات الاقتصادية بشكل عام.
وأكّد رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسسات لـ “الشعب الاقتصادي”، أنّ هيئته كانت من بين المنادين بفتح معبر الدبداب وإنشاء منطقة التّبادل الحر، استجابة لمطلب الشّركاء الليبيّين من المتعاملين الاقتصاديّين الذين ألحّوا على فتح معبر الدبداب نظراً للوضع الأمني المستقر بالجهة الجنوبية الغربية لدولة ليبيا، وذلك بفضل المظلّة الأمنية التي يشكّلها تأمين الجيش الجزائري لحدوده.
كما أوضح ميلي، أنّ أي تجربة في الاقتصاد تحمل من المخاطر مثلما تحمل من الإيجابيات، وفرص تحسين وضعية اقتصاد أي بلد، مؤكّداً في ذات الوقت أنّ تجربة إنشاء مناطق التّبادل الحر تتطلّب التحكم في عملية التّصدير والاستيراد، وهي الفرصة المناسبة لقياس مدى جاهزية الجزائر للمنافسة في الأسواق الدّولية، واختبار قدراتها في جانب التّصدير، كما أشار محدّثنا إلى أنّ سرعة التّكيّف مع المخاطر التي ترافق أي نشاط اقتصادي هي من ستحدّد مصير مبادرة إنشاء أسواق حرّة على الحدود.
وأوصى رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسّسات، بإعطاء حرية أكبر للمبادرات الاقتصادية، عكس ما هو عليه الحال اليوم، حيث يغلب ما وصفه محدّثنا بالاقتصاد الإداري على أية عملية اقتصادية، بفعل الإجراءات البيروقراطية، وما يميّز هذا النّوع من الاقتصاد (الاقتصاد الإداري) هو رد الفعل البطيء عند مواجهة المخاطر، لذا فمن الضّروري إعادة النّظر كليّاً في نمط تسيير الاقتصاد الجزائري، والابتعاد عن الاقتصاد الإداري المبني على قضايا التّرخيص، المراقبة غير المجدية والتّراكمات البيروقراطية.
وللرّقابة دور في مناطق التّبادل الحر، التي لا ينبغي أن تتحوّل إلى أداة لتعطيل العمليات التّجارية، فالرّقابة البعدية في نظر محدّثنا تكون أكثر فاعلية وأمنا على المتعامل الاقتصادي لحمايته من بيروقراطية بعض الهيئات، مثلما هو معمول به في جل دول العالم التي تفتح المجال أمام العمليات التجارية، ثم هنالك العديد من الآليات للرّقابة البعدية التي تستعملها.
ويقول رئيس منتدى الاستثمار وتطوير المؤسّسات، إنّ الحكم على نجاح منتجاتنا في الأسواق المجاورة سابق لأوانه، وما ينبغي العمل عليه اليوم هو الإسراع في فتح المجال نحو التّصدير عن طريق المعابر الحدودية أو عن طريق مناطق التّبادل الحر، فالمؤسّسات الاقتصادية الجزائرية بحاجة إلى ولوج الأسواق العالمية، والاحتكاك والتّنافس مع نظرائها من مؤسّسات أجنبية، ومع مرور الزّمن سيتجلّى نجاحها من عدمه في التّنافس خارجياً.
تجنّـب أخطاء الماضي
 شدّد محدثنا، على ضرورة منح الفرصة لجميع المتعاملين الاقتصاديّين من أجل ولوج عالم التّصدير ومناطق التّبادل الحر، لكي لا يتكرّر نفس الخطأ الذي وقعت فيه الحكومات السّابقة، من خلال احتكار بعض المؤسّسات للمشاريع والاستثمارات الاقتصادية الكبرى، وهو ما أثّر على الأداء الاقتصادي بشكل عام، لذا فعلى الحكومة وضع آليات تضمن تكافؤ الفرص لجميع المتعاملين الاقتصاديّين، والتخلي عن الاقتصاد الإداري، والتّوجّه بصفة فعلية نحو الاقتصاد الاجتماعي والحر.
وختم بضرورة التّخلّي عن الاقتصاد الإداري، الذي تكمن مشكلته في ذهنيات التّسيير أكثر من أي شيء آخر كالقوانين المحدّدة لطابع العمل، واستدلّ يوسف ميلي بتجربة القطاع الفلاحي الذي لا يعرف تدخّلا كبيرا للإدارة مقارنة بالصّناعي، وهو ما انعكس على النّاتج الفلاحي، الذي يشهد تطوّراً مستمرا عكس ميدان الصّناعة.

التّحويلات المالية

 من جانبه، أوضح الخبير الاقتصادي سي عمارة سعيد، أنّ التّحويلات المالية تتعلّق بعدّة إجراءات متمّمة لبعضها البعض في عملية التّصدير والاستيراد خارج المجال المصرفي، والتي تثبت سريان العملية التجارية أو التبادل الذي جرى بين البلدين، أو بالأحرى بين الجزائر والبلدان التي تنتمي لمنطقة التبادل الحر، وأشار سي عمارة إلى أنّ النّشاط على مستوى الأسواق الحرّة لا ينبغي أن يكون على حساب السّلع التي تستورد من دول أخرى حتى تعطي قيمة إضافية حقيقية.
وأكّد الخبير، أنّ بنك الجزائر هو الحلقة الرّئيسية في أي عملية تحويل للأموال في المبادلات التّجارية مع الدول الأجنبية، وأوضح محدّثنا أنّ الراغب في التّصدير، سيكون عليه الاقتراب من أي بنك تجاري من أجل توطين عمليته التجارية، من خلال ملف يثبت فيه نوع السّلع والكمية المراد تصديرها مع السّعر الذي يشمل كافة التّكاليف، إضافة إلى ملف يتعلّق بإثبات وضعية المؤسّسة الراغبة في التصدير مع وزارة التجارة ومصالح الضّرائب، زيادة على شهادات تخص مكوّنات المنتوج محل التّصدير، جودته ومنشأه، ليتم بعدها وضع رقم تسلسلي خاص بعملية التصدير، وبناءً على ذلك يقوم الطّرف المقابل في العملية في الدّولة الأجنبية بإعداد ملف مماثل على مستوى البنك الخاص به، هذا الأخير يعتبر بمثابة الضّامن في العملية، ولا يمكنه القيام بتحويل الأموال المودعة لديه إلاّ بعد تلقّيه الإشارة من الأطراف المعنية بمعاينة السّلع محل الاستيراد (الجمارك أو شرطة الحدود).
 
البنوك المركزية واستقرار العملة

 أوضح الخبير الاقتصادي، سي عمارة، أنّ عمليات تحويل الأموال التي تتم بين الدول، تكون عبر البنوك المركزية لكل دولة، باعتبارها السلطة العليا النّقدية في كل بلد، والمكلّفة بالسياسة النقدية وتسيير مخزون العملات الأجنبية، فأي بنك تجاري لابد له من المرور عبر البنك المركزي التابع لبلده في عملية تحويل الأموال سواء للاستيراد أو التّصدير، والقانون المحدّد للتّعاملات التجارية بين الدول يحدّد المدة الزّمنية لتحويل الأموال، لذا فأيّ تأخر في استلام الأموال من طرف المصدّر، فهذا يعني عدم المصادقة على السّلع المصدّرة أو إخلال بما اتّفق عليه في الملفات التي تمّ تقديمها لدى البنك التجاري لكل بلد. وأشار محدّثنا إلى أنّ بعض البنوك تلجأ لاشتراط دفع نسبة معيّنة زائدة على القيمة الحقيقية للسّلع الرّاغب في استيرادها، وهذا تفاديا لأي تراجع في قيمة عملتها المحلية، والذي سينعكس على القيمة الإجمالية للسّلع المراد تصديرها أو استيرادها.
وحول تأخّر عملية تحويل الأموال التي يشتكي منها العديد من المتعاملين الاقتصاديّين، أوضح محدّثنا أن عدم استقرار العملة المحلية قد يتسبّب أيضا في تأخّر عملية تحويل الأموال، كما أنّ سعر الصرف على المستوى الدولي في تذبذب مستمر بسبب التّقلّبات الاقتصادية الدولية، لذا فعملتنا المحلية وعملة الدول الإفريقية التي نرغب في التّعامل معها على سبيل المثال، مرهونة بأسعار سلّة العملات الدولية.
وأضاف، أنّ البنوك مهما كان صنفها، فهي مجبرة على رقابة حركة رؤوس الأموال، ولها صلاحيات في مراقبة الأموال التي تمر عبر الحسابات البنكية للمتعاملين الاقتصاديّين، من أجل تتبّع مصادرها وضمان عدم تداخلها مع أي مصدر مشبوه، لذا قد تطول عمليات تحويل الأموال لذات السبب.
غير أنّه يؤكّد أنّ البنوك والمصارف ليست المسؤول الوحيد عن تأخّر تحويل الأموال، فالأجهزة الأخرى التي تدخل في عملية التّصدير كوزارة التجارة والجمارك، لها نصيب من الرّقابة وإصدار بعض الشّهادات المطلوبة في بعض العمليات.

المقايضة أيسر الطّـرق..لكن!

 يوضّح الخبير، سي عمارة سعيد، أنّ المقايضة التي تتم في المناطق الحدودية، والتي رخّص لها في الآونة الأخيرة في الجزائر، وعرفت رواجاً كبيراً في بعض مدننا الجنوبية خاصة في مقايضة بعض السّلع الجزائرية بمنتوجات فلاحية تعرف ندرة بالجزائر، لكن هذه المنتجات قد تتطلّب تراخيص خاصة ووسائل لوجيستية لنقلها نحو الشّمال، وهو الأمر الذي يشجّع على الاكتفاء بتداول هذه السلع والمنتجات الناجمة عن المقايضة بالمناطق الحدودية فقط، في حين أنّ المبادلات التجارية الموسّعة تتم في مناطق التّبادل الحر، حيث أنّ عملية نقل البضائع والتّحويلات المالية تكون بطرق منظّمة ومدعّمة من قبل الجهات الوصية التي تعمل على وضع البنية التّحتية في خدمة هذا الغرض.

رهان الأسواق الدّولية

 مع اقتراب فتح المعبر الحدودي وإنشاء السّوق الحرّة، يعود الحديث عن وضعية المؤسّسات الاقتصادية الخاصة، ودورها في إنعاش مناطق التّبادل الحر، خاصة وأنّ معظمها يفضّل النّشاط في أسواق توصف بغير الرّسمية تهرّباً من الإجراءات المرافقة للعمليات التجارية بالأسواق المحلية، وفي هذا الشّأن فإنّ المؤسّسات التي تملك نظرة اقتصادية وتسعى لديمومة نشاطها وتوسيعه ستكون أولى المؤسّسات التي تتواجد بمناطق التّبادل الحر، لما تقدّمه هذه المناطق من مزايا وفرص ولوج السوق الدولية، مشيراً إلى أنّ فرص نجاح هذه المؤسّسات قائمة، مقارنة بمغامرتها في التّوجّه نحو التّصدير للدول الأوروبية، فالسّوق الإفريقية وإن كانت تعرف منافسة من قبل دول اقتصادية كبرى، إلاّ أن هناك عدّة عوامل قد تمنح الأولوية للمنتوج الجزائري في حال ما توصّلت هذه المؤسّسات إلى قناعة بتغيير نمط اقتصادها، والتّسيير القائم على الاستيراد فقط.
(عن مجلة الشعب الاقتصادي بتصرف)