طباعة هذه الصفحة

السّياسة المائية في الجزائر..إلى أين؟

حنفيات تدرّ الهواء بدل الماء

هيام لعيون

 الجزائر على مشارف أزمة مياه حقيقيّة تستهدف سكانها في جميع مناطق البلاد بلا استثناء، فالأرقام التي بين أيدينا تبيّن العجز المسجّل في تأمين «الذّهب الأزرق» خلال صيف 2021 على الأقل، دون التّفكير لو طالت الأزمة لسنوات قادمة لقدّر الله، كما أنّ صور جفاف السّدود والوديان والينابيع، المنتشرة عبر ربوع الوطن باتت مرعبة، وهذا يمكن ملاحظته عند زيارة أيّ منطقة، حيث يظهر الجفاف يزحف تدريجيّا ويهدّد خصوصا المناطق الزّراعية والمائية، كل هذا صاحبته أزمة خانقة في تأمين مياه الاستهلاك المنزلي ومياه الرّي الفلاحي، ما ينذر بصيف جاف على جميع الأصعدة.

 عادت حنفيات الجزائر خلال صيف 2021 إلى حالة الجفاف التي بات يملؤها الهواء عوض الماء لأيّام وساعات في مناطق مختلفة من الوطن، نظير التّراجع المحسوس في كمية الماء الشّروب، وهي مؤشّرات بدأت تظهر منذ سنة 2019، بعد تراجع سقوط الأمطار والتّغيّر المناخي الحاصل في منطقة المغرب العربي ككل. وكان تقرير صادر خلال نفس السنة حذّر من أزمة عطش قد تصيب الجزائر، حيث ورد في تقرير نشره المعهد الدولي للموارد، في شهر أوت 2019، أنّ الجزائر ضمن أكثر دول العالم المهدّدة بالجفاف بحلولها في المرتبة الـ 29 عالميًا، في التّصنيف الثّاني المميّز باللّون الأحمر، وهي الدّول التي يتراوح فيها معدّل العطش بين 40 و80 في المائة.
وتظهر دول الشّرق الأوسط وشمال إفريقيا في قائمة الدول التي تعاني أزمة عطش وشحّ في الموارد المائية من جهة، وإجهادًا لتلك الموارد من جهة أخرى.
وقد عاشت عديد المناطق في الوطن خلال الآونة الأخيرة، خاصة شهر جوان 2021 انقطاعا في شبكات التّزوّد بالماء، حيث باتت حنفيات الجزائريّين تخرج هواءً بدل ماء، في منازل المدن الكبرى والقرى على حد سواء، ودون سابق إنذار في غالب الأحيان، بينما تعوّد آخرون على تلك الحالة، سببه تذبذب واضح في توزيع مياه الشّرب، ما جعل سكان بعض المدن ينتفضون ضد العطش ويخرجون إلى الشّوارع بعدما انقطعت المياه عن حنفياتهم لأزيد من ثلاثة أيام، كما حصل في بلديات برج الكيفان، باب الزوار والجزائر الوسطى، جوان 2021، ولم تتوقّف الأمور عند هذا الحد، فالتّعامل غير واضح المعالم مع أزمة المياه التي تمر بها الجزائر جعل مواطنون يقتنون المياه غير المعدنية بالمال، حسب صور انتشرت عبر المنصّات الاجتماعية.
العودة إلى البحث عن قطرة ماء
 أعادت أزمة المياه الحالية التي تمر بها الجزائر، صورا ومظاهر ماضية عاشها الجزائريّون خلال سنوات التّسعينات عندما ضرب الجفاف عمق البلاد، وكانت الحنفيات تذرف دموعا عوض مياه، وها هم يعودون اليوم لحمل قارورات فارغة، بحثا عن المنبع الأقرب، في صور ظنّ الجزائريّون أنّها قد ولّت بدون رجعة، لكنّها في الحقيقة واقع الحال بالكثير من القرى والمداشر والمدن، حيث لازال النّاس يقصدون ينابيع الماء الطّبيعية من أجل التزوّد اليومي، خاصة وهم يدركون أنّ المياه المعدنية التي تباع مكلّفة جدا مع نقص مياه الحنفيات، لذلك فضّلوا حمل دلائهم وقصد الينابيع ولثقتهم في مياهها الطّبيعية.
كما انتشرت في الآونة الأخيرة مظاهر اقتناء صهاريج بلاستيكية لتثبيتها في المنازل، وجلب رافع المياه للأعلى لزيادة ضخ المياه، وانتعشت تجارة بيع القوارير البلاستيكية، وكل ما هو مؤهّل لتخزين المياه في المنازل. 
أمّا في المدن السّاحلية أو الكبرى، فأصبح الماء يزور حنفيات المنازل لساعات في اليوم في أوقات غير معلومة، ويغيب بعد ذلك لأيّام ودون سابق إنذار، هكذا باتت أيّام الجزائريّين متشابهة مع البحث عن قطرة ماء.
وإذا كانت السّنين القليلة الماضية، قد قلّت فيها نسبة الأمطار، وباتت الوديان والسّدود على حافة العطش، فإنّ العديد من المتابعين والخبراء يرجعون الأمر إلى غياب إستراتيجية بعيدة المدى من قبل الدولة خلال السّنوات الماضية، سنوات «الثّلج والمرج»، سنوات الماء الوفير، حيث لم تُدخّر المياه للسّنوات العجاف، من خلال مخطّطات إستراتيجية وهامّة، وإقامة مشاريع مائية بالرغم من البحبوحة المالية التي كانت تعرفها البلاد، فالنّظر عند حدود الأنف فقط دائما ما يكلّف الجزائريّين الغالي، وها هي أزمة العطش تطرق كل باب في كل شبر في الجزائر.
 بدائل لمواجهة العطش
 لمجابهة هذا الوضع، اعتمدت وزارة الموارد المائية في إطار التكيف مع التّغيّرات المناخية وندرة الأمطار، على عدّة محاور عملية، ستسمح بتخفيف العجز المسجّل في المياه السّطحية في بعض مناطق الوطن، وهذا من أجل تسيير وترشيد استعمال المخزونات المائية الحالية المتوفّرة.
هذه البدائل تهدف إلى تغطية حاجيات السكان من الماء الشّروب سواء ما تعلّق بتحلية مياه البحر، التي ساهمت بشكل فعّال في تخفيض الضّغط على المدن المرتبطة في التزويد بالمياه السّطحية، إضافة إلى نظام تحويل المياه من السّدود، وكذا الاستغلال الفعّال للمياه الجوفية.
وسارع من جهته وزير الطّاقة والمناجم، محمد عرقاب، جوان 2021، إلى لقاء سفير اليابان بالجزائر، أكيرا كونو، من أجل بحث  فرص التّعاون والاستثمارات القائمة في مجال تحلية مياه البحر، وأشار بالمناسبة إلى «أهمية برنامج تحلية مياه البحر، الذي يشكّل خيارا استراتيجيا على المديين القصير والمتوسّط»، داعيا في هذا الصّدد إلى «مشاركة الشّركات اليابانية في هذا البرنامج».
وقد تمّ الاتّفاق على «تنظيم اجتماعات، عبر تقنية التّحاضر المرئي، بين القطاع والشّركات اليابانية»، هذه الخطوة جاءت بعد أزمة المياه التي تضرب البلاد، وبما أنّ لقاء الجزائريّين باليابانيّين لن يثمر غدا، يبقى استغلال الموارد المائية المتاحة بعقلانية الحل الأمثل بالنّسبة للدولة التي تحرص دائما وتحذّر من إهدار الماء، والمحافظة عليه في ظل أزمة حقيقية تعيشها البلاد.
وحسب معطيات تحوزها مجلة «التنمية المحلية»، تخص استغلال محطّات تحلية مياه البحر، فهي موزّعة على تسعة ولايات بقدرة إنتاجية تقارب 2 مليون م3 يوميا، تسمح بتأمين تزويد أكثر من 7 ملايين نسمة بالماء الشّروب.
وحاليا توجد 10 محطّات مستغلّة تستفيد منها 11 ولاية، ويهدف القطاع في إطار الإستراتجية المسطّرة آفاق 2030 إلى توفير الماء الشّروب لأزيد من 20 ولاية من خلال رفع عددها إلى 20 محطة لتحلية مياه البحر، حيث ستسمح بإنتاج ما يفوق 2 مليار م3 سنويا.
وفي إطار البرنامج الخماسي 2020-2024، سيتم الشّروع في إنجاز 04 محطّات لتحلية مياه البحر في كل من بجاية، سكيكدة، الطارف والجزائر العاصمة مع قدرة إنتاجية تبلغ 620.000 متر مكعب يوميا.
ومن أجل التّأمين الكلي لتموين الجزائر الكبرى بالماء الشّروب، اقترح قطاع الموارد المائية إنجاز محطة تحلية مياه البحر للجزائر غرب مع إمكانية توسيعها، بالإضافة إلى برمجة إنجاز 03 محطات للتحلية بالجزائر شرق وبمنطقة تقزيرت بولاية تيزي وزو.
 اتّباع نظام تحويل المياه من السّدود
 من ضمن الإجراءات المتّخذة لمواجهة شح الأمطار، اتّباع نظام تحويل المياه من السّدود، حيث يبلغ عددها 29 تحويلا نحو المدن التي تعرف نقصا في التموين، ومن أهم التّحويلات التي من شأنها توفير المورد المائي والقضاء على مشكل نقصها في مختلف الولايات:
أولا: تحويل مياه سد ولجة ملاق بولاية تبسة، وسيسمح هذا النظام  تزويد ما لا يقل عن 175 ألف نسمة بمياه الشرب ببلديات الونزة، العوينات، بوخضرة، بئر الذهب، المريج ومرسط الذي دخل حيز الخدمة مؤخرا، إضافة إلى تحويل مياه وادي التحت بولاية معسكر من أجل تزويد بلديات عين فراح والتجمع السكاني عين بوراس، واد الأبطال وسيدي عبد الجبار.
تحويل مياه سد تابلوط بولاية جيجل، حيث يسمح هذا النظام بتزويد أكثر من 12 بلدية من ولاية سطيف بالماء الشروب، بإنتاج ما يقارب 60 مليون متر مكعب سنويا، فضلا عن تحويل مياه سد بوسيابة نحو سد بني هارون لتزويد كل من الميلية وبلارة بإجمالي إنتاج يقدّر بـ 80 مليون متر مكعب سنويا.
تحويل مياه سد كاف الدير بالداموس من أجل تموين 11 بلدية واقعة غرب ولاية تيبازة و6 بلديات بولايتي عين الدفلى والشلف.
من جهة أخرى، ومن خلال التدابير المتّخذة لتعزيز حشد الموارد المائية الموجّهة للشّرب، توجد 06 محطات أحادية الكتلة لتحلية مياه البحر موزّعة على 05 ولايات تشهد نقصا في التزويد بالمياه، حيث بلغ إنتاجها 30.000 م3 في اليوم.
كما يعمل قطاع الموارد المائية على تثمين استعمال المياه المنعدمة المصفاة في القطاع الفلاحي، والتي بلغ عددها 18 محطة بطاقة إنتاجية تقدّر بحوالي 6 ملايين م3 سنويا.
وقد سطّر القطاع برنامجا استعجاليا منذ بدية السنة الحالية لإنجاز أكثر من 300 منقب، منها 30 بالمائة دخلت حيز الاستغلال والبقية في طور الانجاز، ويرتقب دخولها حيز الخدمة خلال شهر جويلية 2021.
تأمين تموين الجزائر الكبرى بالماء الشّروب
 لتعزيز تأمين تموين الجزائر الكبرى بالماء الشّروب، تمّ تسطير ثلاثة برامج استعجالية تتمثّل في: إعادة تأهيل وتوسيع أربع محطات أحادية الكتلة لتحلية مياه البحر في كل من عين البنيان، زرالدة، بالم بيتش بالعاصمة، وبوسماعيل وتيبازة وهذا من أجل الحصول على إنتاج إضافي يقدّر بـ 37500 م3 يوميا.
ثانيا: إنجاز 173 منقب في ولايات الجزائر، تيبازة، بومرداس والبليدة مع إجمالي إنتاج يقدّر بـ 224.900 م3 يوميا، منها 114.000م3 موجّهة لولاية الجزائر، وأخيرا تسطير برنامج إضافي آخر في مارس 2021 بهدف إنجاز 100 منقب من أجل إنتاج 120.000 م3 يوميا.
كما تمّ اللّجوء كذلك إلى نظام تحويل المياه من وادي سيباو نحو سد تاكسبت بولاية تيزي وزو، بالإضافة إلى نظام تحويل سد غريب نحو بورومي ونظام اغيل أمدة نحو سد محوان، مع إمكانية تحويل المياه من سد محوان نحو عين زادة.
(عن مجلة «التنمية المحلية»، أوت ٢٠٢١)