طباعة هذه الصفحة

على الرّغم من حصولهم على بطاقة التّلقيح

جزائريّون أمام هاجس المنع من السّفر إلى أوروبا

صونيا طبة

البروفيسور صنهاجي: نحو قبول كل اللّقاحات قريبا

 يواجه عدد كبير من الجزائريين الذين يرغبون في السفر الى أوروبا مشكل منعهم من الدخول الى الدول التابعة للاتحاد الأوروبي، ولم يعد الأمر يقتصر على المستفيدين من اللقاحين الصيني  والروسي غير المعترف بهما، ولكن حتى الذين تلقوا لقاح أسترازينيكا الذين أصيبوا بصدمة كبيرة بسبب إجبارهم على تقديم شهادات تتضمن رمز الاستجابة السريعة «QR Code»، خاصة وأن الجزائر لم تشرع في استخدام هذه التقنية.
 يتردّد عديد المواطنين في أخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا لاسيما وأن كثيرا من الدول الأوروبية ترفض السماح بدخول الأشخاص الملقحين باللقاحات الصينية والروسية، غير أن حديث مدير معهد باستور الجزائر في آخر تصريح له عن  دراسة امكانية قبولها، قد يعطي دفعا للعملية.
ولم تعد اللقاحات وسيلة لإزالة الحواجز التي فرضتها جائحة كورونا بسبب الصعوبات التي تعيق التنقل بين البلدان لمنع الملقحين بلقاحات غير مرخصة من الاتحاد الأوروبي من دخول أراضي هذه الدول، وفرض قيود تحرمهم من السفر والتي اعتبرها كثيرون تمييزا في حق الشعوب التي تلقى سكانها اللقاحات الصينية والروسية، باعتبار أنها حازت على موافقة منظمة الصحة العالمية، بعد التحقق من فعالية وجودة ومدى أمان هذه اللقاحات، والتي لا تختلف عن اللقاحات المعتمدة من الوكالة الأوروبية بالأدوية والمتمثلة في لقاحات «فايزر»، «أسترازينيكا»، «موديرنا» و»جونسون آند جونسون».
ملقّحون بـ «أسترازينيكا» يُصدمون
في ذات السياق، أكد مواطن من الجزائر العاصمة، أنه تعرض للمنع من الدخول الى احدى الدول الأوروبية منذ أيام بسبب عدم توفره على رمز الاستجابة السريعة، على الرغم من أنه تلقى جرعتين من لقاح أسترازينيكا المعترف به على المستوى الأوروبي ولديه نتائج فحوصات «بي سي آر « التي تثبت عدم إصابته بفيروس كوفيد-19، مضيفا أن الكثير من الصعوبات يعاني منها المسافرون، وتمنعهم من التنقل بسهولة على الرغم من قرار استئناف الرحلات الجوية.
وأوضح ذات المتحدّث، أنّ قيود السفر التي تواجه شريحة معينة تعد مساومة على حرية التنقل وتمييز في حق الشعوب التي استفادت من لقاحات صينية وروسية ستكون سببا في حرمانهم من الذهاب إلى أوروبا، مشيرا إلى أنّ الوضع بات خطيرا خاصة وأن نوع اللقاح هو الذي يحدد البلدان التي يمكن الدخول إليها، زيادة على فرض عراقيل مرتبطة بتقنية رمز الاستجابة السريعة.
ومن جهته، يرى مواطن آخر أن تطبيق بعض الدول الأوروبية لرمز الاستجابة السريعة يعد إجراء ايجابيا كونه يساهم في تسهيل عملية التنقل في أمان ويمنع وجود شهادات تلقيح مزورة، قائلا إن جميع الملقّحين في الجزائر يحصلون على بطاقة ورقية غير معترف بها في الدول الأخرى ولكن نتوقع الاعتماد على تقنية رمز الاستجابة السريعة في الأيام المقبلة لإزالة حواجز السفر أمام كثير من الجزائريين، وعدم حرمانهم من التنقل بكل أمان وسهولة.
وأفادت امرأة في الثلاثينات أنّها ترفض أخذ اللقاح المتوفر حاليا في الجزائر بسبب عدم الاعتراف بها  من قبل دول الاتحاد الأوروبي، مضيفة أنها تنتظر فرصة الاستفادة من لقاح «استرازينيكا «، الوحيد المتوفر في الجزائر والمعتمد في الدول الأوروبية، إلا أنه يعرف نقصا كبيرا على مستوى مراكز التلقيح، مشيرة إلى أن الأولوية للأشخاص الذين أخذوا اللقاح منذ أكثر من شهر وينتظرون تلقي الجرعة الثانية.
وفي هذا الإطار، طرحت «الشعب» الإشكالية مع خبراء ومختصين، أجمعوا أنّ عدم اعتراف الدول الأوروبية باللقاحات المضادة لفيروس كورونا التي تستعمل في الجزائر لا يرتبط بنوعيتها وجودتها، وإنما سببه حرب تجارية ونزاع جيو-سياسي واقتصادي، متوقعين تغيير هذا القرار في غضون بضعة أشهر، وارتفاع عدد الدول التي ستعترف باللقاحات الصينية والروسية، وعدم فرض نوع محدد من اللقاح في المستقبل القريب.
ويرى بعض المختصين أن إمكانية قبول الدول الأوروبية للقاحات المتوفرة في الجزائر هو مسألة وقت فقط، وسيتحقق بعد الانتهاء من تسويق جميع الجرعات المنتجة من قبل الدول الأوروبية، ولن يطول الأمر، لأنه ليس في صالح هذه البلدان، مؤكدين أن الدول التي ترفض الاعتراف بلقاحات معينة على الرغم من أنها متيقنة من فعاليتها وسلامتها، خاصة وأنها حازت على مصادقة المنظمة العالمية للصحة، في حين أن عدم القبول يتم من طرف الوكالات الأوروبية.
د - أخاموك: «نتوقّع ارتفاع عدد الدّول المعترفة باللّقاحات المرفوضة»
 أرجع عضو اللجنة العلمية لرصد ومتابعة وباء كورونا الدكتور إلياس أخاموك، عدم اعتراف أغلبية البلدان الأوروبية باللقاح الصيني والروسي إلى وجود خلاف جيو سياسي واقتصادي على اللقاحات، موضّحا أنّه سينتهي الأمر بتقبّل جميع أنواع اللقاحات المصادق عليها من قبل المنظمة العالية للصحة، وارتفاع عدد الدول الأوروبية التي ستعترف باللقاحات المرفوضة في المستقبل.
وأضاف الدكتور أخاموك، أنّ جميع اللقاحات فعالة ضد الفيروسات المتحورة وسالمة نظرا لعدم تسجيل أية أعراض جانبية خطيرة على الملقحين إلى حد الآن ولا يوجد سببا للتشكيك في نوعيتها، كونها مرت بجميع مراحل تصنيع اللقاح المعمول بها وحظيت بموافقة المنظمة العالمية للصحة، بالإضافة إلى أنها لا تختلف في فعاليتها عن الأنواع الأخرى من اللقاحات التي يتم تسويقها، مشيرا إلى أن النظرة ستتغير مع مرور الوقت، ومن المحتمل أن يتم إزالة القيود المفروضة للسفر إلى أوروبا تدريجيا.
ودعا إلى الإقبال بقوة على مراكز التلقيح لأخذ اللقاح الذي يساهم في حماية المواطنين من مخاطر الإصابة بالفيروس المتحور، خاصة وأن تسريع وتيرة التلقيح على المستوى الوطني تعد السبيل الوحيد للوقاية من انتشار عدوى الفيروس والتقليل من الحالات الاستعجالية وعدد الوفيات من خلال تلقيح أكبر نسبة من السكان لبلوغ المناعة الجماعية التي تمكننا من العودة إلى الحياة العادية.
ومن جانبه، أوضح رئيس الوكالة الوطنية للأمن الصحي البروفيسور كمال صنهاجي أن قرار منع اللقاحات الصينية والروسية في الدول الأوروبية لن يدوم طويلا وإنما هو مسألة وقت قد يستغرق ثلاثة أشهر كأقصى تقدير، في انتظار تسويق جميع اللقاحات المعترف بها من قبل الوكالات الصحية الأوربية وتعويض الخسائر الاقتصادية، قائلا إنه صراع سياسي واقتصادي ما بين الدول المطورة للقاحات.
الرّفض ليس مرتبطا بالنّوعية
 نفى البروفيسور صنهاجي أن يكون رفض الاعتراف باللقاحات الصينية والروسية مرتبطا بنوعيتها وجودتها، مشيرا إلى أنها مطابقة للأنواع الأخرى من اللقاح من حيث الفعالية والسلامة، وهو ما أثبتته جميع الدراسات العلمية الدولية وكذا المنظمة العالمية للصحة، لذلك فلا توجد أية أسباب طبية للشك في نوعية هذه اللقاحات.
وبخصوص عدم تمكن الكثير من الجزائريين من دخول الدول الأوروبية، طمأنهم بأن جميع العراقيل المفروضة حاليا على المسافرين ستزول مع مرور الوقت وسيسمح للملقحين باللقاحات الصينية والروسية بالتنقل بسهولة إلى أي دولة، مبرزا أنّ أكثر ما يهم الآن هو الحفاظ على السلامة والصحة والوقاية من مخاطر فيروس كورونا، خاصة مع ظهور السلالات المتحورة سريعة الانتقال والتفشي.
وأكّد أنّ اللقاح الأداة الأكثر فعالية لمنع انتشار الفيروس ومواجهة مخاطر الجائحة، مشيرا إلى أن جميع اللقاحات المستعملة في الجزائر فعّالة وآمنة، داعيا إلى تكثيف الجهود للمساهمة في إنجاح الحملة الوطنية للتلقيح ودفع أكبر عدد من المواطنين نحو مراكز التلقيح لتعزيز الوقاية من عواقب المتحور، خاصة بالنسبة لكبار السن والمصابين بأمراض مزمنة وأصحاب المناعة الضعيفة.
عباد: «عدم جدوى التّطعيم..إشاعة»
 من جهته، اعتبر رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص، فيصل عباد، مسألة رفض اعتماد كثير من الدول للقاحات الصينية والروسية تهدف إلى الترويج وتعويض التكاليف الباهظة التي أنفقت على تصنيع الأنواع الأخرى من اللقاحات المضادة لفيروس كورونا، والتي اعتمدت على تقنيات جديدة في تطويرها، مشيرا إلى لقاح «فايزر» الذي انتقلت تكلفته من 30 دولارا للجرعة الواحدة إلى 150 دولار.
وأرجع التردد في أخذ اللقاح إلى كثرة الإشاعات حول سلامة وفعالية اللقاحات المتوفرة، وبعض المعلومات التي يتداولها أطباء بغرض التشكيك في نوعية اللقاح من بينها معلومة مفادها بأن اللقاحات المضادة لـ «كورونا» ستتسبب في مشاكل صحية للملقحين بعد 3 سنوات دون الاستناد إلى دليل علمي واضح، مؤكدا أنه لا يمكن لأي أحد التنبؤ بحدوث آثار جانبية في المستقبل بسبب التلقيح.
ويرى رئيس النقابة الوطنية للصيادلة الخواص، أن اللقاح إذا لم يقدم فعالية عالية ضد الإصابة بالفيروس، فلن يتسبّب في أضرار ومخاطر يمكن أن تصيب الملقحين، والدليل على ذلك عدم تسجيل أية أعراض جانبية خطيرة منذ انطلاق حملة التلقيح، مشيرا إلى أهمية التحلي بالوعي وعدم الانسياق وراء إشاعة عدم جدوى التطعيم ضد فيروس كورونا.
أما الأخصائي في الأمراض المعدية الدكتور عبد الحفيظ قايدي، أفاد في ذات السياق أنّ عدم اعتراف بعض الدول باللقاحات المستعملة في الجزائر لا يعني أنها أقل فعالية وسلامة، متوقّعا عدم الاستمرار في تطبيق هذا الشرط لمدة طويلة واللجوء إلى دفتر التلقيح فقط للسماح للمسافرين بالدخول إلى أراضي دول معنية.
وحسب الدكتور قايدي، فإنّ خبراء عالميّين أكدوا فعالية وجودة الجرعات الصينية والروسية ومن المستبعد أن يتم إعادة النظر فيها، خاصة وأن جميع المستفيدين منها لم تظهر عليهم أعراض خطيرة عكس ما تسببت فيه بعض اللقاحات في أمريكا وأوروبا من آثار جانبية خطيرة على الملقّحين، ولكن لم يتم إيقاف استعمالها على الرغم من تسجيل حالات خطيرة.
ويرتبط تراجع الإقبال على اللقاح المضاد لفيروس كورونا أيضا باستقرار الوضع الوبائي في البلاد في الأسابيع الأخيرة بعد أن كان التوافد كبيرا على جميع مراكز التلقيح عندما كان فيروس «دلتا» المتحور في ذروته، وتسبّب في تسجيل مئات الإصابات يوميا وفي ضغط كبير في المستشفيات أدى إلى حدوث أزمة أوكسجين، حيث دفع الخوف بكثير من المواطنين إلى أخذ اللقاح المضاد لفيروس كورونا على الرغم من تردّدهم في البداية بسبب الشائعات حول نوعية اللقاحات، وعدم فعاليتها ضد السلالات المتحورة وإمكانية الإصابة بآثار جانبية خطيرة بعد عملية التلقيح.
ومن المتوقّع، أن تشهد عملية التلقيح هبّة جديدة خاصة مع تكثيف حملات التوعية والتحسيس بأخذ اللقاح لتعزيز الحماية من مخاطر موجة رابعة يمكن أن تجتاح الجزائر، بالإضافة إلى استمرار حملة التلقيح الكبرى ضد فيروس كورونا إلى غاية نهاية السنة، والتي كان لها الفضل في تلقيح عدد كبير من المواطنين عبر كافة ولايات الوطن في ظرف وجيز بعد تسخير جميع الإمكانيات المادية والبشرية لإنجاح العملية في إطار تحقيق مسعى الوصول إلى المناعة الجماعية بتلقيح أزيد من 75 بالمائة من المواطنين، قصد التمكن من مواجهة خطر موجات عنيفة من الفيروسات المتحوّرة التي تتميّز بالانتشار السّريع والمخيف.