طباعة هذه الصفحة

طوابير طويلة لاقتنائه

«سماسرة الأزمات» يستثمرون في الكتاب المدرسي

فتيحة كلواز

في رحلة بحث مضنية، وجد المواطن نفسه مجبرا على الوقوف في طوابير طويلة للحصول على الكتب المدرسية التي عرفت نقصا كبيرا بسبب سوء التوزيع، فبالرغم من الملايين التي تطبعها الدولة لتغطية الطلب عليها مع نهاية السنة الدراسية، إلا أن توفرها اصطدم مع غياب خطة واضحة لتوزيعها، ما جعل الاولياء يتخبّطون في دائرة مفرغة، خاصة وأنّ ثمنها يتضاعف في المحلات التي أضافت الكتب المدرسية إلى قائمة ما يمكن استغلاله لتحقيق ربح «غير شرعي» على ظهور كسّرتها أسعار ملتهبة وقدرة شرائية منهارة.

 هالني منظر الطابور الليلي أمام أحدى المكتبات وقف فيه الأولياء رجال ونساء الى الحادية عشر ليلا، ينتظرون دورهم في شراء كتب كان من المفروض توفرها بالنظر الى العدد الكبير الذي تعكف الدولة على طبعه تحضيرا للموسم الدراسي الجديد. سألت «الشعب» المواطنين لتنقل لكم يوميات أولياء في أول أسبوع من الدخول المدرسي.
طوابير طويلة لاقتنائها
نصيرة – ك، أم لثلاثة أطفال، اثنين منهم في الطور الابتدائي والثالث في المتوسط، أجابت: «بسبب برنامج عملي الكثيف اشتريت الكتب المدرسية شهر اوت الفارط من متنزه «الصابلات»، حيث فتحت نقطة بيع للكتب المدرسية هناك، لذلك ربحت الكثير من الوقت والمال، فقد وجدت الكثير من المكتبات تبيعها بثمن أعلى من السعر الذي حدده ديوان المطبوعات المدرسية، فمثلا كتب السنة أولى متوسط مجموع سعرها يساوي 2250 دج

بينما في المكتبات يصل 3500 دج، أي بزيادة 1250 دج، بسبب عدم توفرها في المؤسّسات التّعليمية التي وضعت قائمة للطلبة الراغبين بشرائها، إلا انها لم تقتنيها بعد، بالرغم من الانطلاق البرنامج الدراسي، وهو ما يضع التلميذ في حرج بسبب الواجبات المنزلية واعتماد الكتاب في الدرس».
في ذات السياق، أوضحت نصيرة أنّ بعض المعلمين والأساتذة يفرضون على التلميذ إحضار الكتاب حتى وإن لم يتوفر على مستوى المؤسسة التعليمية، ما يجعل التلميذ والاولياء في صراع دائم معه، دون أن ننسى فئة المعوزين الذين لا سبيل لهم للحصول على الكتب سوى المدرسة، لذلك كان من الضروري حسبها اتخاذ الإجراءات اللازمة لمعاقبة المتسبّبين في سوء توزيع الكتب المدرسية.
جمال الطاهر دزيري، تحدّث عن معاناته في رحلة الظفر بكتاب مدرسي لأطفاله الثلاث، الذين ما زالوا ينتظرون حصولهم عليها، حيث قال: «تعوّدت شراء الكتب المدرسية قبل الدخول المدرسي لتفادي عدم توفرها في أسابيعه الأولى، لكن هذه السنة وبسبب إصابتي وأفراد عائلتي بفيروس كورونا، وانخفاض مدخولي الشهري بسبب العطلة المرضية الطويلة، انتظرت التحاق اطفالي بمقاعد الدراسة لشرائها من المدرسة، لكن وقعت فيما كنت أخشاه لسنوات طويلة، فالمؤسسة التعليمية سجّلت أسماء اطفالي الثلاثة لشراء الكتب لكنها لم توفرها بعد، ما جعل أبنائي في حرج حقيقي بسبب الواجبات المنزلية وهي تمارين من الكتاب المدرسي، لذلك لجأت الى البحث عن التمارين في الانترنت حتى يقوم ابنائي بحلها، في انتظار احضار الكتاب المدرسي».
ولاحظ جمال أنّ نقاط بيع الكتب المدرسية تعرف ازدحاما كبيرا للأولياء الراغبين في شراء الكتب المدرسية، لكنها تبقى غير كافية، خاصة وأن البعض يتنقل من منطقة الى أخرى للحصول عليها، لأن الكتب غير متوفرة بالأعداد المطلوبة، فمثلا كتاب التربية الإسلامية والفرنسية للسنة أولى متوسط يعرف نقصا في المكتبات».
«جوميا دي زاد»...حل آخر
 اختارت حنان نجاري موقع «جوميا دي زاد» لاقتناء الكتب المدرسية لأبنائها المتمدرسين بالطور المتوسط من اجل الابتعاد عن أي نقص أو ندرة، حيث لاحظت أن الموقع وفر الجهد والوقت لأنّها لا تريد أن تجد نفسها مطالبة بالتغيب عن العمل أو الوقوف في طابور للظفر بالكتاب المدرسي، خاصة وأن ابنها مقبل على سنة نهائية، لذلك فضلت التوجه الى الانترنت لضمان الحصول على الكتب المدرسية، وبداية سنة عادية لابنها ليستطيع الدخول في جو الدراسة والتحضير لشهادة البكالوريا.   
«مصطفى –ع»، صاحب مكتبة بحي نسيم البحر ببرج البحري، سألته «الشعب» عن أزمة الكتب المدرسية فأجاب: «أسبوع فقط قبل الدخول المدرسي لم تكن هناك أي علامة توحي بوجود نقص في الكتب المدرسية، لكن بعد انتشار خبر عدم توفرها في المؤسسات التعليمية عرف الطلب عليها تزايدا كبيرا ما أدى الى نفاذ مخزون المكتبات منها، لان الكثير من أصحابها لم يتوقعوا هذا الاقبال الكبير على شرائها خارج المدارس، فغالبا ما يختار الاولياء اقتناءها من المؤسسات التعليمية بسبب سعرها المنخفض مقارنة بسعرها في المكتبات ومحلات بيع الأدوات المدرسية».
وتابع قائلا: «نفذت الكتب المدرسية التي أبيعها يوم الاحد الماضي، ما اضطرني الى اخبار زبائني انني سأحضرها مساء على الساعة التاسعة والنصف، عند عودتي الى المحل ليلا وجدت طابورا طويلا للأولياء في انتظار عودتي بالكتب المدرسية، في الحقيقة أذهلني المنظر وعرفت أن الكثير من الاولياء يعيشون وقتا صعبا بسبب هذا الخلل، في البداية حاولت إعطاء الأولوية لسيدتين كانتا تنتظران دورهما لشراء ما تريدانه من الكتب، حتى لا تبقيان طويلا خارج المنزل في الليل، وبالفعل استمر الامر الى غاية الحادية عشر ليلا، بسبب إجراءات الوقاية من فيروس كورونا».  
تبادل الكتب
في الإطار نفسه، كشف مصطفى أن الكثير من العائلات الجزائرية في الماضي كانت تتبادل الكتب المدرسية، بحيث يعطي كل تلميذ ينتقل للقسم الأعلى كتبه الى ابن جاره أو أحد اقاربه، ما يعد نوعا من التكافل الاجتماعي بين الاسر، وهو ما نفتقده في السنوات الأخيرة.
لا يمكن قبول ما يحدث بسبب نقص الكتب المدرسية التي أصبحت هاجس الاولياء، لذلك كان من الضروري إعادة النظر في خطة توزيعها، خاصة ما تعلق بالمؤسسات التعليمية، لذلك كان من الواجب تنويع مصادر بيعها واقتنائها منعا للازدحام والطوابير الطويلة، الى جانب إعلام المواطن بنقاط بيع الكتب المدرسة المستحدثة في مختلف البلديات في العطلة الصيفية لمنع أي طارئ غير محسوب العواقب ينغص على الدخول المدرسي.