طباعة هذه الصفحة

بعد تأكيد حماية المسؤولين النزهاء

ولاة الجمهورية أمام مهمة تشريف الثقة

حمزة محصول

 ترك خطاب رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، السبت، «ارتياحا» و»طمأنينة» لدى الولاة، بعدما وضع حدا نهائيا لمناخ سلبي دام لأزيد من سنتين بسبب الوضع الاستثنائي الذي عرفته البلاد، فاتحا بذلك المجال أمام حرية المبادرة وقيادة قاطرة الاستثمار والتنمية والمحلية.
خرج اجتماع الحكومة والولاة، هذه المرة عن المألوف، حيث لم يتوقف عند التقييم السنوي لما أنجز وما لم ينجز وتجريم البيروقراطية، بل وضع أرضية جديدة كليا لإعادة ضبط مهام الجهاز التنفيذي وفق قاعدة «ملؤها الثقة».
ولاة الجمهورية 58 والولاة المنتدبون، لم تكن لديهم أدنى معلومات، عما سيتضمنه خطاب الرئيس، عشية اللقاء الثالث من نوعه، حيث تفاجأ جلهم بالتوجه البناء والعملي للقاضي الأول في البلاد، بدل ما روّجت له جهات بشأن «مساءلات» قاسية و»محاسبة» وحتى «التوبيخ» عن سنة كاملة من التسيير.
وعكس ذلك، أشاد الرئيس تبون بدور الولاة خلال الأزمات التي عرفتها معظم ولايات الوطن وعلى رأسها الأزمة الصحية المرتبطة بوباء كورونا، وقال: «إن تدخلهم لمساعدة المستشفيات وجنود الجيش الأبيض (الأطباء والممرضين) أخرجتنا سالمين من الموجة الثالثة لمتحور دلتا».
ولم يتوقف رئيس الجمهورية عند تثمين النتائج الإيجابية للولاة فقط، بل ذهب أبعد من ذلك، عندما شدد على أن «محاربة الفساد يجب أن تقترن بحماية المسؤولين النزهاء»، وتوجه إليهم بالقول: «وأنتم نزهاء... ونثق فيكم».
ولطالما لاحقت الولاة تهم جاهزة ونمطية بأن «معظمهم إطارات فاسدة»، خاصة منذ 2019، والمناخ الاستثنائي الذي عرفته البلاد، وانطلاق الحرب الشاملة على الفساد.  وفي السياق، أكد الرئيس أن من تمت ملاحقتهم «كانت قضاياهم واضحة وثابتة»، مضيفا بأن «من لا تظهر عليه مظاهر الربح السريع وغير المنطقي، فليؤدي عمله بعينين مغمضتين، وحتى وإن وقعت أخطاء ستعتبر أخطاء تسيير أو قلة كفاءة وليس جرما مع سبق الإصرار».
وعبر وزير العدل حافظ الأختام عبد الرشيد طبي، عما أصبح متلازمة الخوف من تهم الفساد، بأن «الجزائر عرفت سنتين استثنائيتين، وقد أزيلت نهائيا العوامل والأسباب التي أدت إلى ما وقع، ووضعت الآليات التي تمنع تكرارها مستقبلا»، في إشارة إلى الانهيار الكلي للمنظومة الأخلاقية والقانونية أمام الانتشار المهول للفساد في المرحلة السابقة.
ولم يخف من تحدثت إليهم «الشعب»، أن التهم المجانية والأحكام المسبقة المشينة بحقهم كإطارات سامية في الدولة، خلفت مناخا جد سلبي وصل بالنسبة للبعض إلى «حالة الرعب» من الوقوع تحت طائلة المتابعات القضائية.
وقالت ذات المصادر، إن «خطاب الرئيس كان لحظة فارقة. لقد حررنا كمسؤولين بعدما شرفنا بثقته الكاملة»، التي ترجمت في تعليمات التي تجسد الحماية الكاملة من المتابعات المبالغ فيها. وسبق لرئيس الجمهورية أن منع اعتماد الرسائل المجهولة في مباشرة التحقيقات، وأصدر تعليمة لوزيري الداخلية والعدل والمصالح الأمنية، تنص على أن انطلاق المتابعات ضد المسؤولين المحليين، لا تتم إلا بعد الحصول على ترخيص الوصاية (موافقة وزير الداخلية) وتجرى من قبل الإدارة المركزية للمصالح الأمنية وليس على المستوى المحلي.
أولويات ما بعد الاجتماع
هذه التدابير غير المسبوقة، تعبر عن ثقة الدولة والتزامها في حماية إطاراتها النزهاء وضبط فعل التسيير من جهة أخرى، لتضع المسؤولية الكاملة على عاتق ولاة الجمهورية الملزمين الآن بتشريف هذه الثقة.
عبارات الثناء على الولاة، تجددت على لسان الوزير الأول وزير المالية أيمن بن عبد الرحمان، في اختتام أشغال الاجتماع عندما قال: «أعبّر عن شكري وامتناني لكل الولاة والإطارات الذين ساهموا بمجهودات جبارة في التخفيف من آثار مختلف الأزمات التي مر بها وطننا المفدى».
كل هذا، جعل ولاة الجمهورية يعودون إلى مكاتبهم بنفس جديد «فهم مثل غيرهم يزيد فيهم الشكر والتثمين حوافز البذل والعمل بطاقة أقوى»، يقول أحد المصادر. وعندما يضع الرئيس كل هذه الثقة في الولاة، ويتخذ إجراءات فعلية لحماية كل المسؤولين النزهاء، فإن المقابل يكون تحقيق الأهداف المسطرة على صعيد التنمية وبالأخص الاستثمار الاقتصادي المنتج.
وأول مهمة تنتظرهم، تطهير «محفظة الاستثمار»، التي تتضمن أزيد من 30 ألف مشروع مجمد أو لم ينطلق، وأمامهم مهلة إلى غاية السنة الجارية، ناهيك عن تنفيذ إحصاء اقتصادي دقيق، لوضع قاعدة بيانات وطنية تسمح بتوجيه الاستثمار نحو المجالات المنتجة.