طباعة هذه الصفحة

الأخصائي الاجتماعي رحالي عماد الدين:

الوضع السوسيـوـ اقتصـادي سبب «الحرڤـة»

سارة بوسنة

الابتعاد عن الحلول الوهمية وتوفير مناصب شغل دائمة

في حوار خص به «الشعب ويكاند»، فصل الأخصائي الاجتماع رحالي عماد الدين في أهم أسباب وعوامل عودة الهجرة السرية «الحرقة» قائلا، بأنها مرتبطة ارتباطا وثيقا بالوضع «السوسيو اقتصادي» للبلاد.  
كما تحدث عن بروز فئة أخرى من «الحراقة» وهي فئة الموظفين وخريجي الجامعات. وخلص إلى أن الحل، لإيقاف موجة الهجرة غير القانونية، هو تجنب الحلول والخطط المؤقتة والوهمية للشباب، والعمل على إيجاد حلول جادة للنهوض بالاقتصاد الوطني مع توفير مناصب شغل دائمة.

«الشعب ويكاند»: أمام ظاهرة هجرة الشباب بحرا ‘’الحرقة’’، ما هي بنظرك الأسباب والعوامل وراء ذلك؟.
رحالي عماد الدين: الجزائر، كغيرها من البلدان العربية، لم تسلم من ظاهرة الهجرة غير الشرعية، وأصبحت هاجسا وانشغالا وتخوفا من طموح وسط الشرائح الواسعة من الشباب. وتداعى الأمر إلى أن وصل إلى جامعيين وإطارات وأخصائيين وفي الآونة الأخيرة تبين الكم الهائل من محاولات الهجرة على متن قوارب الموت عبر البحر.
الهجرة غير الشرعية لم تعد مقتصرة على فئة معينة، ولا على جنس معين، حيث اقتحم الجنس الآخر ‘’النساء» هذا المجال، فكثيرا ما نشاهد ونقرأ ونسمع عن أسماء لنساء وحتى قاصرات دخلن هذا العالم.
ولم يعد الشباب البطال الفئة الوحيدة التي تحاول الهجرة سرا، بل حتى العاملون والموظفون في مؤسسات الدولة مستهم الظاهرة، ووصل الأمر حتى إلى إطارات بحكم أن طبيعة العمل لا تتلاءم مع قيمة الأجر المدفوع في الجزائر، بالموازاة مع قيمة الأجور المقدمة في دول الضفة الأخرى وامتدت أيضا إلى المسنين، ممن فقدوا الأمل في عيش كريم بالبلاد.
وتتظاهر مجموعة من العوامل الدافعة لانتشار وارتفاع معدلات ظاهرة الهجرة غير الشرعية. لكن في الجزائر، نجد هناك عوامل ذات تأثير عميق وكبير، تتمثل في العامل الاقتصادي واليأس الشديد من المستقل الاجتماعي والاقتصادي غير الواضح والمعلوم وغير المستقر في البلاد.
فلطالما ارتبطت ظاهرة الهجرة غير الشرعية بالوضع السوسيو اقتصادي للبلد، لأنها دائما على علاقة بسقف الآمال والأحلام، فكلما ارتفع هذان العاملان تراجعت الظاهرة نسبيا والعكس.
- برأى عديد المختصين، أن تدهور الوضع الصحي بالبلاد جراء انتشار فيروس كورونا زاد من تعقيد الأوضاع وتسبب في رفع معدلات الهجرة السرية مؤخرا؟
 بالفعل جائحة كورنا فاقمت الأوضاع وزادت الطين بلة، بفقدان مناصب العمل وتسببت بشلل شبه كلي للاقتصاد الوطني أمر يضاعف من الحيرة والقلق.
تدهور الوضع الصحي في الفترة الراهنة، زاد من تردي وتراجع مستويات النمو وتدني مستويات المعيشة أظهر مجموعة من ردود الفعل القيمية، وتغير الذهنيات حيث سيطر المذهب البراغماتي النفعي على التعاملات الفردية، ولا سيما فئة الشباب، حيث أصبح همهم الوحيد هو كسب المال الوفير والسريع، مهما كانت الطريقة أو الوسيلة ولو كان في ذلك هلاكه.
وأصبحت تشكل التجارب السابقة الناجحة لبعض «الحراقة»، مثلا أعلى يجب الاقتداء به، لأنه حقق المكاسب المادية في وقت وجيز، في حين لا يمكن تحقيقها في البلاد.
- يعاني الشباب من تداعيات انهيار القدرة الشرائية للأسر والرئيس تبون كيّف المضاربة بالجريمة، ألا تعتقد أن مواجهة هذه الظاهرة تكون بالاهتمام بالأسرة وحماية أسباب العيش الكريم، علما أن منحة البطالة سوف تصرف السنة المقبلة؟
 هناك خطة وبرنامج أعلنت عنه الحكومة الحالية كمخطط لتجسيد برنامج الرئيس عبد المجيد تبون المحدودة الزمان والمعالم من أجل فتح باب الاستثمار وإنشاء سوق عمل التي من خلالها يكون الطلب والعرض فرصة لتوظيف الكثير من الشباب البطال وخريجي الجامعات وترفع من قيمة العملة.  
وتسعى الحكومة في الآونة الأخيرة لفرض رقابة على المضاربة وتجريمها من أجل السيطرة على القدرة الشرائية، كما أمرت وزارة التجارة إيجاد حلول سريعة لظاهرة المضاربة على الأسعار وإبقاء الدعم على المواد الغذائية واسعة الاستهلاك.
كما تعمل الحكومة حاليا على مراجعة أجور الوظيفة العمومية، هذا ما يوحي أن الحكومة تسعى للرفع من القدرة الشرائية.
ووضعت آليات للاهتمام بالشباب ما بعد التخرج، من خلال سنّ قوانين تسمج لهم بالعمل في الإدارات، إضافة إلى الرفع من قيمة منحة البطالة التي ستصرف بداية من السنة المالية القادمة. وبرأيي، فإن هذه الإجراءات ستحد ولو بشكل بسيط من قوافل «الحراقة» إلى الضفة الغربية.
- ألا ترى أن ضعف الجانب الردعي «القانوني» تسبب في عودة الظاهر؟
 على الرغم من الجهود المبذولة والإجراءات المتخذة، تبقى السياسة المنتهجة في الجزائر للحيلولة دون تفشي الظاهرة غير فعالة، سواءً من الناحية القانونية «العقوبة» لأنها أساسا هي عبارة عن تدابير احترازية فقط.
من وجهة نظري، أن توفير الظروف الملائمة «أبسط الظروف المسهلة للعيش» تبقى الوسيلة الوحيدة الفعالة للتقليل من الظاهرة، وإن لم تتحرك الدولة على هذا الأساس، ستبقى ظاهرة «الحرقة» تسير وفق منحنى متزايد وخطير والخاسر الأكبر هي الجزائر التي تتجه إلى استنزاف شبابها والمكونين والخبراء.
إضافة إلى هذا، السلطات المعنية لا يمكنها تطبيق القانون على المئات أو بالأحرى الآلاف من الشباب الراغبين في «الحرقة»، لذا وجب الحرص على معالجة الأسباب والمشاكل التي تؤدي إلى الهجرية غير القانونية وليس معالجة النتائج.
- ألا تعتقد أنه بالإمكان جعل الجنوب الكبير والهضاب العليا مقصدا لتحقيق أحلام الشباب عن طريق تركيز الاستثمار المنتج؟.
 ينتظر كثير من الخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين مع التحولات العالمية، تنمية الصحراء الجزائرية والولايات الجنوبية، على غرار دول الخليج، والاستثمار الاقتصادي والزراعي بها، إلا ان هذا الأمر تأخر كثيرا وتأخر معه حلم الآلاف من الشباب الراغب في العمل وإيجاد مناصب شغل .  
إذا تمكنت الحكومة من تنفيذ المخطط الخاص بتنمية الهضاب العليا والجنوب الجزائري، سنجعل من الجنوب قوة اقتصادية وزراعية ومنطقة جاذبة للشباب والاستثمار وخاصة بعد نجاح ولاية وادي سوف في غزو سوق الخضر والفواكه محليا والوصول الى تصدير منتوجاتها، هذا ما يعتبره الكثير إنعاشا اقتصاديا واجتماعيا للجزائر ومنطقة الشمال الافريقي.
- برأيك ما هي الحلول للحد من الظاهرة؟
 الحل لإيقاف موجة الهجرة غير القانونية لا يكمن في سنّ قوانين ردعية وعقابية، أو في وضع حلول مؤقتة ووهمية للشباب، وإنما يجب العمل على إعادة الثقة بين الشباب والسلطة، من خلال إصلاح الأوضاع الداخلية ورفع القيود عن الحريات الفردية وإيجاد حلول للنهوض بالاقتصاد الوطني وتوفير مناصب الشغل للشباب العاطل عن العمل وخريجي الجامعات والمعاهد، إلى جانب إعادة النظر في اتفاقيات الهجرة بين الجزائر ومختلف الدول الأوروبية لتسهيل الهجرة النظامية أمام المواطنين.