طباعة هذه الصفحة

استطاعت مواجهة التطويق الاستراتيجي

الدبلوماسية الجزائرية تستعيد الموقف الحازم والقرار الصارم

حمزة محصول

تستحضر الجزائر، ذكرى رفع العلم الوطني بمبنى الأمم المتحدة بنيويورك في 08 أكتوبر 1962، والمعروف “باسم يوم الدبلوماسية”، في ظروف خاصة، عنوانها استعادة “المكانة الدولية المرموقة” وتحطيم التطويق الاستراتيجي، التي تحاول بعض القوى ربطها بالجوار الإقليمي.
يختلف الاحتفاء بيوم الدبلوماسية، هذه المرة، عن سابقيه، بالنظر للسياق والأحداث التي تصدرته، وفي طليعتها الأداء الحازم للدولة الجزائر حيال ما بدر من بعض الدول، وفي مقدمتها المملكة المغربية وفرنسا.
وأثبتت الوقائع التي عاشتها البلاد منذ العام، أن التحذيرات بشأن مؤامرات ودسائس تحاك ضد وحدتها الوطنية وتجاه مقدراتها الاقتصادية، ليست دعاية إعلامية، مثلما حاولت أطراف عديدة ترويجها، وإنما “مكاشفة” بالحقائق وبالدلائل الملموسة بين القيادة السياسية للبلاد والشعب.
وأمام تنامي الوعي الشعبي بما يحاك من مخططات، تصدر الدبلوماسية، واجهة الرد على اللعبة الإستراتيجية الخطيرة، التي أراد من يقف وراءها تطويق الجزائر، من جهاتها الأربع، ويكفي التذكير بالتهاب النيران من الحدود الغربية عقب تغريدة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 13 نوفمبر 2020، واعترافه الافتراضي بالسيادة المزعومة للاحتلال المغربي على أراضي الجمهورية العربية الصحراوية.
حدث ذلك، في إطار صفقة توقيع اتفاقية التطبيع مع الكيان الصهيوني، ليخرج بعد كل من يناصب العداء للجزائر من جحور الداخل ويطلع من منصات الخارج، متوهمين أن الوقت قد حان لتوجيه الضربة القاضية لبلد متمسك بالقيم ومبادئ القانون الدولي والإنساني وميثاق الأمم المتحدة.
مع اشتداد التوتر، أطل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، من ألمانيا، أين كان يقضي فترة علاجية على الجزائريين، مؤكدا “أن الجزائر، على إطلاع مسبق بما يحاك ضدها، وأنها دولة قوية وأقوى مما يتصور البعض”. بعد 10 أشهر من هذا التاريخ، وبعد عدة قرارات تاريخية وغير مسبوقة، يؤكد رئيس الجمهورية أن “الجزائر قوة ضاربة، يعترف لها العالم كله، إلا بعض الجزائريين”.
وفي 24 أوت، أعلنت الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع المملكة المغربية وتعزيز المراقبة الأمنية على حدودها الغربية، لتقوم قبل أسبوعين بإغلاق المجال الجوي أمام الطائرات المدنية والعسكرية المغربية وتلك التي تحمل رقم التعريف المغربي، وكل ذلك بعد رصد استمرار رصد الأعمال العدائية والمكائد “الدنيئة”.
وأظهرت السياسة الخارجية الجزائرية، حزما قويا في تسجيل المواقف والرد على التجاوزات، مثلما حصل مع تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، التي نقلتها صحيفة “لوموند”.
وردت الجزائر بسلسلة إجراءات، بدءاً باستدعاء السفير عنتر داود للتشاور، وصولا إلى تقييم العلاقات الاقتصادية والتجارية، تحسبا لمراجعتها والتوجه نحو شركاء يقدّرون مبادئ احترام السيادة والندّية بين الدول.
ودعت أحزاب ومنظمات وطنية، إلى “مراجعة عميقة” مع فرنسا، بعد تصريحات رئيسها، التي لقيت إدانة واستنكارا شعبيا منقطع النظير. كما حظي الرد الجزائري الصارم، بإشادة نخب سياسية ومجتمعية من مختلف دول العالم وبالأخص من إفريقيا.
وأسمعت الجزائر، فرنسا والعالم، أن كلام ماكرون “خطأ جسيم” استحق الرد الحازم والقوي، مثلما أكده وزير الخارجية رمطان لعمامرة في حواره مع وكالة الأنباء التركية “الأناضول”.
واعتبرت أوساط فرنسية، تصريحات ماكرون سقطة لا تليق برئيس دولة، مثلما أكده الخبير الاستراتيجي باسكال بوني فاس، مشيرا إلى أن الرئيس الفرنسي أراد كسب مساحات في أراضي اليمين المتطرف تحسبا للانتخابات الرئاسية المقبلة، ولكنه وقع في خطإ لا يغتفر، بإساءته لتاريخ الجزائر دولة وشعبا.
وبعد كل هذه الأحداث، والتعاطي الرسمي معها عن طريق القنوات الدبلوماسية، بصمت الجزائر على عودة بارزة للمشهد الدولي وبالأخص في المنطقة المتوسطية والساحل الإفريقي، حيث استعادت الريادة في إعادة رسم السياسية الاستراتيجية، وفق مقاربة خالية من شوائب التدخل في الشؤون الداخلية للدول وإيديولوجية الهيمنة الاستعمارية.