طباعة هذه الصفحة

وسط دعوات دولية للتّهدئة

هدوء نسبي بلبنـان واتّصالات لتجـاوز المشاحنـــــات

 عاش لبنان يوم خميس مرعب حبس أنفاس اللبنانيين ومن ورائهم العالم أجمع خشية الانزلاق إلى الفوضى الأمنية أو الصدامات العسكرية بعد أن حاول البعض استنطاق صوت السلاح من جديد، وفرضه كلغة لتصفية الحسابات في بلد يعاني الويلات على كلّ الأصعدة.
شهدت بيروت الخميس واحدة من أعنف المواجهات الأمنية منذ سنوات، في تصعيد خطير يُنذر بإدخال البلاد في أزمة جديدة بعد أكثر من شهر فقط على تشكيل حكومة يفترض أن تركز نشاطها على وضع خطة لإخراج البلاد من دوامة الانهيار الاقتصادي المستمر فيها منذ أكثر من عامين.
فبعد أيام من الشدّ والجذب والمشاحنة بين الأطياف السياسية اللبنانية بسبب خلافات حول القاضي المكلّف بقضية تفجير مرفأ بيروت، خرج محتجون من حزب الله وحركة أمل إلى الشارع للمطالبة بتنحية هذا القاضي وتغييره بآخر على اعتبار أنه - حسبهم - ماض إلى حصر الاتهام بهذا التحالف الشيعي، لكن هذا الخروج كان بمثابة هزّ لعشّ الدبور، إذ لم يعجب أطرافا مناوئة، أرادت هي الأخرى خلط الأوراق من خلال السلاح، وفي ظرف وجيز بدأ إطلاق النار وسقط قتلى وجرحى وسرعان ما تعكّرت الأجواء وتحوّل لبنان إلى الحدث الإعلامي الأوّل في العالم، وخشى الجميع أن تكون هذه نذر حرب أهلية جديدة، لكن لحسن الحظّ هناك من كبح هذا المنحنى التصعيدي، حيث عاد الهدوء الحذر ليسود البلاد حتى وإن كان الوضع مازال مريبا والمخاوف كبيرة، فالسلاح موجود وعوامل الانفجار قائمة، ومن يحمل عود الثقاب ينتظر الأوامر لإشعاله.
في أجواء مشحونة بالتوتر، وبينما شهدت البلاد إغلاقا عاما حدادا على الضحايا، شيّع اللبنانيون جثامين القتلى، وغالبيتهم عناصر من حركة أمل وحزب الله، الذين سقطوا في الاشتباكات العنيفة، الخميس، في مظاهرة ضد المحقق العدلي طارق بيطار المكلف بالتحقيق في حادث انفجار مرفأ بيروت العام الماضي.
وقد ارتفع عدد القتلى، أمس، إلى 7 والمصابين إلى 32، بعد أن لحق أحد الجرحى بقائمة الضحايا.
هدوء حذر
 هذا وساد هدوء حذر منطقة الطيونة جنوبي بيروت، بعدما كانت أمس الأول أشبه بساحة حرب شهدت إطلاق نيران الرشاشات والقذائف الثقيلة وانتشار قناصة على أسطح أبنية.
وقال مراسلون إن حركة السيارات والمارة عادت نسبيا إلى المنطقة، وأن الجيش يواصل تعزيز انتشاره عند التقاطع الذي شهد أعنف الاشتباكات.
وقد دارت الاشتباكات حوالي 5 ساعات في المنطقة التي تبعد عشرات الأمتار عن قصر العدل، على الرغم من انتشار وحدات الجيش سريعا في الموقع الذي يعد من خطوط التماس السابقة خلال الحرب الأهلية (1975-1990)، حيث يفصل بين منطقة الشياح ذات الأغلبية الشيعية ومنطقة “عين الرمانة -بدارو” ذات الأغلبية المسيحية.

بداية الأحداث
 بدأت الأحداث بإطلاق نار كثيف خلال مظاهرة نظمها مؤيدون لحزب الله وحركة أمل للتنديد بقرارات المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي طارق البيطار والمطالبة بعزله.
واتهم حزب الله وحركة أمل مجموعات من حزب القوات اللبنانية - أبرز الأحزاب المسيحية التي شاركت في الحرب الأهلية - بقتل وجرح مؤيدين لهما خلال المظاهرة.
وقالا في بيان مشترك إن مسلحين تابعين لحزب القوات اللبنانية - الذي يتزعمه سمير جعجع - أطلقوا النار على المحتجين من أسطح مبان في بيروت مصوبين النار على رؤوسهم، في هجوم قال الحزب والحركة إنه استهدف “جر البلد إلى فتنة”.
وقد وجّها دعوات إلى الجيش للتدخل سريعا لاعتقال المتسببين في ما حدث، كما طالبا أنصارهما بالهدوء.
القوّات اللّبنانية تنفي
 في المقابل، نفى حزب القوات اللبنانية هذه الاتهامات جملة وتفصيلا، وندّد بالعنف الذي حمل مسؤوليته لما قال إنه “تحريض” من قبل حزب الله ضد القاضي طارق البيطار.
وقال سمير جعجع رئيس الحزب - في بيان - إن “السبب الرئيسي للأحداث في بيروت هو السلاح المتفلت الذي يهدد المواطنين في كل زمان ومكان”.
واستنكر ما وقع من اشتباكات، داعيا إلى إجراء تحقيقات كاملة لتحديد المسؤوليات عما جرى.
من جهته، قال الجيش اللبناني - في بيان صدر مساء الخميس - إنه “أثناء توجه عدد من المحتجين إلى منطقة العدلية للاعتصام، حصل إشكال وتبادل لإطلاق النار في منطقة الطيونة - بدارو”.
وأضاف أنه “دهم عددا من الأماكن بحثا عن مطلقي النار، وأوقف 9 أشخاص من كلا الطرفين بينهم سوري”، من دون أن يحدد هوية الأطراف التي بدأت إطلاق الرصاص أو انتماءاتها.
مشهد مؤلم لا يجب أن يتكرّر
 أعلن وزير الداخلية بسام مولوي أن “الإشكال بدأ بإطلاق النار من خلال القنص”، أما رئيس الدولة ميشال عون، فقال “إن ما جرى مشهد مؤلم وغير مقبول…أعادنا بالذاكرة إلى أيام طويناها”.
وأضاف “ليس مقبولا أن يعود السلاح لغة تخاطب بين الأفرقاء اللبنانيين. إن الشارع ليس مكان الاعتراض”، مؤكدا أن التحقيق في انفجار مرفأ بيروت سيبقى أولوية”.
من جهته، قال رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي إن اتصالات أجراها مع الجيش تفيد بتحسن الوضع الأمني في الشارع، ووصف الاشتباكات بأنها غير مشجعة، وقدم اعتذاره للشعب اللبناني.
وقال ميقاتي إن أعمال العنف التي وقعت في بيروت انتكاسة للحكومة إلا أنه تعهد بإجراء الانتخابات في موعدها، وأكد أن الجيش اللبناني أثبت حضوره وتمكن من ضبط الأمن ووقف تدهور الوضع.
وأضاف ميقاتي أن الحكومة لا تستطيع التدخل في عمل القضاء، داعيا الجسم القضائي، إلى تنقية نفسه على حد قوله. وتعهد بإجراء الانتخابات النيابية في موعدها رغم الاشتباكات.
أما رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، فقال إن ما حصل في بيروت أمر مرفوض بكل المقاييس، ودعا الجيش والقوى الأمنية إلى اتخاذ أقصى الإجراءات والتدابير لمنع كل أشكال إطلاق النار، وتوقيف المسلحين وحماية المدنيين والممتلكات العامة والخاصة والحفاظ على السلم الأهلي.
وناشد الحريري الجميع اعتماد الحوار وسيلة لحل المشاكل وعدم الانجرار الى الفتنة التي قد تجر البلاد الى ما لا يحمد عقباه.
دعوات خارجية للتّهدئة
 في ردود الفعل الخارجية، دعت العديد من الدول  للتهدئة وأعربت عن أملها في استقرار الأوضاع بأسرع وقت وأن يعم لبنان الأمن والسلام .
من جهة أخرى، دعت فرنسا أمس إلى “التهدئة”، كما دعت الولايات المتحدة إلى “وقف التصعيد”، وشدد كلاهما على “استقلالية القضاء” في لبنان.
أما ستيفان دوجاريك المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فقد دعا إلى “وقف الأعمال الاستفزازية”، وإلى “تحقيق غير منحاز” بشأن انفجار المرفأ.
وقد رفضت محكمة التمييز في لبنان طلب تنحية القاضي طارق البيطار المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت، ممّا سيتيح له استئناف عمله.
وكان وزير المالية السابق علي حسن خليل ووزير الأشغال السابق غازي زعيتر تقدما إلى المحكمة بطلب ثان لتنحية المحقق عن القضية، على اعتبار أن المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء هو المرجع لمحاكمتهما.
وتسبّب انفجار مرفأ بيروت - في الرابع من أوت 2020 - بمصرع 214 شخصا على الأقل وجرح أكثر من 6 آلاف و500 آخرين، إضافة إلى دمار واسع في العاصمة. وعزت السلطات الانفجار إلى تخزين كميات كبيرة من “نترات الأمونيوم” من دون إجراءات وقائية.