طباعة هذه الصفحة

الباحث يعيش: منعطف ميز الثورة في مرحلتها الأخيرة

المجاهد غفير: الجالية الجزائرية كانت عصب الثورة

سهام بوعموشة

شكّلت مظاهرات 17 أكتوبر 1961 منعرجا حاسما في تاريخ الجزائر، فهو لا يقل أهمية عن بقية المحطات التاريخية التي شهدتها الثورة، شارك فيها مهاجرون جزائريون بفرنسا مثل إخوانهم بالداخل، لدعم كفاح مناضلي جبهة التحرير الوطني من أجل استرجاع السيادة الوطنية التي اغتصبها الاحتلال الفرنسي سنة 1830.
وعلى الرغم من سلمية المظاهرات، فقد قمعت من طرف رجال الشرطة بأمر من المحافظ السفاح موريس بابون، راح ضحيتها حوالي 300 شهيد، فحولت نهر السين بحرا من دماء الجزائريين الأبرياء، والعديد من الجرحى والمفقودين وحوالي 12 ألف معتقل .
يؤكد المجاهد محمد غفير، المدعو موح كليشي لـ “الشعب “، الدور الهام الذي أدته الجالية الجزائرية بالمهجر في دفع عجلة الثورة من خلال قيمة الاشتراكات والأموال المقدمة المقدرة، حسب إحصائيات الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، بـ80% ويصف هذه الاشتراكات بأنها كانت عصب الثورة.
يقول المؤرخ جيلبار مايني، إن فدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا كانت البقرة الحلوب لميزانية جبهة التحرير الوطني.
من جهته يشير الباحث محمد يعيش، في مقال له بمجلة “المصادر” بعنوان: “المهاجرون الجزائريون بفرنسا بين الحركة المصالية وفيدرالية جبهة التحرير الوطني”، إلى أن مظاهرات 17 أكتوبر 1961 كانت المنعطف الذي ميز الثورة في مرحلتها الأخيرة. وكان للمنظمات العمالية، الإتحاد العام للتجار الجزائريين، الودادية العامة للعمال الجزائريين وكذا المنظمات الطلابية دور كبير.
ويوضح أنه بعد مرور حوالي شهر عن إصدار فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا قرار فتح جبهة ثانية في فرنسا، ظهرت العديد من القرارات التعسفية ضد الجالية الجزائرية الموجودة بفرنسا. ففي سبتمبر 1958 أصدر محافظ باريس موريس بابون قرارا يفرض حظر التجوال على أهالي شمال إفريقيا من الساعة الثامنة مساء إلى الخامسة والنصف صباحا.
استهدف القرار بالدرجة الأولى العمال الجزائريين في باريس وضواحيها والبالغ عددهم حوالي 200 جزائري، واعتبر المناضلون الجزائريون هذا القرار عنصريا يتنافى مع حقوق الإنسان وكذا حرية التنقل، خاصة وأن معظم العمال الجزائريين يعملون ليلا بالمقاهي والمطاعم، الفنادق ووسائل النقل العمومي.
ويبرز الباحث حجم المضايقات التي تعرض لها العمال الجزائريون بسبب شل نشاطهم العملي. ولم يكتف بابون بذلك، بل أصدر قرارا يجبر بموجبه أصحاب المقاهي والمطاعم الجزائريين على إغلاق مطاعمهم ومقاهيهم ابتداء من الساعة السابعة مساء.
وأحضر مئات الجزائريين من الحركى والعملاء ووزعهم على المناطق الآهلة بالعمال الجزائريين، فاستخدم هؤلاء مختلف وسائل التعذيب للجزائريين أتت بهم السلطات الفرنسية لعدة أسباب، منها معرفتهم للغة العربية ونفسية إخوانهم الجزائريين، متبنّية شعار “محمد في مواجهة محمد”، فكان لزاما على قيادة الفيدرالية العمل على فك الحصار عن العمال الجزائريين من جهة، وإظهار للرأي العام الفرنسي والعالمي، على حد سواء، عن تضامن الطبقة العاملة الجزائرية بالمهجر مع إخوانهم في الجزائر الذين يعانون الاضطهاد.
في المقابل، تزامنا مع محاولات وفدي الحكومة الفرنسية والحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية الدخول في مرحلة جديدة من المفاوضات، كان قرار تنظيم مظاهرات سلمية، تعبيرا عن احتجاجهم ضد الظلم والقهر والعنصرية ودعما لسير المفاوضات وإعطائها صدى واسعا.
وذكر المرحوم عمر بوداود عضو فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، أنه برمج مخططا لسير المظاهرات للرد على سياسة فرنسا العنصرية ودعما لاستقلال الجزائر، يشمل برمجة عمل يدوم ثلاثة أيام، في اليوم الأول يقوم الرجال والنساء مع أولادهم بالتظاهر في أزقة باريس ابتداء من الساعة السابعة مساء، وفي اليوم الثاني يتظاهرون للمطالبة بإطلاق سراح الأزواج أو الأولاد الذين قدر أن يتم اعتقالهم، أما اليوم الثالث يقوم العمال والتجار بإضراب عام تعبيرا عن تضامنهم مع المتظاهرين وعائلاتهم المنكوبة.
ويوضح بوداود، أنه يوم 17 أكتوبر نزل حوالي 30 ألف جزائري إلى شوارع باريس طافوا الشوارع الرئيسية: أوبيرا، بون فال، سان ميشال، جسر نوتي، كوريفوا ليتوال وغيرها... وشهدت المظاهرات تدفق الآلاف من العمال الجزائريين مع عائلاتهم وأولادهم من المدن والضواحي للانضمام للمسيرة.
ويشير الباحث يعيش، أن أهم ما ميز المظاهرات أنها بشكل سلمي لم يحمل فيها المتظاهرون سوى بطاقة الهوية ومن المجاهدين المنظمين الأساسيين لهذه المظاهرات منهم قدور العدلاني، محمد أكلي بن يونس، علي هارون ورابح بوعزيز.
وحسب الإحصائيات، أن عدد الجزائريين المقيمين بفرنسا سنة 1954 بلغ 211 ألف شخص، يتراوح سنهم ما بين 20 حتى 40 سنة، وبلغ مجموع المسافرين إلى فرنسا سنة 1952 أكثر من 282 ألف.
وتعود فكرة إنشاء فيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا إلى محمد بوضياف، الذي فكر في إعادة الحياة للمنظمات والجمعيات التي اختارت الحياد أثناء أزمة حركة انتصار الحريات الديمقراطية. ففي اجتماع له بإطارات الجهة الشرقية بفرنسا، كلف مراد طربوش بأن يضم إلى جبهة التحرير الوطني كل معارضي مصالي الحاج والمركزيين القدامى والمحايدين وكل المناضلين الذين فقدوا الأمل نتيجة الصراعات الداخلية للحزب.
كانت المهمة الأولى لهذه الاتحادية، شرح أهداف الثورة لاسترجاع المناضلين الذين ساروا في ركب مصالي، وكانت على اتصال بالوفد الخارجي بالقاهرة ترسل التقارير والرسائل بانتظام له عن طريق السفارة المصرية في باريس. والمهمة الثانية، تأطير الجالية الجزائرية لصالح جبهة التحرير الوطني وبلغ عدد المناضلين 7 آلاف مناضل ذوي انتماء سياسي معين، لكن الحركة المصالية هناك كانت أقوى مما عليه داخل الجزائر، فهي متحكمة في الطبقة العاملة الجزائرية ووصل عدد مناضليها إلى 10 آلاف، حسب الباحث سعدي بزيان.
ويوضح أن سبب قوتها بفرنسا، يعود إلى إدعاءات أعضائها بأنهم المسؤولون عن الثورة في الجزائر. ويشير المؤرخ يحيى بوعزيز، رحمه الله، أن الحركة المصالية نظمت بعض المظاهرات دون اعتراض المسؤولين الفرنسيين وساعدت هذه المظاهرات على تضليل المهاجرين الجزائريين، لما أوهمت الفرنسيين بأن ما يسمى بالحركة الوطنية الجزائرية MNA منظمة جماهيرية.
 
فدرالية جبهة التحرير وتأطير المهاجرين  

يؤكد بزيان أن العمال الجزائريين المهاجرين في فرنسا هم وحدهم دون غيرهم من العمال الأجانب الذين كانوا يناضلون على جبهتين: الجبهة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فما تخلفوا أبدا عن واجبهم الوطني.
ويذكر الأستاذ محمد ياحي، في مقال له حول “النضال الوطني للمهاجرين الجزائريين بفرنسا”، أن النضال الوطني لهؤلاء بدأ في العشرينيات من القرن الماضي، بحركة الشبان الجزائريين، مرورا بنجم شمال إفريقيا وحزب الشعب الجزائري وانتهاء بفيدرالية فرنسا لجبهة التحرير الوطني.
ويشير إلى أن الدعم المادي واللوجيستكي للثورة التحريرية خلال الفترة 1954-1962، كان بفضل التنظيم المحكم والجيد لفيدرالية جبهة التحرير الوطني بفرنسا، التي استطاعت تأطير كل المهاجرين الجزائريين وهيكلتهم بنظامها المحكم، والذي يعود له الدور الكبير في تمويل الثورة المسلحة طوال السنوات الثماني للحرب وحتى بعد الاستقلال.