طباعة هذه الصفحة

بعادات متفردة ومميّزة

بني عباس تحتفي بذكرى المولد النبوي الشريف

استطلاع: موسى دباب

 فرق البارود، المدائح، البردة وختان الأطفال أبرز مظاهر الاحتفال

 محج الباحـثين عن رمزيـة الذكرى وقدسيتهـــا

مع اقتراب شهر ربيع الأول تعلن مدينة بني عباس أو « أميرة العرق الغربي» تعلن حالة الطوارئ استعدادا للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف، فهكذا كان أجداد أهل منطقة بني عباس يحتفلون، وهكذا ظلت مراسيم الاحتفال فيها راسخة، وبالرغم من أن بني عباس لا تشهد هذا العام إقبالا كبيرا للزوار، ولا تمتلئ شوارعها ولا أزقتها عن آخرها، كما جرت العادة خلال المواسم الدينية السابقة، بعدما تم إلغاء التظاهرة الرسمية كإجراء احترازي لمنع تفشي وباء فيروس كورونا.
لم تمنع التدابير الاحترازية المدينة من التزيّن لهذه السنة، استعدادا لاستقبال وفود البشاريين الذين يشدون الرحال بأعداد كبيرة من مختلف مناطق الولاية وكذا زوار من خارجها نحو بني عباس للمشاركة في الاحتفال، حيث يبرز ذلك جليا في شوارعها وأزقتها، التي تملؤها الأضواء، وتشع من مساجدها أنوار الإيمان.

ما تزال طقوس الاحتفال بذكرى مولد خير البشرية راسخة في عادات سكان بشار وبني عباس، لتعكس فنا جزائريا أصيلا، يمتزج فيها جمال عادات وتقاليد أهل المنطقة، وروعة الأناشيد الدينية والأدعية التي تنبع من قلوب تترجى الله تعالى في كلماتها، مشفوعة بمظاهر البهجة والفرح بميلاد سيد البشرية عليه أفضل الصلاة السلام.

«الحيبوس»...التحضير للاحتفال
تروي « كنزة» وأخوها « محمد» وهما من سكان المنطقة في حديثهما مع « الشعب»، بعض وقائع الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وكيف تجري مراسمه، حيث تقول كنزة: « قبل شهور من موعد الاحتفال، يتم جمع التبرعات من قبل أناس مكلفين بذلك من طرف أعيان المنطقة، وتقوم النساء داخل بيت يسمى « الحيبوس» بفتل كميات كبيرة من الطعام أو «الكسكسي»، ونشرها لتجف.
 ثم يتم وزن الطعام بوعاء تقليدي متوارث من الأجداد يسمى « الغرفية»، وكل ذلك وهن يرددن أناشيد دينية ومدائح نبوية، يعبرن من خلالها عن حبهن للنبي عليه الصلاة والسلام، ليتم تقديم الطعام المفتول يدويا، مرصعا بلحم الجمل أو البقر إلى الضيوف، من الذين اعتادوا ترديد المديح في المساجد بين صلاتي المغرب والعشاء طيلة الأيام العشرة التي تسبق يوم المولد.

فرق البارود.. أهم مظاهره
تواصل كنزة حديثها إلى «الشعب» قائلة أنّ تحضير فرق البارود يعد من بين التحضيرات المهمة التي تسبق يوم الاحتفال بالمولد النبوي الشريف، حيث يقوم كبار القبائل بتحضير الفرق والبارود وتدريب الشباب على إطلاق البارود، يكون طحن مادة البارود وتجفيفها أولى خطواتها، ليتم توزيعها على الشباب التابعين لفرق البارود، بالإضافة إلى توزيع الأزياء الخاصة بالاحتفال، أما البنادق التي يتم استخدامها في إطلاق البارود فمتوارثة عن أجداد كانوا يصنعونها بأنفسهم في ذلك الوقت، أين يشرف على تنظيفها وصيانتها الأعيان المكلفين بفرق البارود.

الطفل ورمزية «جريد» النخل
تابعت كنزة حديثها عن تحضيرات المنطقة للاحتفال بذكرى المولد النبوي الشريف قائلة: «في ساحة «المصرية» يجتمع أهل المنطقة، ويقوم بعضهم بحمل الأطفال  الذكور الذين لم تتعدى أعمارهم سنة،...يلبسونهم عباءات بيضاء وعمائم،...يضعون في أعينهم الكحل، وفي أيديهم الحناء، ويتولى الأب أو أحد أقارب الطفل فيحمله بإحدى يديه، وفي يده الأخرى يحمل «جريد» نخل، ويرمزون بذلك إلى سعف النخل التي حملها أهل المدينة المنورة عندما خرجوا لاستقبال النبي عليه الصلاة والسلام، ووسط مظاهر الفرحة والبهجة، التي تخترق قلوب الجميع، صغارا وكبارا، يطوفون بالأطفال الصغار، وتحيط بهم فرقة البارود، يرددون الأناشيد والمدائح الدينية، كل هذا من أجل أن يكتسب هؤلاء الأولاد الصغار الشجاعة عند سماعهم لصوت البارود.
وتتواصل الاحتفالية الشعبية بالمولد النبوي الشريف، إلى غاية صلاة المغرب أين تتفرق الفرق متجهين مع الضيوف نحو المساجد لإقامة الصلاة ... في تلك الأثناء، وبعد العشاء، تقام قعدة خاصة بالنساء، وتعرف هذه القعدة « بالماية» وهي قعدة نسوية تقوم فيها النساء بأداء أناشيد دينية ومدائح، يعبرن فيها عن فرحتهن وحبهن للنبي صلى الله عليه وسلم، وغالبا ما تكون متعة حقيقية للزائرات من النساء للمنطقة.

«الجنانات»...» الملاتة» لكل من أتى
وأضاف «محمد» أنه في صباح اليوم الموالي من ذكرى المولد النبوي، أي يوم المولد النبوي الشريف، تتجمع فرق البارود في باحة قصر بني عباس، وسط أشجار النخيل، أو ما يسمى عند أهل المنطقة «بالجنانات»، حيث يمتزج إنشاد المدائح الدينية بإطلاق البارود في ثنائية تصنع سحر المناسبة كل سنة، لتنطلق الفرق لتجوب أزقة المدينة وشوارعها تحت أهازيج ومدائح يتبعها زوار المنطقة الباحثين عن تجربة الاحتفال بمولد خير البشرية على طريقة أهل بني عباس، أثناء ذلك يقدم لهم التمر وأكواب الحليب الصافي للضيوف.. لتستمر الاحتفالات حتى صلاة الظهر.
وتعرف الاحتفالات أيضا امتلاء مساجد بني عباس ومدارسها القرآنية، لتفوح روائحها الإيمانية التي تمتزج بروائح البخور، وتعلو في فضائها القصائد والأناشيد الدينية، والبردة، بالإضافة إلى حلقات ذكر لقراءة القرآن الكريم والسيرة النبوية العطرة التي تزيد المكان بهاء.
بالموازاة مع ذلك، يتم تنظيم مسابقة لحفظ القرآن الكريم، كما تعد عمليات ختان للأطفال تشرف عليها الجمعيات المعنية، ليلة المولد النبوي الشريف، أحد المظاهر المهمة للاحتفال، حيث يتم خلالها إكرام كل الضيوف الذين يأتون إلى بني عباس وتسمى تلك الليلة بـ «الملاتة» أي بمعنى « لكل من أتى «.

250 كلم لحضور الاحتفال
المتغيرات التي طرأت على الزمن ووسائل التكنولوجيا، لم تمنع محمد، وحتى البعض من أصدقائه الذين ضربت محبة النبي عليه الصلاة والسلام أوتار قلوبهم، التنقل من ولاية بشار إلى ولاية بني عباس للاحتفال بالمولد النبوي الشريف، على طريقة الأجداد، قاطعين مسافة تصل إلى 250 كلم، حيث يقول محمد إنه جد حريص على الحضور للاحتفال بالمولد النبوي الشريف في بني عباس، منذ كان صغيرا، ويرى أن ذلك يدخل ضمن المحافظة على تراث المنطقة، وعلى عادات وتقاليد الآباء والأجداد، معتبرين المشاركة في هذه التظاهرة بمثابة واجب جمع الأجيال على هدف واحد هو حب النبي عليه الصلاة والسلام.
وتنتعش تجارة السلع التقليدية في بني عباس، بمناسبة ذكرى المولد النبوي الشريف، حيث يتم عرض المنتوجات التقليدية، من طرف الحرفيين والباعة، مثل الشاش والعباءات وبنادق الأطفال ولوحات فنية متنوعة، وأطباق الفخار أو الطين وكل ما جادت به أناملهم من إبداعات تعبر عن عادات وتقاليد المنطقة، التي تبهر بجمالها، السياح فيقومون بشرائها للاحتفاظ بها كذكرى لاحتفال متفرد بالمولد النبوي الشريف ببني عباس.