طباعة هذه الصفحة

مـع ظهـور سلوكيـات منافية للحــرم

مرافعة مــن أجــل أخلقـة الحيـاة الجامعية

سارة بوسنة

 شهدت الجامعة الجزائرية منذ الاستقلال إلى يومنا هذا قفزة معتبرة من حيث انتشارها عبر أنحاء الوطن، ويتجلى ذلك في توسع شبكة المؤسّسات الجامعية، وتزايد أعداد الكتلة الطلابية والخرّيجين، وتنوّع فروع التكوين وتخصصاته وبرامج البحث العلمي.  ومع التّغييرات التي طرأت على الجامعات، أجمع مختلف الفاعلين في الحرم الجامعي على ضرورة تحيين ميثاق أخلاقيات المهنة الجامعية وآدابها، وجعلها أداة كفيلة لتحقيق مبدأ التعايش مع الكل.

منح المسؤول الأول في قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، عبد الباقي بن زيان، خلال ترؤّسه أشغال الندوة الوطنية للجامعات، الضوء الأخضر للعمل بميثاق أخلاقيات والآداب الجامعية، والذي سيعرض على مكونات الأسرة الجامعية للتوقيع عليه من أجل أخلقة الحياة الجامعية.
اعتبر الدكتور خالد قاشي، رئيس تحرير مجلة الإدارة والتنمية للبحوث والدراسات ورئيس الجمعية الوطنية التسويق والتنمية الجزائرية والأستاذ بالمركز الجامعي بتيبازة، ميثاق أخلاقيات المهنة الجامعية أكثر من ضرورة لمشتملات الأسرة الجامعية (أساتذة، طلبة، إدارة، عمال، شركاء اجتماعيّون) في الفترة الحالية.
وبحسب خالد قاشي، فإنّ ميثاق المهنة الجامعية يعد معيارا للأداء القويم، ومقياسا للسلوك السوي وتحقيقا للهدف المسطر من خلال جعل سلوك الإنسان متّصفاً بالثبات والتماسك، ونفسيته موصوفة بالتجانس والتوافق.
وأضاف أنّ أخلقة العمل في أي مجال كان، يلزم الإنسان التحقق من متطلبات الالتزام والضبط الاجتماعي، وحسن التعامل مع الآخرين واحترامهم وأداء حقوقهم، كما توجد الإرادة القوية والعزيمة الماضية مع الاختيار السلوكي الحسن الذي تبنّاه واقتنع به، والالتزام والاحترام تجاه الذات بما يدفعها للأداء الفعّال والاتجاه بانتظام واستمرار نحو الأفضل. ويؤكّد المتحدّث أنّ تطبيق ميثاق المهنة الجامعية يؤدّي إلى حلحلة العديد من المشاكل، ويساهم بطريقة أو بأخرى في الدفع بالجامعة الجزائرية إلى أداء بيداغوجي وعلمي مؤثّر في المحيط الاجتماعي والاقتصادي والسياسي التي تنشط فيه الجامعة، وبهذا يمكن القول بأنّ الجامعة تصبح قاطرة وليست مقطورة، وهي من تؤثّر في كل قرارات المجتمع بل تعمل على اقتراح الحلول وتبنّيها من طرف ذوي الشأن العام.
الميثاق على حد قول قاشي يعتبر حجر الزاوية، وحجر الأساس الذي على أساسه تبنى الإرادات القويمة، وتحقّق الأهداف السّليمة التي وضعت في إطار الاستراتيجية العامة للقطاع، فالخلق المهني القويم يؤدّي إلى سلوك معتدل، والذي بدوره يؤدي إلى أداء قويم.
وأضاف أنّ نجاح تطبيق الميثاق متوقف على القائمين والساهرين على تطبيقه في أرض الواقع، فلا يعقل أن يوكل الأمر لمن لا يتّصف بسلوك وأخلاق قويمة لتنفيذ ميثاق أخلاقي جامعي قويم.
من جهته، قال حسين حني، أستاذ بكلية علوم الإعلام والاتصال بجامعة الجزائر 3، في تصريح خصّ به «الشعب ويكاند»، أنّه بات لزاما على أفراد الأسرة الجامعية، الاتّفاق على المسعى الأخلاقي والمنهجي المؤدي إلى إقرار سلوكيات وممارسات جامعية مثلى في مجالي آداب المهنة وأخلاقياتها، ومحاربة ما يلحقها من انحرافات، وهذا عن طريق مراجعة ميثاق أخلاقيات وآداب الجامعة، الذي يجب أن يكون منبثقا بإجماع واسع للأسرة الجامعية ليتّفق على مبادئ عامة مستمدة من المقاييس العالمية المعمول بها في هذا القطاع، وعلى قيم خاصة بمجتمعنا، على أن يشترط فيها أن تكون محرّكا لمسعى التعلم ومجسّدة لميثاق أخلاقيات المهنة الجامعية وآدابها.
وبرأي حني، فإنّ الميثاق يمثّل أداة تعبئة وأداة مرجعية لتسطير المعالم الكبرى التي توجه الحياة الجامعية، كما يمثل أرضية تستلهم منها القوانين الضّابطة للآداب والسلوك وأشكال التنظيم المكرّسة لها، بالإضافة إلى أنّه يبين أطر التعايش داخل الجامعة والعلاقة بين الطلبة والأساتذة والإدارة، ويضمن عدم وجود أي خلل في هذه العلاقة، مع حماية الأستاذ من أي تدخل من الإدارة وضمان حريته واحتكامه للضمير المهني، وهذا ما يندرج ضمن مسعى أخلقة الحياة الجامعية، وخاصة بعد المساعي التي تقوم بها الدولة الجزائرية من أجل أخلقة الحياة العامة، وهذا المسعى لن يتحقق إلا بأخلقة جميع القطاعات، وخاصة الحساسة منها على غرار قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، مع ضرورة إدخال هذا الميثاق حيز التنفيذ في أقرب وقت ممكن.

الشّريك الاجتماعي أداة تعبئة ومرجعية لتسطير المعالم الكبرى

 قال سعدو محمد، عضو المكتب الوطني المكلف بالتنظيم والإدارة لدى الصوت الوطني لطلبة الجزائريين «فينيا»، إن الهدف من ميثاق الآداب وأخلاقيات الجامعية هو تمكين الأسرة الجامعية من تحمل مسؤولياتها في وظائفها ومهامها، من حيث العمل الجماعي لبناء الثقة بين الأساتذة، الطلبة، الهيئات الإدارية والشّركاء الاجتماعيّين، بحيث ينطبق هذا الميثاق على جميع الفاعلين في الأسرة الجامعية.
وتمنى سعدو محمد، أن يطبّق فحوى وبنود هذا الميثاق، وأن لا تبقى بنوده حبرا على ورق، مؤكّدا أنّ المواثيق والقرارات كثيرة، ولكن المشكل في تفعيل هذه القرارات.
وغير بعيد عن ذلك، أوضح بويعقوب نور الدين، ممثل طلبة المركز الجامعي تيبازة المنضوي تحت لواء الرابطة الوطنية لطلبة «لينيا» لـ «الشعب ويكاند»، أنّ الجمعيات الطلابية والنّقابات المعتمدة كانت قد طالبت منذ سنوات الوزارة الوصية بضرورة تنظيم ميثاق أخلاقيات المهنة الجامعية، هذا الميثاق الذي لم ير النور إلى غاية الآن في الحقول الجامعية.
وأشار إلى أنّ ميثاق أخلقة العمل الجامعي بقي حبرا على ورق في جميع فترات الوزراء السابقين الذي تداولوا على رئاسة القطاع، ولم يستطع أي أحد تطبيقه وتجسيده على أرض الواقع.
وأضاف بويعقوب، إلى أهمية ميثاق أخلقة الحياة الجامعية في استقرار الجامعية، لافتا بأنّه أداة تعبئة وأداة مرجعية لتسطير المعالم الكبرى التي تواجه الحياة الجامعية، كما يمثّل أرضية يستلهم منها القوانين الضّابطة للآداب والسلوك، من شأنه الحفاظ واسترداد هيبة الحرم الجامعي التي تلاشت منذ سنوات.
ولفت إلى أنّ أخلقة الحياة الجامعية، وإعادة النّظر في ميثاق أخلاقيات وآداب الجامعة لطالما كان مطلبا ملحّاً لكافة أطياف الجامعة، خاصة مع التحولات التي تشهدها الجامعة الجزائرية، خاصة مع ظهور الجريمة في الوسط الجامعي في السّنوات الأخيرة، وهو الأمر الذي كان يتطلّب تحيينا وتعديلا وتجديدا لميثاق أخلاقيات وآداب الجامعة.
من جانبه، كشف عضو المكتب الوطني للمنظمة الوطنية للطلبة الأحرار، ناجي حشاني، أنّ الجامعة الجزائرية في أمس الحاجة إلى تحديث وتجديد هذا الميثاق لأنّه يعتبر أمرا هاما من أجل الارتقاء بالجامعة الجزائرية إلى مصاف الجامعات الدولية.
ونوّه في سياق حديثه مع «الشعب ويكاند»، أنّه أصبح إجباريا على أفراد الأسرة الجامعية الإتفاق على طريق أخلاقي ومنهجية يؤدي إلى إقرار وممارسات جامعية مثلى في مجال آداب المهنة وأخلاقياتها، ومحاربة كل الانحرافات التي تلاحقها.
في سياق ذاته، قال رزقي سيف الدين، ناشط طلابي من جامعة تبسة لـ «الشعب ويكاند»، إن فكرة وضع ميثاق جامعي قد سبق وأن طرحها الاتحاد الوطني للطلبة الجزائريين منذ سنة 1994، من أجل تحديد حقوق وواجبات كل أفراد الأسرة الجامعية بما فيها الأساتذة، الطلبة، الإداريّين والعمال للحيلولة دون حدوث أي تصادم داخل الحرم الجامعي.
وأفاد: «لقد تمّ تسجيل تأخير في إصدار وإنجاز هذا الميثاق، الذي سيسمح تفادي وقوع تصادم بين أطراف الجامعة، وحل المشاكل إن وجدت باتباع مبدأ الحوار، واليوم يجب العمل على ضرورة «تحيين» ميثاق أخلاقيات المهنة الجامعية وآدابها، وجعلها أداة كفيلة لتحقيق مبدأ «العيش معا» داخل الأسرة الجامعية، وكذا إدراج تدريس مقاييس أخلاقيات المهنة الجامعية وآدابها».
وذكر المتحدّث أنّه «هناك عنف وصراعات في الأوساط الجامعية بسبب اختلاف الآراء والأفكار، وتمّ الوصول إلى استعمال الأسلحة البيضاء داخل الحرم الجامعي».
ودعا رزقي، أهل الاختصاص من باحثين واجتماعيّين إلى التعمق أكثر في قضية العنف في الجامعات، وحلّها من جذورها.
وطالب تطبيق الميثاق الجامعي الذي يعد على حد قوله «أهم مطلب» تفعيل دور مجلس أخلاقيات المهنة الجامعية، وإيقاظه من سباته العميق لما يكتسيه من دور هام في الوسط الجامعي.