طباعة هذه الصفحة

بعد طول انتظار..

نعمة الأمطار تتحوّل إلى “نقمـــــة”

استطلاع: سعاد بوعبوش

الكميات المتساقطة تجاوزت قدرة البالوعات

ساعات قليلة من تهاطل الأمطار بالعاصمة أعادت للأذهان نفس المشاهد المروعة من فيضانات وانسداد للبالوعات وسيول جارفة لكل شيء أمامها من سيارات وأتربة وأحجار متسببة في انهيارات للجدران والمنازل الهشة وغلق للطرقات، ناسفة بذلك كل الجهود المبذولة في تنقية البالوعات، طارحة مسألة جدوى الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفيضانات.

تحوّلت فرحة الجزائريين ليلة، أول أمس، بأمطار الخير التي طال انتظارها إلى كابوس حقيقي في كل الولايات التي مسّها الاضطراب الجوي الذي بدا من الجنوب متجها نحو الشمال، والجزائر العاصمة كغيرها من الولايات كان لها حظ كبير من هذه التساقطات المطرية المتهاطلة، والتي عرفت هطول كميات معتبرة وصلت إلى 25% ما يعادل التساقطات المتوقعة خلال السنة وهو ما لم تستوعبه البالوعات التي انفجرت، ما أدى إلى انسداد الطرقات بشرقها وغربها وحتى على الواجهة البحرية، ما جعل العاصميين يعيشون ليلة سوداء.

ثلاث طرق وطنية أغلقت وأنفاق غمرت بالمياه
ونشر الدرك الوطني على صفحته “طريقي” قائمة الطرق المقطوعة بسبب الاضطرابات الجوية وارتفاع منسوب المياه، لمساعدة السائقين على تغيير وجهتم والبحث عن طرق اجتنابية أخرى للوصول إلى وجهتهم وتفادي الدخول في المياه الجارفة، ومن ذلك الطريق الوطني رقم 36 الربط بين بلديتي بابا أحسن وأولاد فايت وتحديدا على مستوى نفق أولاد فايت، الطريق الوطني رقم 38 الرابط بين بلديتي جسر قسنطينة والحراش وبالضبط بمحاذاة حائط السكة الحديدية، الطريق الوطني رقم 11 الرابط بين بلديتي سطاوالي وعين بنيان وتحديدا على مستوى نفق نادي الصنوبر .
في المقابل، عرفت بعض طرقات العاصمة اضطرابا في حركة المرور بسبب ارتفاع المنسوب إلا أنها لم تغلق بشكل كامل، على غرار تعطلها على مستوى المسجد الأعظم وعودتها بمجرد تجاوزه، إلا أنه بمجرد الوصول إلى حي الموز وتماريس وتحديدا بالقرب من مول المحمدية يفاجئك المنسوب الكبير للمياه المتراكم، حيث تعذر على السائقين المرور فما كان عليهم سوى الطرق الاجتنابية الصغيرة.

انجراف يخرج الأموات من قبورهم بعين البنيان!
وبعين البنيان التي عرفت تساقط 146 ملم وتحديدا بمقبرة 11 ديسمبر لم تسلم القبور، حيث فعلت المياه الجارفة فعلتها وأخرجت رفاتهم من مرقدهم الأخير، في مشهد لا يصدق كما تسببت في انجراف تربتها ما أدى إلى إزالة البلاط المحيط بالقبور وانكشاف بعض الجثث التي تم تغطيتها إلى حين إعادة دفنها بعد التأكد من هويتها.
وببئر خادم وتحديدا بالطريق الرابط بين بئر خادم وبابا علي مشهد تصادم السيارات وطفوها فوق المياه الأمطار المتساقطة كارثي بمعنى الكلمة، حيث فعل عنصر المفاجئة فعلته وأربك السائقين الذين حصروا بالمياه الجارفة وفقدوا السيطرة على مركباتهم، بين غطت مركبات أخرى كانت مركونة وعزت المياه المنازل والأقبية.

59  تدخلا خاصا بالفيضانات للحماية المدنية
عرفت الحماية المدنية عدة تدخلات، ليلة أول أمس، على إثر تساقط الأمطار على مستوى الجزائر العاصمة، وذلك بكل من بلدية باش جراح، حيث تسربت مياه الأمطار داخل العديد من السكنات، وتراكم المياه بالطريق السريع أمام محطة البنزين بعين النعجة، وببلدية درارية تم إخراج سيارتين محصورتين داخل وادي بوجمعة، كما تم إنقاذ شخصين كانا محصورين داخل سيارتين بحي الآفاق.

فرق مجنّدة للبحث عن ضحية جرفتها مياه وادي السحاولة..
أوضح خالد بن خلف الله المكلف بالإعلام على مستوى الحماية المدنية بالجزائر العاصمة في تصريح لـ “الشعب”، أنه تم تسجيل 59 تدخلا خاصا بالفيضانات، مركبة غمرتها الأمطار، في كل من بلدية الدرارية والشراقة، و 15 عملية امتصاص للمياه، كما تم تسجيل غلق نفقين بالشراقة غمرتهما المياه، وجرف مركبة من نوع “بيكانتو” على متنها شخصين، على مستوى واد السحاولة، حيث تم العثور على المرأة في حين عمليات البحث جارية عن الرجل المرافق لها ذو 60 سنة.
في المقابل، تم تسجيل بعض تسربات للمياه على مستوى المحلات وعن طريق الأسقف، وتشققات عبر شرفات العمارات، فيما لم يسجل أي انهيارات على مستوى القصبة وساحة الشهداء أو رويسو، حيث تنتشر العمارات الهشة أو المهددة بالانهيار.
وما تزال فرق الحماية المدنية متواجدة بالميدان لمواصلة التمشيط وعمليات البحث والتدخل وتقديم المساعدة للمتضررين، حيث تم تجنيد عدة فرق منها أربع فرق بحث مدعمة بالكلاب المدربة، وفرق بحث في الأماكن الصعبة والوعرة، وحوالي 10 غطاسين، وفرق التمشيط الراجلة على أطراف الوادي.

دعوات للتصالح مع البيئة
واكبت مواقع التواصل الاجتماعي الحدث وتنشر بالصور والفيديوهات التي تسببت فيها الأمطار المتساقطة ناقلة حجم الكوارث والخسائر التي لحقت بالبنى التحتية والمنازل والمحلات التجارية، فالعاصمة غرقت في ساعات قليلة والحركة شلّت، ولا يسمع بوق السيارات الطالبة للنجدة، وشاحنات الحماية المدنية المخصصة لشطف وامتصاص المياه المنتشرة هنا وهناك بالتنسيق مع مؤسسة آسروت وكذا سيال.
وحمّل الناشطون عبر حساباتهم بمواقع التواصل الاجتماعي المواطن المسؤولية بسبب سلوكه الذي لا يرقى للتحضر وفي كل مرة يتسبب في كوارث حقيقية كان بالإمكان تجنّبها، مذكرين بمشاهد رمي القاذورات والقاذورات البلاستيكية للمياه المعدنية أو المشروبات الغازية بالطرقات، وكذا البالوعات، خاصة وأن هذه الأخيرة استفادت من عملية تنظيف مبكرة للأتربة والأوساخ المتجمعة بها شهر أوت المنصرم.
وعاد بعضهم للنفايات الناتجة عن عملية النحر خلال عيد الأضحى الفرط، حيث لجأ البعض من المواطنين إلى التخلص من بعض أجزاء الأضحية في البالوعات وقنوات الصرف الصحي ووصل الأمر إلى رمي جلد ورأس الأضحية فيها، ما جعل الكثير منها لا تؤدي وظيفتها في تصريف المياه رغم كل الحملات التحسيسية بضرورة عدم فعل ذلك.
في المقابل، اغتنم البعض منهم توجيه دعوات تحسيسية توعية للمواطنين بضرورة الاستفادة من الدروس التي تعطيها الطبيعة في كل مرة، من أجل التحلي بحس المواطنة تجاه المحيط الذي نعيش به والتحلي بسلوكات بيئية والعمل على تنظيم عمليات تنظيف دوريه للتخفيف من حدة الظواهر الظرفية وعدم تحويل نعم الله إلى نقمة.

.. 32% نسبة امتلاء السدود
وبخصوص قطاع الموارد المائية فهو الآخر كان يترقب تساقط هذه الأمطار التي لا تزال قليلة مقارنة بالحاجيات الوطنية، حيث بلغت نسبة امتلاء الشبكة الوطنية للسدود 32 %، حسبما كشف عنه المكلف بالإعلام على مستوى وزارة الموارد المائية والأمن المائي، مصطفى شاوشي لـ “الشعب”.
وبخصوص توزيع هذه النسبة على المناطق أشار شاوشي أن سدود المنطقة الشرقية كان لها الحظ الأوفر في سقوط الأمطار، حيث عرفت نسبة امتلاء وصلت إلى 58.24%، لتأتي بعدها المنطقة الغربية بنسبة 20.60%،وبحوض الشلف وصلت إلى 16.80 %، فيما سجلت منطقة الوسط النسبة الأضعف بـ 8.34%، وهذا بسبب تمركز الحصة الكبرى من التساقطات بالجزائر العاصمة دون باقي الولايات المتواجدة بها السدود كبومرداس البويرة، تيبازة.