طباعة هذه الصفحة

لزرق عبد الحميـد

نحتـاج إلى مـن يؤمـن بالمخــترع ويمــد لــه يــد العـــون

حوار: حبيبة غريب

أفكار وابتكارات أثبتـت نجاعتهـا طالها التّهميـش

 يعد لزرق عبد الحميد عيّنة من المخترعين الجزائريّين بالمناطق الداخلية، قضى عقودا طويلة من حياته في تعليم الأجيال قبل أن ينتقل إلى خانة المخترعين، فأصبح اليوم من أصحاب براءات الاختراع، يكرّس وقته وطاقته للدفاع عن حق الجزائري في إبراز موهبته في الابتكار، وحقّه أيضا في المشاركة في معركة النّهوض بالتنمية الوطنية من خلال الإنتاج والتصنيع الوطنيين، وبعيدا عن ريع المحروقات وفواتير الاستيراد الضخمة.
الشعب: بداية من هو لزرق عبد الحميد وكيف جاءتك فكرة الاختراعات؟ ومتى انطلقت في تجسيدها؟
لزرق عبد الحميد: أنا من مواليد 1953 بأولاد جلال ولاية بسكرة، معلم متقاعد ومتعدّد الهوايات (كهرباء، ميكانيكا، موسيقى...إلخ). بعد إحالتي على التقاعد سنة 2004، قرّرت عدم الاستسلام لحياة الروتين، فقمت بتعليق مئزر التربية والتعليم، وشرعت في ابتكار أشياء وأجهزة ينتفع بها أفراد المجتمع. ساعدتني هواياتي المذكورة أعلاه في إنجازاتي، وابتكرت أجهزة إنذار وترقّب تساعد على حماية الممتلكات من السطو والسرقة، وبفضل الله تعالى تحصّلت على براءتي اختراع تنافسية لشركة أجنبية لبيع أجهزة الإنذار والترقب. وأنا حاليا مقبل على الاختراع الثالث في نفس المجال والرابع في مجال مدرسي، وما زال في جعبتي الكثير.
-  ما هي مواصفات ومميّزات جهازك الخاص بحماية الممتلكات من السّرقة؟ وما المقصود بالابتكار في المجال التّربوي؟
 ابتكار الإنذار والمراقبة يتمثّل في جهاز خاص بحماية الممتلكات العامة والخاصة من جرائم السطو (منازل، محلات، مركبات، مزارع وإسطبلات..)، حيث يمكن لصاحب الملك أن يفعّل الجهاز داخل غرفة نومه أو في المكان الذي يختاره، وعند اختراق أي شخص غريب المكان ينطلق جرس الإنذار داخل غرفته، وفي نفس الوقت يشتعل ضوء كاشف صوب الملك المستهدف (الضوء اختياري لردع المجرم اجتنابا لما لا يحمد عقباه)، إضافة لتفعيل رنين هاتف الضحية أينما كان وحيثما تواجد، وعند تصفّحه لنقاله يتأكّد أن هناك اختراق لملكه، فيسرع لإنقاذه بصورة مباشرة أو إشعار أحد الجيران أو الأقارب لنيابته أو مصالح الأمن  يمتلك الجهاز مميزات مغايرة لمختلف الأجهزة المستعملة حاليا بالرغم من تطورها، من بينها أنه سهل الاستعمال وفي متناول الجميع من حيث السعر.
أمّا بالنسبة للابتكار الثاني فهو جهاز مدرسي يتناسب مع جميع الأطوار، ابتدائي، متوسط وثانوي، يسمح بربط الدروس العلمية بالتّطبيقية بطريقة مجسّدة على أرض الواقع، حيث نال إعجاب واهتمام الزّملاء بمختلف المستويات أثناء تجربته عن طريق مجسّم مصغّر، إضافة لاستعماله من طرف رجال الأمن الوطني في حصصهم والتوعوية لأبنائنا حول نظام المرور، وقد تمّ تسجيله هو الآخر بالمعهد الوطني للملكية الصناعية.
البيروقراطية ولوبيات الاستيراد
- ما هي العراقيل التي صادفت مشاريعك؟ وكيف تخطّيتها؟
 عانيت كثيرا من التّهميش الممنهج والإقصاء من طرف الإدارة السّابقة للبلاد خوفا على مصالحها، الذين يقاومون كل المبادرات ويسعون لتهجير أدمغتنا بإيعاز من أعداء الجزائر بالداخل والخارج، إضافة إلى عرقلة الانجازات المجسّدة على أرض الواقع لصالح المستوردة من الخارج...لكن كل هذا لم يمنعني من فرض نفسي وابتكاراتي والمشاركة في ملتقيات جهوية ووطنية أين تكثر الأقوال المزخرفة والشهادات الجوفاء والوعود الكاذبة...وبالرغم من كل هذه العقبات نصّبت كمدير الاستثمار والبحوث العلمية والاختراعات بمؤسّسة «إنوف بلوس»، ومنذ إحرازي على براءات الاختراع تعزّزت ثقتي بنفسي وبآمالي، وإمكانياتي وقدراتي.
- أنت عضو بالمنظّمة الوطنية لحماية الثّروة الفكرية، ماذا أضاف لك الانخراط في مثل هذه الهيئة؟ وإلى أين وصل مشوارها منذ تأسيسها؟
 بعد أن حصل جهازي على براءة الاختراع، تمّ تنصيبي أمينا ولائيا للمنظمة الوطنية لحماية الثروة الفكرية المعتمدة رسميا تحت رقم 29/15، والتي تسعى للم شمل المبدعين ومرافقتهم بقدر المستطاع لتجسيد أفكارهم على أرض الواقع وحمايتها، شعارها «إسقاط القول بالفعل». وقد تعرّفت من خلالها على العديد من المخترعين الجزائريين المنتسبين لها من داخل الوطن وخارجه، أذكر من بينهم على سبيل المثال: العالم الجليل حبة بلقاسم، الذي يعتبر سفيرا للمنظمة بالولايات المتحدة الأمريكية، الدكتور المخترع محمد دومير وهو سفير بدول الخليج الكويت تحديدا، إضافة إلى بريطانيا وكندا....وشاءت الأقدار أن يتوفى رئيس المنظمة رحمه الله بسبب التهميش والإقصاء وقلة الإمكانيات، ممّا ترك لأبنائه ديونا متراكمة، لكنه ترك إرثا فكريا وبشريا، وعلى إثر هذا المصاب حاولنا تجديد المكتب الوطني لكن محاولاتنا باءت بالفشل لأسباب عديدة.
- بعد انطفاء نجم المنظّمة الوطنية للملكية الفكرية انتقلتم إلى مغامرة أخرى، ربما أكبر وأوسع من حيث الرّقعة الجغرافية والأهداف والتحديات المرسومة، كيف هي التّجربة تحت لواء مؤسّسة «إنوف بلوس»؟
 كان من حسن حظّنا أن برزت منارة أخرى للمخترعين المبتكرين، العصاميّين، المهنيّين وأصحاب الأفكار، وهي مؤسّسة «إنوف بلوس» التي تسعى للم شمل المخترعين، المبتكرين والتحضير لملتقى دولي علمي للتصنيع التكنولوجي بالجزائر تحت رعاية رئيس الجمهورية، وبقيادة نخبة من الخبراء الاقتصاديّين، وعلى رأسهم الأستاذ الخبير مصطفى رحماني، الذي يتمتّع بفكرة عالمية في مجال الإنعاش الاقتصادي الحقيقي اعتمادا على مؤسّسات حقيقية خدمة لاقتصادنا الوطني.
- كيف ستعزّز مجهوداتكم في دفع العجلة الاقتصادية؟
 نسعى اليوم لدمج البحث العلمي والاختراع الصناعي في شبكة المؤسّسات الاقتصادية، وفق شراكة بين المؤسّسة والباحث العلمي أو المخترع  أو العصامي، وكذلك ترسيم وتجسيد مسابقة مؤسّسة مالك بن نبي الدولية لأحسن مشروع لمؤسّسة متوسطة مبتكرة.
هي فرصتنا اليوم كمخترعين لتنفيذ أفكارنا، التي تعتبر قيمة إضافية لاقتصادنا الوطني وتحديّا لنزيف الاستيراد، لنقوم بحراك اقتصادي منهجي، وتجسيده عبر آلياته الخمسة التالية: تطبيق البرنامج الوطني والدولي لفتح المؤسّسة المبتكرة بآلية الشّراكة مع المؤسّسات، والتّمويل المباشر عبر البرنامج التجاري الميداني بعيدا عن التمويلات البنكية الكلاسيكية.
إنشاء مديريات الإبداع داخل المؤسّسات الاقتصادية وروّادها الباحثين العلميّين والمخترعين، وفق معاهدات إطار تقضي نهائيا على هجرة الأدمغة والقدرات العلمية، إطلاق مسابقة مالك بن نبي الدولية لأحسن مشروع مؤسّسة مبتكرة ذات قيمة مضافة اقتصادية واجتماعية واضحة، وتسريع التشغيل لدى خرّيجي الجامعات ومراكز التّكوين، إنشاء شراكات اقتصادية ومالية وعلمية بين المؤسّسات الجزائرية ونظيراتها العربية والإفريقية والأجنبية في إطار برنامج التغيير الاقتصادي الشامل 2020-2030، وأخيرا التأسيس الرّسمي للمنتدى العالمي للتصنيع.
- كلمة للمخترعين وأصحاب الأفكار الإبداعية خاصة الشباب؟
 من هذا المنطلق أوجّه ندائي للمخلصين لوطنهم المشجّعين لكفاءاتهم، أن تكون هناك التفاتة جادّة لهولاء المخترعين المبتكرين والعصاميّين، الذين يعتبرون الرّكائز الأساسية للإنعاش الاقتصادي، للمضي قدما نحو المساهمة في ازدهار اقتصادنا الوطني بالأعمال المجسّدة لا بالأقوال المزخرفة لوضع حدّ لنزيف الاستيراد، وكذا تحقيق الاكتفاء الذاتي في شتى المجالات، ولاسيما في المجالين الفلاحي والصّناعي.
(عن مجلة التنمية المحلية العدد 7 بتصرف).