طباعة هذه الصفحة

سمير غضبان

قصة زراعة «الزّهرة البنفسجية» بالجزائر

خنشلة: اسكندر لحجازي

الزّعفران أو الذّهب الأحمر، هو نبات بصلي من فصيلة السوسنيات، تصنّف خيوطه أو مياسيمه الحمراء كأغلى بهار في العالم، يعامل كالأحجار الكريمة ويوزن بالمثقال لما له من فوائد عديدة في عالم التغذية، الطب، صناعة الأدوية والعقاقير ومستحضرات التّجميل، تزداد قيمته باستمرار وتنتشر ثقافة استعماله مع زيادة اكتشافات فوائده.


استطاعت ولاية خنشلة أن تفتك لقب «الرّائد» وطنيا في إنتاج البهار «السّحري» وغالي الثّمن، بعدما احتضنت سنة 2009، أوّل تجربة في الجزائر كلّلت بالنّجاح، وتوسّعت بعدها لتشمل عدّة فلاّحين وولايات أخرى، مسجّلة بذلك انطلاق زراعة الزّهرة البنفسجية الواعدة اقتصاديا ببلادنا.
على مساحة واحد هكتار بمنطقة تمقرة التّابعة لبلدية طامزة بالجنوب الغربي لولاية خنشلة، على بعد 25 كيلومترا من عاصمة الولاية، حقّق الفلاح سمير غضبان، 51 سنة، نجاحه في زراعة الزعفران سنة 2015، بعد خوضه التّجربة عن قناعة وعزيمة مبنية على نوعية التّربة والمناخ بهذه المنطقة المناسبة تماما لهذه الزّراعة، حيث ترتفع على سطح البحر بـ 1100 متر، وتتميّز بالبرودة في فصل الشّتاء والحرارة صيفا، وهو ما يتناسب تماما مع المتطلّبات المناخية للنبتة التي تتحمّل درجة حرارة بين ناقص 15 وزائد 50.
يقول الفلاح سمير غضبان لـ»الشعب»، إنّ تجربته سنة 2015، كانت أولية بقيامه بزراعة كمية من البصيلات الصّغيرة والكبيرة للزعفران ثم تبعتها مرحلة الزراعة، العناية بالأرض والسقي وغيرها، محقّقا بذلك نتيجة إيجابية على مستوى تكثيف البذور وإنتاج زهرة الزعفران، ليوسّع بعدها هذه الزّراعة على مساحة الأرض كاملة، ويحقّق إنتاجا لخيوط الزعفران بمعدّل 04 إلى 05 كيلوغرام في الموسم، توّجت بشهادة من مخبر أوروبي مختص في الجودة تؤكّد حصوله على نوعية الدرجة الأولى بالمعايير العالمية والأوروبية.
ويسرد الفلاح سمير مراحل دورة حياة الزعفران، ويقول «تمتد بين منتصف شهر أوت وتستمر على مراحل إلى غاية نهاية شهر أفريل من السنة الموالية، أي بمعدّل زمني بين ثماني وتسعة أشهر تتخلّلها فترات جدّ حسّاسة في معاملة حقل الزعفران تحتاج لصبر، خبرة ومضاعفة اليد العاملة في أوقات محدّدة».
وحسب محدّثنا، تمتد مرحلة بداية زراعة بذور الزعفران من منتصف شهر أوت إلى منتصف شهر سبتمبر، حيث تزرع بمعدل عمق 12 سنتيمترا تحت التربة، وتتبع بالسّقي عن طريق الرش أو التقطير في حالة عدم التساقط، أما في حالة موسم ماطر فبذور الزعفران لا تحتاج إلى السقي.
جني قبل شروق الشّـمس
تلي ذلك أدق مرحلة في هذه الزّراعة عند حلول منتصف شهر أكتوبر، حيث تبدأ أزهار الزعفران بالظهور، وبالتالي مباشرة عملية جني المحصول، والتي تمتد بدورها لثلاثة أسابيع إذ يتوجّب قطف الأزهار في الصباح الباكر بحشد مجموعة من العمال لقطفها برفق وعناية، وبسرعة في السّاعات الأولى من الصباح تفاديا لتلفها عند شروق الشمس وازدهارها وتفتّحها كون حياة هذه الزهرة لا تتعدى 24 ساعة، حيث يتوجّب قطفها وهي مغلقة حفاظا على المياسيم داخل الزهرة.
وخلال هذه المرحلة يحتاج حقل الزعفران إلى مضاعفة اليد العاملة عند بداية بلوغ حقل الزعفران ذروة إنتاجه في منحنى تصاعدي لفترة تمتد بين أربعة وخمسة أيام، وهي الفترة التي يصل فيها عدد عمال هذا الحقل إلى 60 عاملا بين نساء ورجال، يعملون في شكل خلايا نشطة تسابق الزّمن للحصول على خيوط الذّهب الأحمر في فترة محدّدة.
دور أساسي للمرأة الريفية
تلعب المرأة الرّيفية خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من مرحلة الجني دورا أساسيا، حيث تقوم النّسوة القاطنات بنفس المنطقة بمنازلهن موازاة مع قطف الرّجال للأزهار، باستقبال قفف الجني في نفس اليوم لفصل خيوط الزعفران ذات اللون الأحمر من داخل الزهور وتجميعها، حيث يتطلّب تجميع مياسيم 150 ألف زهرة لإنتاج كيلوغرام واحد من الزعفران، وهي عملية تحتاج إلى أكثر من يد وصبر وطول البال، وتكرار نفس الحركات وهو عمل يتلاءم جيدا مع شخصية المرأة.
وعند تجميع شعيرات الزعفران أو المياسيم، تأتي مرحلة التّجفيف التي تعد كذلك حسّاسة ومهمّة في تحديد نوعية المنتوج ولونه، حيث تتمّ داخل المنازل في جوّ دافئ يسمح للشّعيرات بالتّجفّف مما يسمح بحفظه في ظروف عادية بعيدا عن الرّطوبة أو الحرارة المرتفعة، في زجاجات مختلفة الأحجام يحفظ بداخلها لفترة تمتد من ثلاث إلى خمسة سنوات، وهو ما يسمح بتخزينه ثم تسويقه في متّسع من الوقت.
وبعد جمع المحصول وتجفيفه، تتواصل دورة حياة الزعفران لتدخل مرحلة العناية بالحقل الذي تمّ جنيه، حيث يقوم الفلاح بنزع الأعشاب الضارة وسقي الحقل عند قلة التساقط، وهي مرحلة تكثيف البذور المتواجدة أصلا في التربة، والتي زرعت منتصف شهر أوت وأثمرت، ويتم العناية بالحقل من شهر نوفمبر إلى غاية أواخر شهر أفريل من السنة الجديدة زمن استخراج البذور وحفظها حتى منتصف شهر أوت لبداية دورة زراعية جديدة للزعفران.
موازاة مع نشاط الفلاح سمير في زراعة حقله والاعتناء به على مدار تسعة شهور، ينشط كذلك في إطار الجمعية الجزائرية لترقية الزعفران كأمين عام لها، يحمل ويتقاسم بمعية رفقائه في هذه الزراعة عبر عدة ولايات، مشاكل التسويق وعقبات تطوير هذه الزراعة بالجزائر، ويبرزون أهمية هذه النبتة وما يمكن أن تدره من مداخيل بالعملة الصعبة، إلى جانب قيمتها الطبية والغذائية المعروفة عالميا.
الأوّل عالميا من حيث الجودة
 يبرز الأمين العام لهذه الجمعية، مشكلة تسويق الزعفران في الجزائر النّاجمة عن قلّة ثقافة استعماله سواء في العلاج أو إنتاج العقاقير والأدوية أو استعماله لدى العائلات والمطاعم كملوّن غذائي أو بهار للطبخ لقيمته العالية مثلما هو معمول به في الدول الأوربية وعدّة دول أخرى، حيث تتزايد ثقافة استعماله ومعرفة قيمته كمنتج زراعي مصنّف كأغلى بهار في العالم، يتميّز برائحته العطرة ومذاقه القوي.
وهذا ما يدعو إلى ضرورة نشر ثقافة استعمال هذا التابل لدى الجزائريّين في مختلف المجالات المذكورة، وهو ما تعمل عليه الجمعية جاهدة من خلال المشاركة في صالونات الزّراعة ومختلف المناسبات، مناشدة السّلطات بضرورة مرافقتهم في التعريف بمنتوجهم المصنّف في الدرجة الأولى عالميا وفقا لشهادات مخابر أوروبية لجأ إليها هؤلاء المنتجين من مختلف الولايات لإجراء التحاليل وتحديد نوعية الزعفران الجزائري لانعدام مخابر تحاليل من هذا النوع في الجزائر.
أما عن التّصدير إلى الخارج، أوضح مصدرنا أنّ ذلك يحتاج إلى تجميع أطنان من الإنتاج، وهو ما لم يصل إليه المنتجون في الجزائر ممّا يدعو إلى تشجيع هذه الزّراعة لدى كافة الفلاحين لخوض تجربة مضمونة النجاح وتوسيع المساحات المزروعة، ومن ثمّ الوصول إلى الكميات المطلوبة للتّصدير، وهو ما تعمل عليه الجمعية باستمرار من أجل ترقية هذا الإنتاج، وتوجيه الفلاحين إلى هذا المجال النّاجح كون الزعفران الجزائري مصنف في الدرجة الأولى من حيث النوعية وفقا للمعايير العالمية، وبإمكانه المساهمة في ضخّ ملايير بالعملة الصّعبة في الاقتصاد الجزائري.
وأكّد أنّ أسعار الزعفران داخل الجزائر جد منخفضة مقارنة بالأسواق الأوروبية، حيث يتمّ بيع الغرام الواحد من مياسيم الزعفران بـ 2000 دينار جزائري، أي ما يعادل نصف ثمنه أو أقل مقارنة بالأسواق الأوروبية أين يصل سعر الكيلوغرام الواحد إلى 50 ألف أورو، وهو ما يفسّر تحويل جزء من المنتوج الجزائري لبعض الفلاحين إلى أوروبا لتسويقه هناك، مبرزا في هذا السياق أنّ هناك العديد من العائلات الجزائرية اكتسبت ثقافة استعمال الزعفران، وتقدم على شرائه واستعماله في الطبخ والتداوي وفي مجالات أخرى.
زراعة ناجحة
تشير إحصائيات الجمعية وتقاريرها، إلى أنّ الزعفران نجحت زراعته في كامل التراب الوطني بما فيها الصحراء، وتعتبر خنشلة، تيارت، غرداية، باتنة، عنابة وتيبازة من الولايات الرّائدة في هذا المجال، مبرزة أنّ أنسب الولايات لهذه الزّراعة هي المناطق الداخلية للوطن بعلو أكثر من 600 متر، وهو ما يشكّل آفاقا واعدة ومجالا خصبا ومضمونا للفلاحين من شأنه خلق اقتصاد بديل للجزائر.
تعتبر خنشلة حسب مديرية المصالح الفلاحية للولاية، أول ولاية في الجزائر احتضنت أوّل تجربة لزراعة الزعفران سنة 2009 ببلدية لمصارة، خاضها الفلاح رويبي عبد الله بتأطير من المعهد الوطني للأبحاث الغابية، حقّقت نتائج جد إيجابية فتحت المجال بعدها لباقي الفلاحين لهذه الزّراعة لتصل إلى 54 فلاحا يزرعون وينتجون الزعفران على مساحة 11 هكتارا بإنتاج سنوي الأول وطنيا يتجاوز 18 كيلوغراما.
(عن مجلة التنمية المحلية بتصرف)