طباعة هذه الصفحة

بشير مديني من منتدى الأمن الوطني:

الديبلومـاسيـة الوجه الآخـر للثـورة التحريرية

سهام بوعموشة

المفاوض الجزائري نجح في استعـادة السيادة الجـزائــرية

استعرض أستاذ التاريخ بجامعة البليدة، بشير مديني، أهم المحطات من تاريخ الثورة التحريرية منذ سنة 1954 لغاية 1962، أولها بيان أول نوفمبر 1954، ومرحلة المخاض العصيبة التي مرت بها وكيف تم هيكلة الثورة، والديبلوماسية الجزائرية وكذا استعادة السيادة الوطنية، داعيا إلى ضرورة الاهتمام بكتابة التاريخ المحلي، كون العديد من الولايات شهدت معارك مهمة يجهلها جيل الشباب.
أوضح بشير مديني لدى تنشيطه، أمس، ندوة تاريخية بالمدرسة الوطنية للشرطة، بمناسبة الذكرى 52 لعيدي الاستقلال والشباب، أن ما هو شائع عند الجزائريين هو أن بيان الفاتح نوفمبر الذي نراه اليوم في الحقيقة أسس على ثلاث نسخ من البيانات، الأول وجه للشعب الجزائري وطبع في 2300 نسخة، وبيان الفاتح نوفمبر طبعت منه 110 نسخة، وبيان جيش التحرير الوطني، بحسب ما ورد في كتاب المرحوم عيسى كشيدة «مهندسو الثورة».
وأكد أستاذ التاريخ بجامعة البليدة في هذا الإطار، أن بيان أول نوفمبر 1954 ظهر منذ سنة 1946، أي بعد مجازر الثامن ماي 1945، وساهم في كتابته كل من الفقيدين محمد بوضياف ومحمد العيشاوي، هذا الأخير كان صحفيا بجريدة «العالم العربي» التي كانت تصدر بباريس، وقد اتصل به محمد بوضياف لإعداد وثيقة تتضمن أهداف ومبادئ حزب الشعب الجزائري، مضيفا بأنه بعد فترة وجيزة اتّصل بوضياف بثلاث شخصيات فاعلة وهمم مراد ديدوش ومصطفى بن بولعيد والعربي بن مهيدي، حيث ساهم هذا الخماسي في ظهور بيان الفاتح نوفمبر.
وبالموازاة مع ذلك، أشار المحاضر إلى مسألة الإعلان عن الثورة التي قال بشأنها إنها كانت حاسمة وحرجة بالنسبة لمفجّريها، كما برزت إشكالية الانطلاق في الثورة ثم القيام بالتنظيم أو العكس، وهنا جاءت المقولة الشهيرة للشهيد العربي بن مهيدي: «ألقوا الثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب»، وبالتالي تم الإعلان عن الثورة المبنية على القيم الإسلامية والوطنية وبكلمة السر «عقبة وخالد»، بعد 132 سنة من الاحتلال والاستدمار.
وفي ذات السياق دائما، تطرق مديني إلى معاناة أجدادنا خلال الفترة من نوفمبر 1954 لغاية أوت 1955، حيث عاشت الثورة التي انطلقت بأسلحة تقليدية وقليلة، مقابل ترسانة الجيش الفرنسي، فترة عصيبة باستشهاد أهم قائد بالولاية الثانية وهو مراد ديدوش بتاريخ 28 جانفي 1955، وبعدها ألقي القبض على مصطفى بن بولعيد في 11 فيفري من نفس السنة، وثالث قائد ألقي عليه القبض رابح بيطاط، واصفا بن بولعيد بأب الثورة التحريرية.
وقال أيضا، إن هجومات الشمال القسنطيني التي خطط لها الشهيد زيغود يوسف، تعتبر هي الأخرى منطلقا رئيسيا في إخراج الثورة من الفترة العصيبة، والتي حضّر لها منذ جوان 1955، من أجل فك الحصار عن الولاية الأولى «الأوراس»، مضيفا أن هذه الهجومات جاءت في إطار استراتيجية الثورة «اليوم في الجبال والقرى وغدا في العاصمة» وهو تحدّ للاستعمار الفرنسي بانطلاقها في منتصف النهار، حيث حققت جملة من النتائج، مشيرا إلى أن الثورة كانت تستشرف الوقائع وأدت إلى سقوط الحكومات الفرنسية الخمس، واستدعاء الجنرال شارل ديغول سنة 1958 الذي قابله قادة جبهة التحرير الوطني بتأسيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية.
وعن الدبلوماسية الجزائرية، قال أستاذ التاريخ إنها كانت ممتازة، وتمكنت من إجبار العدو على الجلوس إلى طاولة المفاوضات، بالرغم من مناوراته الدنيئة، موضحا في معرض تدخله أن الاتصالات بين الطرف الجزائري والفرنسي بدأت منذ أفريل 1956 بالعاصمة، حيث كان الفرنسي، أندري مندوز، وسيطا بين الطرفين وكان أول لقاء بشارع عبان رمضان، وفي هذا الشأن نوّه مديني بدور مندوز في مساندة الثورة.
وبالمقابل، صحح مفهوم الاستقلال قائلا: «أفضل كلمة استعادة السيادة الوطنية، لأن الجزائر كانت دولة قائمة بمؤسساتها قبل مجيئ الاحتلال الفرنسي، وليس الاستقلال»، متسائلا عن مدى تحقيق جيل اليوم لما كان يطمح فيه الأجداد وهو بناء دولة اجتماعية ديمقراطية في إطار المبادئ الإسلامية.