طباعة هذه الصفحة

بعد تأكيد حدوثها

الموجــة الرّابعـة..نتيجـة حتميـة للتّراخـي واللاّمبــالاة

استطلاع: فتيحة كلواز

  استهتار ولا مبالاة يتعامل بهما المواطن الجزائري مع وباء أثبت في موجات ثلاث سابقة أنه «فيروس» لا يؤتمن جانبه، ولا يمكن بأي حال من الأحوال الجزم بمعرفة كل تفاصيله البيولوجية والفيروسية، كان من المفروض توخي الحذر والتزام الإجراءات الوقائية، حتى وإن انخفضت الإصابات اليومية الى ما يزيد عن الستين إصابة في اليوم الواحد.
 رفع الحجر الكلي الصحي جعل كثير من المواطنين يعتقدون أن الوباء انتهى، وأن الحياة عادت إلى طبيعتها، بعيدا عن خطر العدوى وانتشار الوباء، وبالرغم من توصيات المختصين من أنّ الفيروس ما زال يبهر الأطباء بمميزاته الجينية لم يأخذها المواطن بعين الاعتبار، وفتح ذراعيه واسعا لكل ما كان يصنف في خانة «الحذر واليقظة»، ولعل العدد الكبير من الأعراس والولائم التي تزايد عددها في الشهر الأخير بشكل ملحوظ، في ضرب واضح للإجراءات الوقائية عرض الحائط. تستعرض «الشعب» اليوم آراء المواطنين حول موجة رابعة منتظرة.

حفل زفاف بعد 16 أشهر من الزّواج

شهرزاد 25 سنة، متزوّجة وأم لطفل يبلغ من العمر 15 شهرا، التقتها «الشعب» في محل لكراء «تصديرة العروس»، في البداية ظنّ الجميع أن الأمر يتعلق بعرس أختها التي رافقتها، لكن المفاجأة أن «التصديرة» لهذه الأم، ليس لأنّها تتزوّج للمرة الثانية بل لشيء آخر تماما، حيث صرّحت لـ «الشعب» قائلة: «في الأسبوع المقبل سأقيم حفل ختان لطفلي وفي نفس الوقت سيكون حفل زفافي الذي حرمت منه بسبب فيروس كورونا، فقد تزوجت شهر أفريل 2020، بصفة عادية حيث عقدت قراني ثم ذهبت إلى بيت زوجي دون حفل زفاف، لذلك كان الأمر بالنسبة لي صعبا جدا خاصة عند حضوري حفلات زفاف، وأرى العروس «تتصدر» لأجد نفسي أتخيل نفسي في مكانها فحتى الفستان الأبيض لم أرتده».
وواصلت شهرزاد قائلة: «عندما قرّر زوجي ختان ابننا فكّرت في حفل مزدوج من جهة حفل لابني، ومن جهة أخرى أعوض حفل زفافي بتصديرة كاملة، فقد قمت بكراء لباس قبائلي، قفطان ملكي، شدة تلمسانية، فستان سهرة، كراكو وفستان العروس الأبيض، في البداية تردّد زوجي في القبول لكن إصراري و»الحرقة» التي بقيت داخلي بسبب زواجي «الصّامت» جعله يقبل، وأنا في آخر تحضيرات زفافي المتأخر».
وعن الفيروس والوضع الوبائي، قالت شهرزاد: «الحمد لله تجاوزنا مرحلة الخطر، وأصبح بالإمكان العيش بصفة طبيعية دون خوف من العدوى أو الموت الذي شهدنا تفاصيله في الموجة الثالثة، لن أدّعي التزامي بالإجراءات الوقائية فقد وضعت الكمامة جانبا وأعيش بصفة طبيعية، لكن الأكيد أن الفيروس موجود حتى وإن كان ضعيفا».
رد فعل..
 في حين تنتظر شهرزاد الاحتفال بزفافها مع طفلها، يرى محمد سقال، تقني سامي في الصحة، أن الوضع الوبائي يعرف استقرارا منذ شهرين في الجزائر، لكن لن يعني ذلك أبدا التخلي عن الإجراءات الوقائية كصمّام آمان للإبقاء على مكسب صحي كان نتيجة موجات ثلاث متعاقبة توفي خلالها ما يقارب 6000 شخص بفيروس كورونا، وتجاوز إجمالي عدد الإصابات الـ 200 ألف إصابة بفيروس كورونا منذ فيفري 2020.
وأوضح في هذا الصدد: «وقع الكثير من المواطنين في مغالطة كبيرة بعد الرفع الكلي للحجر الصحي، حيث أعتقد أغلبهم أنّ الفيروس انتهى والحياة عادت الى تفاصيلها الدقيقة بعيدا عن خوف انتشار العدوى، لذلك كان من الطبيعي انتظار المختصين لموجة رابعة بدأت في الأسبوع الأخير تظهر ملامحها بشكل كبير بعد عودة ارتفاع الإصابات الجديدة، وبالنظر إلى طبيعة الفيروس نجد أنّ الأسابيع المقبلة ستعرف انتقال وانتشار الفيروس، ما يعني ارتفاع أكبر في عدد الإصابات».
وبالنظر إلى حملة التلقيح، لاحظ  تراجعا كبيرا في الإقبال على التلقيح، وبالرغم من تحذير المختصين حتى بعد رفع الحجر الصحي لم يأخذ المواطن توصيات الأطباء بعين الاعتبار، والسبب غياب تربية صحية سليمة، لذلك ارتبطت الموجات السابقة بالتراخي والاستهتار الذي يكون مقدمة لها، ولأن الجزائر اليوم تعيش نفس حالة اللامبالاة والامتناع عن التلقيح ستكون لا محالة الظروف مواتية لموجة رابعة ستكون صعبة بالنظر إلى نسبة الملقحين من المواطنين.
وأرجع سقال ضعف الإقبال على التلقيح باستقرار الوضع الوبائي، الذي ضاعف شعور المواطن بالأمان، لأن تعامله مع فيروس كورونا محصور في كونه رد فعل، أي أنه يقبل على التلقيح ويلتزم بالإجراءات الوقائية فقط عندما يشعر بـ «خطر» ارتفاع عدد الإصابات، ما يعني اقتراب دائرة العدوى منه ومن محيطه، وكان الأولى - حسبه - أن يندرج تعامله مع الفيروس في خانة الوقاية، أي أن يلتزم بكل ما من شأنه منع تدهور الوضع الصحي، خاصة ما تعلق بالتلقيح لأنه أنجع سبيل للحد من خطر الوباء، حتى وإن توسّعت سلسلة العدوى، لذلك كان من الضروري إعادة النظر في التعامل مع الوباء، لأنّنا أصبحنا كمن يضع حزام أمان السيارة أثناء الحادث وليس قبله.
دروس بلا عِبَر
 أضاف أنّ اللامبالاة أصبحت الطريقة الأنسب للمواطن في تعامله مع الوباء، خاصة بعد الرفع الكلي للحجر الصحي. ووصف عبد الجليل، سائق سيارة أجرة، التطورات الأخيرة للوضع الوبائي قائلا: «كان لابد من عدم رفع الحجر الصحي بصفة كلية لأنّنا كمجتمع عجزنا عن اكتساب ثقافة صحية سليمة تسمح لنا كأفراد بالالتزام بالإجراءات الوقائية بعيدا عن الخوف  من الإصابة خاصة واننا نتعامل مع فيروس مجهول في كل مرة يكشف عن خصائص جينية جديدة تثير الرعب عبر العالم، فمن «كورونا» إلى سلالاتها المتحوّرة «دلتا» دلتا بلوس، «مو» والآن «هيهي»، أصبح الشيء الأكيد أن الإجراءات الوقائية تحوّلت مع هذا الفيروس الى سلوكيات يومية لا يمكن التراخي في احترامها أو في الالتزام بها، لذلك - تقول - كثيرا ما أتشاجر مع الزبون بسبب الكمامة، فغالبا ما ينسى وضعها وعندما تخبره بإجبارية وضعها يخرجها من جيبه وكأنّها مجرد منديل له استعمالات محددة، لكن لن يعني ذلك بأن الزبون سيسكت أو سينصاع للملاحظة، ففي إحدى المرات تشاجرت مع زبون بسبب الكمامة، وعندما طلبت منه وضعها نزل من السيارة وهو يتمتم، وكأني أخطأت في حقه».
ولاحظ المتحدث أن الموجة الرابعة المنتظرة في الأسابيع المقبلة كانت نتيجة حتمية للامبالاة واستهتار أعقب الالتزام الكبير خلال جويلية الماضي الذي تزامن مع ذروة الموجة الثالثة، «لكن أثبتنا مرة أخرى كمجتمع أنّنا لا نستلهم الدروس من الأخطاء السابقة، فكيف لمن فقد ثلاثة افراد من عائلته في نفس الوقت أن يعود الى الاستهتار والتراخي، وهو من عاش خطورتها على صحة الفرد والعائلة بكل تفاصيلها المحزنة والمؤلمة».
العودة الممكنة
 جاء انطلاق حملة التلقيح بالجرعة الثالثة، آخر الأسبوع الماضي، ليساهم في تعزيز المناعة في الجزائر، لكن تراجع الإقبال على الحملة جعل تهديد الموجة الرابعة واقعا محتوما، زادها التراخي الكبير في احترام إجراءات الوقاية، خاصة بالنسبة لارتداء القناع الواقي والتباعد الاجتماعي، ما يهدد مكسب استقرار الوضع الوبائي خاصة منذ شهرين تقريبا، وطرح العودة إلى الحجر الصحي كخيار قوي في الأسابيع القادمة.