طباعة هذه الصفحة

التطعيم ضامن لاستقرار الوضع الوبائي

الشائعات تُعطّل حملة التلقيح وتُعيد شبح الجائحة

استطلاع: فتيحة كلواز

  مع إعلان دخول الجزائر الموجة الرابعة أصبح جليا أننا أمام تصاعد منحنى الإصابات الجديدة، خاصة وان التراخي والاستهتار تحولا إلى عنوان حقيقي ليوميات الجزائريين الذين تخلوا عن الحيطة والحذر لصالح تقليص مسافة التباعد الاجتماعي في انطلاق متأخر لموسم الأعراس والأفراح، وبعيدا عن الوعي والتحسيس وجد اللقاح بين هذا وذاك متهما بـ»اشتراكه» في مؤامرة عالمية لـ «تشفير» الإنسان بشريحة الجيل الخامس.
لأن المواطن الرقم واحد في استقرار الوضع الوبائي في الجزائر سألت «الشعب» المواطن عن سبب تعنته وعدم احترامه للإجراءات الوقائية التي تحولت إلى عبء ثقيل بالرغم من أنها أهم سلوك التزم به لما يقارب السنتين.
تهرب جماعي
«هو تهرب من مسؤولية جماعية يرفض المجتمع تحملها»، هكذا وصفت حليمة زمور التقتها «الشعب» بالترامواي، حيث قالت: «مع انخفاض عدد الإصابات الجديدة الى أقل من مائة وضع الكثير من الجزائريين القناع الواقي جانبا وتناسوا مسافة الأمان ليعودوا الى حياتهم الطبيعية التي مارسوها قبل مارس 2020، الغريب أن عودتهم كانت سريعة وكأنهم لم يمروا بكل ما عاشته الجزائر من موجات وباء كورونا الثلاث، بل حتى اللقاح تقهقر ترتيبه في أولويات حياتهم الجديدة بالرغم من كل الخوف والرعب الذي «ذاقوه» في جويلية الماضي عند بلوغ عتبة الـ2000 اصابة في اليوم الواحد، لذلك أصبح احترام الإجراءات الوقائية سلوك فردي لا يعني الآخر أبدا.»
ولاحظت حليمة أن «المؤسسات والفضاءات العامة تراخت في إلزام المواطن وإجباره على ارتداء الكمامة لتتحول إلى مجرد ملاحظة نقرؤها عند دخول أي محل أو مؤسسة أو فضاء عمومي، لكن لن ترتقي لأن تكون سلوك نقوم به بصفة عادية بعيدا عن الغرامات والعقوبات والمنع»، في الوقت نفسه قالت «إن المواطن أثبت مرة أخرى أن المجتمع يعاني غياب ثقافة صحية سليمة تسمح بالانخراط في مخطط وطني لمجابهة وباء بقي عصيا على المخابر العالمية، فلا يمكن فهم أن يرتدي المواطن الكمامة لما يقارب السنتين ليرميها في أول فرصة من رفع الحجر الصحي بالرغم من التوصيات المتكررة والدائمة للأطباء الحريصين على إعطاءه مختلف التطورات الصحية المتعلقة بفيروس كورونا في العالم والجزائر، لذلك أظن أن الأطباء النفسانيون هم المؤهلون لشرح حالة اللامبالاة التي تميز سلوكنا كمجتمع.»
حيل ذكية
على عكسها تماما، أكد محمد بن علي أن المواطن الجزائري جزء من مخطط لمجابهة الفيروس، سيضعف أي خلل من فعالية الدور الذي يؤديه في المجتمع، لذلك وعوض تحميله المسؤولية كاملة، على المعنيين إعادة النظر في باقي حلقات السلسلة لأن الفيروس عرّا هشاشة الضمير الجمعي للمجتمع الجزائري، حيث أوضح: «من الغريب أن يكون الاستهتار سمة تعامل الجزائريين مع كورونا، ومن العجيب أن ينحصر سلوكهم في مجرد ردة فعل لتطور الوضع الوبائي، لكن الأغرب أن يكون تجاوز عدد الإصابات 1000 اصابة في اليوم الواحد الحد الأدنى للالتزام بالإجراءات الوقائية، فنحن هنا أمام سلوك رافض للتقيد بها وكأنه لا يبالي لما سيؤول إليه الوضع بسبب التراخي، نحن اليوم أمام مجتمع يؤمن بقاعدة تجذّرت حتى أصبحت مرجعا ومنطلقا لسلوك الكثير من المواطنين، «تخطي راسي» جعلت من الجميع يعتبر نفسه بعيدا عن دائرة العدوى، حتى أصبحوا كمن يضع حزام الأمن بعد الحادث وليس قبله، مفاهيم اجتماعية تحتاج إلى دراسة ميدانية ستكون نتائجها أساس بناء مجتمع حقيقي يتحمل فيه الجميع مسؤولية الجميع.»
لكنه في المقابل، أكد أن المواطن لن يكون المشجب الوحيد لتحميله مسؤولية موجة رابعة بدأت معالم عدواها تتضح، لأن الحملات التحسيسية والتوعية انحصرت في ومضات إشهارية في مختلف وسائل الإعلام السمعية والبصرية، بالإضافة إلى ملصقات في الفضاءات العمومية ووسائل النقل، لكن لم تتجاوز تلك الحملات إلى السرعة القصوى، لأننا كمجتمع نؤمن بـ «الصدمة» كوسيلة إقناع قوية، لذلك كان من الضروري وضع إجبارية اللقاح لبلوغ نسبة المناعة الجماعية المنشودة.
فمثلا كان الفتح المشروط لملعب «مصطفى التشاكر» بالبليدة أمام المناصرين حيلة ذكية للتلقيح، فقد كانت مقابلة الفريق الوطني أمام بوركينافاسو فرصة لذهاب الكثير ممن يرغبون في مشاهدة الفريق الوطني في الملعب لأخذ جرعة اللقاح، لذلك كان من الضروري إيجاد طرق «تغري» المواطن للذهاب إلى مراكز التلقيح، ففي كثير من الأحيان تلعب سياسة «الشد» و»الجذب» دورا أساسيا في تحريك المواطن نحو الأفضل.»
وجها لوجه
بين مسؤولية جماعية وتراخ صادم لمجتمع يرفض احترام الإجراءات الوقائية والتوجه للتلقيح بالرغم من كونها السبيل الوحيد لتفادي الأسوأ، وضعت نصيرة شرقي مختصة في التخدير والإنعاش بمستشفى مصطفى باشا النقاط على الحروف لأن استقرار الوضعية الوبائية مسؤولية الجميع، فالكل معني بمختلف الإجراءات الكفيلة بالمحافظة على المكتسبات الصحية التي ربحتها الجزائر في معركتها المتواصلة ضد فيروس كورونا، لذلك كان من البديهي أن تصبح الإجراءات الوقائية التزام شخصي نحو المجتمع، لكنه على العكس من ذلك أبان رفع الحجر الصحي، شهر أكتوبر الماضي، أنها مجرد عبء تخلص منه الجزائريون بمجرد تعليق الوزارة الأولى لإجراءات الحجر المنزلي.
وفي وسائل النقل والفضاءات العمومية ترى أغلب المتواجدين فيها غير مبالين بالإجراءات الوقائية، الأدهى والأمر أنك تعتقد أن ثقتهم مستمدة من التلقيح لكنهم لم يأخذوا جرعات اللقاح، ضاربين بذلك توصيات الأطباء عرض الحائط، وكشفت شرقي أن عملها في غرفة العمليات وضعتها وجها لوجه مع الفيروس، فقد شهدت موت شباب لا يتعدى سنهم 25 سنة وشاهدت موت آباء زملائها بسبب وباء يكشف في كل مرة عن خصائص جينية جديدة.
في السياق نفسه، ذكرت المختصة في التخدير والإنعاش بضرورة احترام الإجراءات الوقائية التي لا تتطلب جهدا كبيرا لاحترامها، بل قليل من الوعي لإخراج الكمامة من دائرة «اكسيسورات» تعلق في الرقبة أو الذراع، إلى وسيلة وقائية تغطي الأنف والفم لمنع انتقال العدوى لصاحبها، بالإضافة الى التباعد الاجتماعي فلن يحول متر واحد دون أن نحب بعضنا أو نتواصل مع بعضنا.
طوق نجاة
أكدت شرقي أن الاستعمال الصحيح للكمامة ومسافة الأمان سيحول على الأقل من انتشار العدوى بسرعة قد تخرج عن السيطرة إن تواصلت حالة التراخي والامتناع عن التلقيح داعية المواطنين إلى الاتجاه الفوري لمراكز التلقيح من أجل بلوغ المناعة الجماعية المرجوة، ولنا في الإمارات العربية المتحدة التي أعلنت نهاية الوباء بعد تلقيح 85 بالمائة من سكانها، دون أن ننسى ألمانيا التي تسجل أكثر من 60 ألف إصابة يوميا، لكنها بقيت محافظة على حالة الاستقرار في مستشفياتها التي لا تعرف اكتظاظا بالرغم من العدد المرتفع للإصابات والسبب طبعا التلقيح الذي يمنع تعقد الحالة الصحية للمصاب، حيث يكفي اخذ البرتوكول العلاجي والحجر المنزلي للعودة إلى الحياة الطبيعية.
في ذات السياق، اعتبرت المتحدثة التلقيح أنجع وأقصر طريق للخروج من حالة الترقب والانتظار التي تسبق موجة الوباء، لأننا تجاوزنا مرحلة الغلق ودخلنا مرحلة التعايش مع فيروس أصبح تفصيلا مهما في حياة البشرية، لذلك لن يكون طوق نجاتها سوى جرعات لقاح تعطي المرء الفرصة للعيش دون خوف من العدوى، في حرب هي حرب وعي والتزام بالدرجة الأولى، فالشعوب الأكثر وعيا والتزاما استطاعت تجاوز الخطر بسهولة ودون أن يكون عبء على أفرادها.