طباعة هذه الصفحة

استراتيجية لتفادي الكوارث الطبيعية

الوديان “النائمـة”... تهــدد النـاس والممتلكات

فتيحة كلواز

 الحرائـــق خطر ينذر بفيضانــــات عارمــــة

 865 موقع عرضة لمخاطر التقلبات المناخية

مع استمرار تهاطل الأمطار، عادت الى الأذهان صور السيول الجارفة والفيضانات العارمة التي غالبا ما تكون سببا في خسائر مادية وبشرية. فمع استيقاظ الوديان “النائمة” وارتفاع منسوب مياهها، يعيش المواطن هاجس ثاني الأخطار الكبرى المصنفة من طرف وزارة الداخلية والجماعات المحلية والتهيئة العمرانية.

أحصت وزارة الداخلية 10 أخطار كبرى بموجب المادة 10 من القانون رقم 04-20 الصادر في 25 ديسمبر 2004، المتعلق بالوقاية من الكوارث وتسييرها هي: الزلازل والأخطار الجيولوجية، الفيضانات، تقلبات الطقس، حرائق الغابات، الأخطار الصناعية والطاقوية، أخطار الإشعاعات والأخطار النووية، الأخطار المتعلقة بالصحة البشرية، الأخطار المرتبطة بالصحة الحيوانية والنباتية، التلوث البيئي والأرضي والبحري أو تلوث المياه، وأخطار الكوارث المرتبطة بالتجمعات البشرية الهامة.
للحد من تأثير خطورة هذه الظاهرة، قامت وزارة الموارد المائية بتجسيد خطة برنامج تم المصادقة عليه من طرف الحكومة في 25 نوفمبر 2020 من أجل التكفل بـ865 موقعا مهددا بالفيضانات حسب درجة الخطورة الموزعة على 112 موقع ذات مخاطر عالية جدا و291 موقع ذات مخاطر عالية، الى جانب 475 موقع ذات مخاطر نسبية إلى ضعيفة.
وسطرت الوزارة استراتيجية عمل تم فيها اتخاذ مجموعة من الإجراءات الهيكلية وغير الهيكلية لكل موقع مصنف، تتضمن وضع أنظمة التنبؤ بالفيضانات وإنشاء بنى تحتية للحد من خطورتها، إلى جانب تحديد أنظمة إدارة الأزمات الناتجة عنها، ووضع برنامج تحسيسي وتوعوي لفائدة المواطنين المتمركزين في المناطق المهددة بالفيضانات. كما سيبدأ تجسيد هذه الاستراتيجية المسطرة تدريجيا، بدءاً بالمناطق الأكثر تهديدا، ثم الأقل تهديدا حسب التصنيف المسطر وذلك إلى غاية 2030.
التغيرات المناخية سبب مهم
في تصريح سابق لـ “الشعب ويكاند”، قسّم الخبير في التغيرات المناخية ورئيس المجموعة الإفريقية للتغيرات المناخية كمال جموعي، وجود أسباب حدوث تلك الكوارث إلى نوعين، كشف في الأول الفرق بين ما يسمى بالكوارث الطقسية والكوارث المناخية لوجود فرق بين الطقس والمناخ، علميا وتقنيا.
 فمعظم الكوارث التي يتسبب فيها الطقس، تحدث بسبب ارتفاع درجة الحرارة لانبعاث غازات الاحتباس الحراري، ما يجعل الطقس يتأثر بما يسمى بالتأثيرات أو التغيرات المناخية كالتي نشهدها منذ زمن، على غرار الفيضانات والأعاصير، حيث لاحظ العلماء تغير حجمها بسبب ارتفاع درجات الحرارة على سطح الأرض جراء الاحتباس الحراري.
وفي المقابل، لاحظ المختصون حدوث فيضانات لم تكن بنفس الحدة من قبل، مرجعا التغيرات إلى ثلاث نقاط: الأولى، التغيرات المناخية التي لها مخلفات على الطقس والأحوال الجوية وهذا النوع من الاضطرابات تصبح شديدة القوة وأشد مما كانت عليه من قبل. الثانية، يرتفع عددها، فبعد أن كنا نشهد اضطرابا واحدا او اثنين خطيرين من هذا النوع، اليوم أصبح عددها أكبر قد يصل إلى أربعة أو خمسة.
أما الثالثة، فتمثل في حدوث الاضطراب الجوي في أماكن غير معتادة.
وأوضح في هذا السياق، إنها النقطة التي تكلم عنها منذ 15 سنة، حول ما سيحدث مستقبلا بسبب التغيرات المناخية، لأن وقوعها في مناطق غير معتادة يمثل خطرا كبيرا على المجتمع، السكان، المحيط والأنظمة الإيكولوجية وغير ذلك.
أما النوع الثاني من الأسباب، فأرجعه جموعي الى تهيئة الإقليم والعمران، كالطرق ومجاري المياه وإلى غير ذلك... فعند البحث عن سبب الفيضانات، لا يستطيع المختصون إعطاءها تبريرا علميا أو تقنيا او انها راجعة للتغيرات المناخية بصفة مباشرة.
وأكد ان انعدام التهيئة اللازمة التي تأخذ بعين الاعتبار المعطيات الخاصة بالتغيرات المناخية الناجمة عن الاحتباس الحراري وأثرها كتهيئة الطرق، العمارات، البالوعات ستحدث الكارثة، لذلك وجب – بحسبه-  تغيير النظرة الى هذه المسألة من خلال أخذ التغيرات المناخية بعين الاعتبار في كل مشروع وكل مخطط نريد إنشاءه، مع اختيار المكان المناسب لإنشاء الأحياء السكنية وإعادة النظر في خريطة توزيع كل المنشآت الإدارية والمصانع، حتى تكون الأحياء منسجمة مع المعطيات المناخية الجديدة.
فكل تخطيط، أو تهيئة، كل بناء وكل مشروع، يجب أن يأخذ بعين الاعتبار تفاقم أثار التغيرات المناخية مستقبلا.
التوسع العمراني والوديان النائمة
للتوسع العمراني دور مهم في حدوث الوديان بسبب عدم احترام المعايير التقنية ومخططات البناء والتهيئة المعدة لذلك، خاصة البناء غير المرخص على ضفاف الوديان الذي يؤدي الى تقليص عرض مجرى الأودية ما يزيد من احتمالية فيضانها عند تساقط الأمطار بغزارة وبشدة عالية.
وتحثّ السلطات المعنية المواطنين على عدم البناء قرب الأودية، نظراً للأخطار المحدقة في حال حدوث فيضانات أو سيول جارفة، حيث يلزم القانون 29-90 كل راغب في بناء منزل أو الاستفادة من رخصة بناء بأن يزود المصالح المحلية بمخطط البناء، ويفترض أن تكون الأرض مناسبة وبعيدة عن الوديان.
 إلا أن القانون لا يطبق بسبب الفوضى وعدم احترام المخططات العمرانية، الأمر الذي يؤدي إلى حدوث كوارث، يشار إلى أن غالبية الوديان المنتشرة في الولايات تحيط بها مشاريع ومبان سكنية ومنشآت إدارية ومحطات للنقل العام وغيرها، “من دون وجود أي إجراءات وقائية” أو مراعاة لاحتمال عودة جريان المياه.
ونشر نادي المخاطر الكبرى تقريراً في 2018 أشار فيه إلى أن 700 بلدية من 1541 بلدية تتوزع على التراب الوطني مهددة بفيضانات الوديان، لأن كثيرا من الولايات تقطعها وديان، على غرار ولاية برج بوعريريج، سيدي بلعباس، عين الدفلى، باتنة، المدية، بشار، المسيلة، الجزائر العاصمة، وأقصى الجنوب مثل تمنراست وعين قزام.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، توجد 12 بلدية في ولاية برج بوعريريج معرضة لخطر الفيضانات الطوفانية، إما لتموقعها بمحاذاة الأودية، أو لوجود أودية تعبرها، أو لكونها مشيدة فوق مجاري الأودية، والتي يبلغ تعدادها 13 وادياً.
لذلك، وضع الخبراء طرقا محددة تساعد في التخفيف من آثار الفيضانات، من أهمها تهيئة الوديان بما يسمح باحتواء تدفق المياه مما يمنع حدوث الفيضان، أو إنشاء حواجز أو سدود صغيرة تقلّل من تدفق المياه، وبالتالي تمنع كذلك حدوث الفيضانات، بالإضافة الى وضع خرائط تساعد على اتخاذ القرارات قبل حدوث الفيضان.
أما النوع الثاني من خرائط الفيضانات، فيمكن استخدامه كـ “نظام تنبيه” من قبل السلطات الولائية وكذلك الحماية المدنية من أجل تحذير المواطنين، وكذلك القيام بعمليات إجلاء في حال توقع سقوط أمطار يُـمكن أن تخلف فيضانات.
وتعتمد هذه الخرائط على النشرات أو التقارير الخاصة بالطقس الصادرة عن الديوان الوطني للأرصاد الجوية، عبر توقع كميات التساقط اليومية، ثم إسقاطها مباشرة على الخريطة، بهدف معرفة المناطق الأكثر عرضة لخطر الفيضان.
الضفاف... الخطر الأكبر
من جانبه أكد مدير الاستغلال والصيانة على مستوى الديوان الوطني للتطهير عزالدين يخلف، في اتصال مع “الشعب ويكاند”، أن الديوان الوطني للتطهير يسير شبكة تطهير على مستوى 44 ولاية بحوالي 60 ألف كلم طولي، تعتمد تقنية تصريف المياه، سواء كانت مياه الأمطار أو المستعملة، حيث تقوم بإجراءات استباقية ووقائية لتفادي الامتدادات على مستوى الشبكة تتلخص في تنقية البالوعات المربوطة بالشبكة.
واعتبر المتحدث الفيضانات حالة طارئة، تساهم جميع الشركات المعنية بالتدخل، عمومية أو خاصة، في نجدة المواطنين، حيث يضع الديوان فرق مناوبة مجهزة بعتاد ثقيل للتدخل، فقد اقتنى مؤخرا 40 شاحنة تفريغ هيدروليكية كبيرة ذات سعة 26 م3 لتسريح القنوات، تعمل بتقنية ضخ المياه تحت الضغط العالي، بالإضافة الى تجهيز هذه الشاحنات بمضخات لدفع المياه الراكدة لتسريع العملية من خلال الامتصاص وتسريح البالوعات لتسريع عملية تصريف المياه.
في السياق نفسه، كشف يخلف أن تدخلات الديوان، منذ جانفي الماضي الى غاية نوفمبر الجاري، تعد بالآلاف، حيث تمت تنقية ما يقارب 4600 وحدة مشاعب. أما بالنسبة للبالوعات الموجودة خصيصا لابتلاع المياه الراكدة والأمطار فبلغت 18 ألف و300 بالوعة.
وبالنسبة للتدخلات في فترة تساقط الأمطار والفيضانات، فتجاوزت 69 ألف متر طولي. عن تدخلات الديوان شهر نوفمبر الجاري فقد تمت تنقية 970 مشعب، 5800 بالوعة، مؤكدا تضاعف تدخلات الديوان الوطني للتطهير الى الضعفين او أكثر مقارنة بالعام الماضي، ما يبين – بحسبه- حجم الأمطار المتساقطة في الفترة الأخيرة، ولاحظ أنه “مهما كانت المدن نظيفة، إلا أن مياه الأمطار تحمل معها الأتربة ما يتسبب في انسداد المشاعب والبالوعات”.
بناء غير مرخص
وأرجع يخلف أهم أسباب تداعيات الفيضانات الى العامل البشري، حيث دعا المواطن الى رمي النفايات في مكانها لتفادي الفيضانات، فأغلب تدخلات الديوان تنحصر في تنقية البالوعات، خاصة سطحها لتراكم النفايات الصلبة عليها، كالأتربة مخلفات إعادة تهيئة المنازل، بالإضافة الى البناء الفوضوي وغير المرخص على ضفاف الأودية. ولعل ما حدث بداية شهر نوفمبر الجاري بولاية الشلف، خير مثال على ذلك، فقد ارتفع منسوب مياه وادي بوخندق ووادي تاغزولت، ما استدعى تدخل السلطات المختصة لإخلاء المكان من العائلات القاطنة بمنازل مبنية على ضفاف الواديين، خوفا من أن تغمرها المياه.
وفي الوقت نفسه، دعا المواطن الى التحلي بروح المسؤولية حتى لا يعرض حياته وحياة عائلته للخطر، ببنائه على ضفاف الأنهار بدون دراسة أو ترخيص. فالملاحظ ان أغلب البنايات المتضررة تشيد في أماكن مهددة بالفيضانات كضفاف الأودية، لذلك يكون معظمها غير مرخص.
وذكر يخلف أن الديوان الوطني للتطهير أطلق حملة تطوعية كبيرة تحضيرا لفصل الشتاء والوقاية من خطر الفيضانات، كانت آخرها تلك التي أطلقتها هذا الأسبوع على مستوى ولاية برج بوعريريج، حيث تتم عملية ولائية كبرى لتنظيف البالوعات ومجاري تصريف مياه الأمطار وقنوات الصرف الصحي والقضاء على النقاط السوداء بالمدينة، فيما قامت بعملية استباقية ابتداء من شهر أوت الفارط مسّت كل البلديات المسيرة من طرفها من خلال تنقية وتنظيف كل البالوعات، الأودية وقنوات الصرف الصحي.
حرائق الغابات... سبب إضافي
للإشارة، غالبا ما تشكل الحرائق عاملا إضافيا في حدوث فيضانات بسبب عوامل التعرية، بعد التهام النيران للغطاء النباتي، إذ أن المياه الناجمة عن تساقط الأمطار وخصوصا في الجبال والمرتفعات تجد الطريق أمامها مفتوحا للنزول بقوة شديدة في المنحدرات نحو الشعاب والوديان، لتجرف كل ما تجده في طريقها، ما يتسبب في فيضانات وقطع حركة المرور وتهديم الجسور والمنازل وغيرها.