طباعة هذه الصفحة

ترميم المباني القديمة في سكيكدة

مشــروع ولـــد ميّتا

سكيكدة: خالد العيفة

 تستمر معاناة سكان المدينة القديمة بسكيكدة، جراء الوضعية المتردية التي حوّلت حياتهم إلى مأساة، وتأخر تدخل السلطات المعنية عند تسجيل انهيارات جزئية، هذا الوضع بات يهدّد بكارثة حقيقية، خاصة وأن المصالح التقنية صنفت عشرات البيوت في الخانة الحمراء، وبالرغم من رصد أغلفة مالية لإعادة ترميمها، إلا أن العملية كانت ترقيعية وسط غياب الرقابة.
 حسب أرقام رسمية، استفادت ولاية سكيكدة من برنامج ترميم البنايات القديمة، بقلب المدينة، وتحديدا بشارع ديدوش مراد المعروف باسم شارع الأقواس سنة 2016، شملت 604 مساكن موزعة على 127 بناية قديمة تعود إلى الحقبة الاستعمارية، وتمّ الشروع في ترميم 4 عمارات تضم 19 سكنا و16 محلا تجاريا ضمن الحصة 14، بعد نجاح الدراسة التي أُسندت إلى المجمع الجزائري الإسباني «آكويدوس».
تولّت عملية التهيئة مؤسسة محلية مؤهلة، شرعت في أعمالها انطلاقا من الحي الإيطالي العتيق، بعد أن تم الاتفاق المبدئي على التكفل بوضعية القاطنين في تلك البنايات الهشة عن طريق ترحيلهم إلى سكنات جديدة ضمن الحصص التي يتم توزيعها في وقت قريب، لكن الأمور لم تتم حسب ما كان يصبو إليه ديوان التسيير العقاري، بعد أن رفض أغلب السكان بمن فيهم التجار، مغادرة السكنات المعنية بعملية الترميم، حيث أرجع ديوان الترقية والتسيير العقاري بولاية سكيكدة، تأخر عملية ترميم مباني النسيج العمراني القديم بقلب المدينة، إلى صعوبات تعترض المؤسسة المكلّفة بأشغال الترميم، منها رفض السكان مغادرة سكناتهم نحو سكنات جديدة خُصّصت لهم كحل مؤقت ريثما يتم الانتهاء من العملية، ونفس الشيء بالنسبة للتجار؛ ما جعل عملية الترميم الحالية تتم بعشوائية، فيما مسّت أساسا الواجهة الخارجية التي تفتقد للمسحة الفنية المرجوة.
وبالرغم من توجيهات تعليمات لمصالح «ديوان الترقية والتسيير العقاري»، باتباع الإجراءات القانونية، من إعلام الأسر المعنية، وتحسيسها بترك سكناتهم حتى تتم عملية الترميم في أحسن الأحوال، وتوجيه إعذارات لهم عن طريق المحضرين القضائيين، إضافة إلى تخصيص البناية التي ستحتضن هؤلاء السكان مؤقتا، إلا أن كل ذلك لم يساهم في تقدم المشروع.
ويعد مشروع ترميم مباني النسيج العمراني القديم بقلب المدينة، من بين أهم وأكبر المشاريع التي تم تسجيلها ضمن البرامج التنمية المحلية بسكيكدة، إذ خُصص له غلاف مالي إجمالي يقدّر بـ 1.5 مليار دينار، يشمل الدراسة وأشغال الإنجاز التي تم تقسيمها إلى 24 حصة.
وقد تمّ الشروع في عملية الترميم بعد الانتهاء من الدراسة التي أُسندت إلى المجمّع الجزائري الإسباني المكون من هيئة الرقابة التقنية للشرق، ومكتب الدراسات الإسباني «آكويدوس»، بغلاف مالي يزيد عن 425.5 مليون دينار، وشملت الدراسة الأشغال الاستعجالية المؤقتة وأشغال رد الاعتبار، حيث يهدف الشق الأول منها إلى تأمين محيط التدخل، وحماية الأشخاص والممتلكات من خطر تهديم بعض البنايات، التي تتطلب التدخل العاجل؛ كون الأشغال المبرمجة لا تتكيف مع آجال إجراءات إبرام الصفقات العمومية.
المدينة القديمة تسيل لعاب مافيا العقار
 أولت السّلطات الولائية اهتمامها لترحيل سكان البيوت القصديرية، وهو البرنامج الذي استهلك أكثر من 2000 سكن بعاصمة الولاية، ولكنها تجاهلت البيوت الهشة المعرضة للسقوط رغم أنّ سكانها الأكثر عرضة لخطر الموت ردما.
واكتفى مسؤولو قطاع السكن والولاة المتعاقبين، بتقديم وعود ترحيل سكان البيوت المهددة بالانهيار، بدون تنفيذها، بالرغم من أن عدد العائلات التي لا تزال تقطن هذه البنايات، تقدّر بالعشرات حتى لا نقول المئات بحي «حومة الطليان» وهي مهدّدة بالموت في أيّة لحظة بسبب هشاشة سكناتها، كما تنتظر نظيراتها من العائلات القاطنة بمختلف أحياء المدينة القديمة، نفس المصير.
وأعدّت هيئة المراقبة التقنية للبنايات «ctc»، ومصالح الحماية المدنية تقارير حول وضعية هذه الأحياء، وطالبوا البلدية بالإخلاء الفوري لعديد البنايات وترحيل سكانها قبل وقوع الكارثة، غير أنّ السياسة المتبعة في معالجة الملفات، والاعتماد على الحلول الترقيعية بغرض تهدئة السكان قد تكون نهايتها مأساوية لأنّ هذه الأحياء تشهد في كثير من الأحيان انهيارات جزئية للبنايات الآهلة بالسكان.
وما تزال العديد من المباني المتواجدة بالأحياء القديمة بمدينة سكيكدة، تشكّل خطرا حقيقيا على قاطنيها، خاصة تلك المصنّفة في الخانة الحمراء، والتي ما تزال إلى يومنا هذا تأوي عائلات تعيش الخطر الحقيقي منذ سنوات، وتنتظر بفارغ الصبر قرار ترحيلها إلى سكنات جديدة وآمنة.
وانهارت مؤخرا سلالم بناية بحي بنهج 11 مصطفى بن بولعيد، رهنت حياة 6 عائلات، كما انهارت سلالم بناية تتكون من ثلاثة طوابق يأوي 8 عائلات بالمكان المسمى نهج طاهر جواد بالحي العتيق بمدينة سكيكدة.
وتحوّلت المدينة القديمة، لاسيما «نابوليثان»، إلى ملاذ أصحاب «الشكارة»، للاستيلاء على العقار، ومساومة أصحاب البنايات الآيلة للسقوط من أجل شرائها، واستغلال الأرضية في مشاريع سكنية بأسعار خيالية، لوجودها في موقع استراتيجي.
وبالرغم من أنّ عمليات ترحيل قاطني المدينة القديمة تواصلت في السنوات الأخيرة، إلا أن ذلك لم يغير من وضعها، لاسيما وأن العديد من العائلات الوافدة، تأخذ مكان العائلات المرحلة، ممّا أعاق السلطات المحلية في إيجاد حل نهائي لهذه المعضلة.
ومسّت آخر عملية الترحيل، 104 عائلة تقطن بشقق مصنفة في الخانة الحمراء والمتواجدة في البنايات الهشة بقلب المدينة القديمة، وتحديدا على مستوى «حومة الطليان»، وبالقرب من السوق المغطاة بوسط المدينة. العائلات حولت إلى سكنات جديدة تتواجد بعدة أحياء، وهي على التوالي 500 مسكن بالزفزاف، حي 1500 مسكن مسيون 2 ببلدية سكيكدة وحي 1500 مسكن بالمدينة الجديدة بوزعرورة ببلدية فلفلة الواقعة حوالي 18 كلم شرقي عاصمة ولاية سكيكدة.
هذا وقد تمّ تسخير إمكانيات معتبرة للمساهمة في عملية ترحيل العائلات المنكوبة من زمن بسبب عيشها في شقق كانت معرضة فيها للموت في أية لحظة بسبب تآكلها واهترائها بالكامل، حيث تزيد مخاوف هذه العائلات ومثيلاتها مع حلول فصل الشتاء، حيث تتعرّض لتساقط الأمطار المستمر وهبوب الرياح القوية، الأمر الذي يتسبّب في ازدياد التشققات والتصدعات على مستوى الأسقف، الجدران والسلالم.