طباعة هذه الصفحة

سُــــــــــــــدّوا الفُـــــــــرَج

وليد عبد الحي
06 جانفي 2022

من بين ثغرات السلوك السياسي تاريخيا، يمثل العجز عن مغادرة أدران التاريخ القديم او الحديث إحداها، وعدم القدرة على مغادرة رواسب نقاط الالتباس في العلاقات الدولية.

 ويبدو أن قوى التحرر العربي في فلسطين ولبنان وسوريا لم تدرك خطورة هذه الظاهرة. فالخلافات التي نشبت بين هذه القوى بسبب الربيع العربي وتداعياته تغوي الخصوم على توظيف هذه الظاهرة، وهو الأمر الذي لاحت ساريته، في الأسبوع الماضي، خلال زيارة وفد فلسطيني مقاوم إلى بيروت دون ان يجد الترحاب المتوخى، وهو ما يشكل تدرنا في جسد قوى التحرر العربي.

ذلك يستدعي عددا من الإجراءات من قبل هذه القوى أو ممن يقف بجوارهم في صف التحرر. وأول هذه الإجراءات تأجيل البحث في أسباب الخلاف الى حين الاتفاق على لقاءات تقود الى إعادة رص الصفوف وسد الفُرج، ولا شك أن ظاهرة مراجعة المواقف بين المتحالفين هي ظاهرة تاريخية عرفتها كل النظم السياسية بكافة أشكالها، لكن الهدف الأهم هو بقاء التحالف وإدارة التنازع بين المتحالفين من خلال تغليب الاستراتيجي على التكتيكي.

لا يخفى على الدارس لظواهر العلاقات الإقليمية في منطقتنا، ان هناك ورم في جسد قوى التحرر لابد من معالجته قبل أن يُؤكل الثور الأسود والأبيض.

وأعتقد ان الخطوة الاستراتيجية لتحقيق ذلك، يجب ان يتم من خلال مساعٍ حميدة (Good Office) تقوم بها قوى حريصة على قوى التحرر العربية.

لذا، أرى أن جبهة التحرير الوطني الجزائرية هي الأكثر تأهيلا للقيام بهذه المساعي، نظرا للاحترام الكبير والعلاقات الودية للغاية بين الجزائر وقوى التحرر العربي في سوريا ولبنان وفلسطين، وعليها أن تحاول بكل ما نعرفه عن الدبلوماسية الجزائرية من ذكاء، إدارة مثل هذه الالتباسات بعيدا عن الأضواء وعن مستنقعات الخلافات العربية الأخرى.

إن الاحتقان الذي يتزايد في المنطقة، لأسباب محلية وإقليمية ودولية، يستدعي تعزيز النزعة العقلانية والابتعاد التام عن «دبلوماسية الكيد ونزق ردات الفعل» من هذا المسؤول وذاك.

إن الخلاف في العلاقات الدولية بين الحلفاء، هي كما أشرت، ظاهرة طبيعية عليها مئات الأمثلة، لكن الذكاء الدبلوماسي يستوجب لقاء الحلفاء لإعادة رسم قواعد التحالف من ناحية وإيلاء اهتمام أكبر لقواعد إدارة التحالف لكي لا يلدغ المؤمن من الجحر مرتين من ناحية ثانية... وان أي معالجة علنية للندب في وجه تحالف قوى التحرر والمقاومة العربية سيقود لمزيد من التعقيد، ولي في جبهة التحرير الوطني وكوادرها ذات الخبرة من زمن الثورة الجزائرية، كل الثقة بأنها قادرة على أداء هذه المهمة، وعلى قوى التحرر والمقاومة ان يترفّعوا عن نرجسية الفروق الصغيرة لكي لا نشاهد ما شاهدناه في الأسبوع الأخير في بيروت من «مكايدة»، عكستها بعض اللقاءات التي لا وزن لبعض أطرافها في معادلة القوى الإقليمية، ولكن ما زال لمدرسة المكايدة العربية تلاميذها... فهل تقوم جبهة التحرير بهذه المهمة؟ سؤال أتمنى ان لا يبقى معلقا لفترة طويلة...