طباعة هذه الصفحة

المشهد الثّقافي بتندوف يعيش حالة من الفوضى والتّشتّت

ضرورة استحداث آليات تضمن انتقال الموروث اللامادي إلى الأجيال

تندوف: علي عويش

لم يكن قطاع الثقافة بولاية تندوف خلال سنة 2021 بأحسن حال من السنة التي قبلها، فجائحة كورونا التي أثّرت على العديد من فئات المجتمع في قطاعات واسعة، ألقت بظلالها على نشطاء المشهد الثقافي، وفرضت عليهم التكيّف مع الجائحة حسب الإمكانيات المتاحة أمامهم خدمة لتطلّعات المواطنين.

 تعتبر ولاية تندوف فسيفساء ثقافية جمعت كل الطّبوع الغنائية والألوان الثقافية لتنصهر في بوتقة واحدة، مُشكّلة مشهدا ثقافيا يكاد يكون منفردا على المستوى الوطني، فالموقع الجغرافي للولاية وتاريخها المرتبط بقوافل التجار والحجيج جعل منها حاضنة للعديد من الثقافات الافريقية، العربية والأمازيغية التي تعايشت فيما بينها دون تأثّر أو تأثير أو سطوة ثقافة على ثقافة أخرى.

تنوّع المشهد الثقافي بالولاية، لم يكن حائلاً دون تسجيل العديد من المشاكل التي يعاني منها نشطاء القطاع، فبُعد الولاية عن مراكز التمويل وارتفاع تكاليف النقل للمشاركة في التظاهرات الوطنية، جعل الكثير من الفرق الفلكلورية تمتنع عن الحضور للتعريف بالمنتوج الثقافي المحلي، بل توجّهت بعض الفرق الأخرى الى الاستعانة بمواقع التواصل الاجتماعي وتنظيم حفلات افتراضية لإرضاء شغف المواطنين.

 

غياب آليات للتّوجيه

 

 يرى الحرفي في صناعة الآلات الموسيقية التقليدية سالم كابوس، أنّ المشهد الثقافي بولاية تندوف يعرف حالة «غير مسبوقة» من التشتت والفوضى، ذلك أنّ العديد من الفنانين الصغار الناشطين اليوم في مجال الأغاني التراثية، لم يتلقّوا القدر الكافي من التوجيه، سواء ما تعلق بالجانب الإداري أو الفني، حيث اعتمدت أنشطتهم وأعمالهم على مجهودات فردية لا ترقى الى درجة عمل فني محترف.

وأعرب المتحدّث عن تخوّفه من تكرار السيناريو الذي عاشته فرقة «الشوار» التي سطع نجمها في الماضي، وكانت تمثل أيقونة الغناء الملتزم بالولاية، غير أنّ الفرقة انتهت باستسلام أعضائها لعامل السن، وغياب عنصر التوريث والتوجيه، وهو مصير - يضيف المتحدث - قد يتكرّر مع الطبوع الغنائية الأخرى إذا لم يتم تدارك الوضع والتفكير في استحداث آليات جدية تضمن انتقال الموروث الثقافي الى الأجيال القادمة.

وأردف سالم قائلا إنّ مادة الجلد التي تعتبر مكونا أساسيا في صناعة كل الآلات الموسيقية التقليدية، وبالرغم من وفرتها في المنطقة على شكلها الخام، إلا أن تحويلها الى مادة صالحة للاستخدام يحتاج من الحرفيين جهدا إضافيا عبر مراحل تأخذ المال والوقت، وهذا راجع الى افتقار المنطقة إلى مدبغة للجلود، بالإضافة إلى صعوبة تسويق مختلف المنتجات التقليدية لأسباب اعتبرها «موضوعية» تتعلق في مجملها بنقص المشاركة في المعارض الوطنية والدولية، وافتقار المنطقة لحركية سياحية حقيقية تضمن لهم الترويج لمنتجاتهم، مشيرا إلى أنّه على ضوء  غياب المواد الأولية التي تدخل في صناعة الآلات الموسيقية، لن يكون هناك وجود لتلك الآلات غير المتاحة في الأسواق، وبالتالي لا وجود للفرق الفكلورية.

 

حضر الفن..وغابت البطاقة

 

 المشهد الثّقافي بولاية تندوف ثري بمكوّناته وتشعّباته التي أضفت على المنطقة ميزة خاصة، قد لا تتوفّر في باقي ولايات الوطن، فثقافة المنطقة استطاعت احتواء العديد من الألوان والطبوع الغنائية والشعرية دون سلطان أحدها على الآخر أو غلبة لون على حساب آخر، فحافظ كل منها على خصوصياته ومتابعيه.

الألوان والطّبوع الثقافية متنوعة بالولاية، غير أنّ الثابت الوحيد هو غياب بطاقة الفنان عن المشهد الثقافي بالولاية باستثناء فنان واحد، فمعظم الناشطين في حقل الثقافة والفن بولاية تندوف هم هوّاة يتّخذون من الثقافة نشاطا ثانويا إلى جانب وظائفهم الأصلية.

يرى تياح أبوبكر، رئيس جمعية نشاطات الشباب، أن غياب بطاقة الفنان قلّص من حظوظ الفنانين المحليين في المشاركة في الفعاليات الوطنية، داعيا الى تمكين الهواة من الحصول على البطاقة التي ستفتح أمامهم آفاقا واعدة، وتمكنهم من تسويق منتوجهم الثقافي والمشاركة في الترويج السياحي، معتبرا أن التعامل مع  الفنانين المحليين كهواة من شأنه توسيع الهوة بين الفنان والإدارة، وسيدفع بالكثير من الشباب إلى التخلي عن شغفهم بالفن والثقافة.