طباعة هذه الصفحة

من رموز النضال

حمو بوتليليس.. شهيد بلا قبر

يعد الشهيد حمو بوتليلس “الشهيد بلا قبر”، ابن مدينة وهران، من رموز الكفاح والنضال ضد المستعمر الفرنسي وقد كتب اسمه بحروف من ذهب في سجل الشهادة.
كان الشهيد قدوة في التضحية والجهاد وحب الوطن ورفض الظلم والقمع والاستغلال الذي مارسه المستعمر الفرنسي في حق الشعب الجزائري والتفاني في خدمة قضية وطنه من أجل استرجاع السيادة الوطنية.
وولد حمو بوتليليس سنة 1920 بحي “المدينة الجديدة” العريق بمدينة وهران وتابع دراسته في نفس الحي ليتحصل على شهادة المرحلة الابتدائية، فضلا عن تعليمه في المدرسة القرآنية ومتابعة دروس الشيخ الطيب المهاجي أو بمدرسة “الفلاح” التي أسّستها جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.
وأدّت الكشافة الإسلامية الجزائرية “دورا أساسيا في مرحلة المراهقة وبداية مرحلة الشباب للشهيد، حيث مكنته من تعلم الإنضباط والسمو الأخلاقي والروحي وحب الوطن والتضحية من أجله” وقد انخرط في سنّ 17 في فوج النجاح بسيدي بلال (وهران)، حسبما ذكره لوكالة الأنباء الجزائرية الأمين الولائي للمنظمة الوطنية للمجاهدين، فارس صغير.

الطريق إلى المنظمة الخاصة
التحق الشهيد في بداية نشاطه السياسي بحزب الشعب الجزائري سنة 1938، وصار عضوا ممثلا للشبيبة الجزائرية في الحزب وتدرج في النضال إلى أن أصبح مسؤولا للمنظمة الخاصة نائبا للراحل أحمد بن بلة لشمال وهران.
اكتسب تجربة نضالية كبيرة بفضل التحاقه بهذا الحزب وتجلى ذلك في قدرته الخطابية ومهارته في إدارة الاجتماعات والتوفيق بين مختلف وجهات النظر، كما يشهد بذلك رفاقه في النضال.
تفرغ حمو بوتليليس بعد ذلك، إلى نشاطات المنظمة الخاصة، وشهد شهر ماي 1948 هيكلة المنظمة الخاصة على مستوى شمال غرب البلاد بتعيينه قائدا بمساعدة سويداني بوجمعة مسؤول منطقة وهران آنذاك.
وشارك في عملية الهجوم المسلح على البريد المركزي بوهران، في 5 أفريل 1949، حيث لعب، حسب فارس صغير، “دورا كبيرا في هذه المهمة سواء في التحضير لها أو القيام بها”.
وسمحت العملية التي أشرف عليها كل من أحمد بن بلة وحسين آيت أحمد ونفذها حمو بوتليليس والإخوة لونيس وعمر خطاب وبلحاج بوشعايب (سي أحمد) ومحمد خيضر، بمساهمة موظف بالبريد، سي جلول نميش المدعو سي بختي، بتمويل نشاطات المنظمة الخاصة واقتناء بعض الأسلحة التي استعملت فيما بعد لإندلاع الثورة التحريرية المجيدة.
وتم حبسه على ذمة التحقيق في العملية المذكورة، وفور الإفراج عنه بعد أشهر، استأنف نشاطه النضالي المتعدد ليتم اعتقاله من جديد، في 29 أفريل 1950، عقب اكتشاف المنظمة الخاصة وحملة الإعتقالات التي صاحبتها، لتتم محاكمته في 12 فيفري 1951 والحكم عليه بست سنوات سجنا وعشر سنوات حرمانا من الحقوق المدنية·
قضى الشهيد فترة سجنه التي قاربت السبع سنوات ونصف متنقلا بين سجون وهران والجزائر العاصمة والأصنام (الشلف حاليا)، حيث تعرض لمختلف أنواع التعذيب الوحشية الممارسة من طرف المستعمر الفرنسي لدرجة أنه قاد إضرابا للسجناء عن الطعام بسجن سركاجي لمدة 37 يوما، أجبر فرنسا على تحسين ظروفهم داخل السجن.
وذكر الأمين الولائي لمنظمة المجاهدين أنّ السلطات الفرنسية خشيت أن تطلق سراح حمو بوتليليس بعد تنفيذ فترة عقوبته، وكان ذلك في أوج اشتعال الثورة الجزائرية، لأنّها تعرف أنه سيعود للنضال والكفاح ضد المستعمر الفرنسي وسيجعل الشباب يلتفون حوله بسبب قدرته الخطابية الكبيرة وأسلوبه السلس في الإقناع، وبذلك سيقوي عود الثورة.
وبمجرد استنفاذ محكوميته في 22 أكتوبر 1957 وخروجه من السجن، اختطفه المستعمر الفرنسي ولم تعرف عائلته مصيره، إلى غاية توارد أخبار عن إعدامه عبر رميه من مروحية في عرض البحر، وهو سبب تسميته بـ “الشهيد بدون قبر”.