طباعة هذه الصفحة

المخطط الاستعجالي لا يجب أن يتوقف مع هطول الأمطار

خــبراء يحذّرون من صيف بــدون ماء

زهراء .ب

يصف خبراء، وضعية المياه في الجزائر بـ «الخطرة»، لأن كميات المياه تتقلص نتيجة التغيرات المناخية، وتوقعوا صيفا «حارا وبدون ماء»، إذا لم يستدرك التأخر المسجل في انجاز المشاريع الاستعجالية، وإيجاد حلول جذرية وليست إضافية، باعتماد إستراتيجية مبنية على أرقام ومعطيات صحيحة، وقانون يفعل هيئات الضبط والمراقبة المعطلة منذ سنوات.
بالرغم من أن الجزائر تفطنت مبكرا، لظاهرة شح المياه، بسبب تأثيرات التغيرات المناخية، وسبقت دول المنطقة، إلى تحلية مياه البحر، لمجابهة الإجهاد المائي، وتلبية الطلب المتزايد من السكان والقطاع الإقتصادي، إلا أن هذا الحل لم يكف لإبعاد شبح الجفاف، فمنذ 3 سنوات تخيم ظاهرة نقص المياه السطحية والجوفية، التي أثرت ليس فقط على عملية التوزيع المنتظم للسكان، ولكن على الإنتاج الفلاحي، إذ سجل تراجعا السنة الماضية، بسبب الجفاف.
وليست المرة الأولى التي تواجه فيها الجزائر، هذا النقص المقلق، فقد عرفت وضعا مماثلا في 2002، مثلما ذكر الخبير في المياه مكي مساهل لـ «الشعب ويكاند»، وهو «وضع خطير « لأن كميات المياه تتقلص نتيجة التغيرات المناخية منذ ذلك الوقت، و أصبح يتكرر في السنوات الأخيرة، مقابل حلول وصفها بـ «الترقيعية» لم تنجح في مجابهة ندرة المياه، وايجاد بدائل تكفي المواطن والفلاحة، فقد تم وضع إستراتيجية للمياه تمخضت عن جلسات وطنية وتوجت بقانون للمياه في 2005، ولكن بنيت على أسس غير صحيحة، لأنها اعتمدت على أرقام اتضح أنها مبالغ فيها وهو ما تحدث عنه رئيس الجمهورية في اجتماع مجلس الوزراء قبل الأخير، قائلا:  «إن الإنتاج والاستهلاك مبالغ فيهما خاصة في المدن الكبرى»، وأعطى مهلة شهر لتقديم الأرقام الحقيقية.
مخطط استعجالي..  ولكن
انتقد مساهل طريقة التعامل، مع هذا الوضع الاستثنائي، وقال «منذ عامين منح رئيس الجمهورية في أول مجلس وزراء مهلة 10 أيام لمجابهة شح الأمطار، ووضع مخطط استعجالي، لكن إلى يومنا لم ينجز منه سوى 2 بالمائة، والدليل في مجلس الوزراء قبل الأخير طلب بتعجيل إنجاز محطات المياه البحر، في حين ان جزءا من محطة الحامة لا يزال معطلا منذ سنوات».
وأضاف قائلا: إذا كان البرنامج الاستعجالي الذي وضع من أجل تغطية النقص لم ينجز، كيف يريدون منا ألا نقول أن رمضان وصيف 2022 سيعرف صعوبة في التزود بالمياه، خاصة في المدن الكبرى، مشددا على ضرورة اعتماد مخطط أسماه «ملف الحياة» يعتمد إجراءات حقيقية تدرس على مستوى مجلس الوزراء، وتضع حلولا نهائية لمشكل ندرة المياه.
وقال مساهل، إنه سابق لأوانه القول لدينا كميات كافية أو غير كافية من المياه، أو حتى منح احصائيات عن المياه المخزنة في السدود، لأن الموسم المائي لم ينته بعد، وفيه نسبة متفاوتة بين السدود على مستوى الوطن، لذلك علينا الانتظار حتى نهاية أفريل، لضبط الأرقام بدقة.
وفيما يخص المياه الجوفية، يرى أنها «ليست حلا نهائيا لمجابهة الندرة، لأن مخزونها ينخفض»، مقترحا وضع دراسة اقتصادية تبين حجم الموارد الباطنية المتوفرة، وعلى ضوئها يتم استغلالها في تغطية الاحتياجات، كما يعتقد أن تحلية مياه البحر حل إضافي لمرحلة ما، إضافة الى مياه السدود، والآبار، لذلك لا يجب أن تخصص لتغطية احتياجات جزئية محلية، بل يجب وضع سياسة وطنية لتصنيع تحلية المياه على مستوى البحر الأبيض المتوسط، خاصة وأن الجزائر تملك مؤسسات وطنية وموارد بشرية تتحكم في هذه الصناعة على غرار كوسيدار التي  يمكن أن تنجز بحسبه مشاريع دون الاستعانة بالخبرة الأجنبية، وحينها نربح الوقت والمصاريف، ويكون المشروع الحقيقي.
مشكل معقد
مشكل نقص المياه «معقد» يقول مساهل وحله «لا يحتاج الى حلول مؤقتة أو تكميلية بل حلولا جذرية ورؤية واضحة توضع على إثرها إستراتيجية بأرقام حقيقية»، لذلك لا يجب وقف انجاز البرنامج الاستعجالي بمجرد هطول الأمطار، وامتلاء السدود، لتفادي تكرار خطأ السنة الماضية.
ويحتاج الأمر إلى تغيير القوانين، فالنصوص التطبيقية لقانون المياه الصادر في 2005 نصفها لم يصدر، بمعنى هذا قانون غير ساري المفعول، منذ 15 سنة، وسلطة ضبط الموارد المائية، التي ينص عليها القانون جمدت من طرف وزير سابق، بالرغم من أهميتها لضبط احتياجات كل قطاع، وتحديد الكميات الموزعة، وفق دراسات دقيقة، كما أن شرطة المياه غير مفعلة.
ويعتقد مساهل وجود هذه الهيئات مهم، لتسيير القطاع، والتصدي لسرقة المياه، ووضع المخططات الكفيلة بتوزيع المياه بشكل متوازن للزراعات التي لا تستهلك الماء كثيرا والأكثر استهلاكا كالدلاع، واستيراد المواد الثانوية، واستعمال مياه البحر المحلاة، في النشاطات التي تستهلك المياه بكثرة مثل محطات غسل السيارات، الفنادق، المصانع.
أما قضية التسربات، فقال: «يجب أن نكون واقعيين منذ 20 سنة ونحن نتكلم عنها، وتم الاستنجاد بشركة فرنسية، والتسربات بقيت 50 بالمائة، في حين استهلك القطاع 55 مليار أورو في ظرف 10 سنوات، تم صرفها على مشاريع تخص البنى التحتية دون أن يظهر أثرها».
من جهته، الخبير الدولي في المياه أحمد كتاب، يعتقد أن مجابهة مشكل نقص المياه، يكون باعتماد مجلس وطني للمياه، يوضع تحت وصاية رئيس الدولة، أو الوزير الأول، يتولى ضبط إستراتيجية وطنية للمياه، تتولى وزارة الموارد المائية تطبيقها. لأن التسيير السابق، أثبت بحسبه، عجزا، في إدارة هذا المورد الهام، بدليل تجميد عمل سلطة ضبط دورها هام، وتأخر فادح في إصدار النصوص التطبيقية لقانون المياه.
واقترح كتاب تنظيم جلسات وطنية تجمع وزارات، جمعيات، خبراء للخروج بنتائج تطبق في الميدان، وتضع استراتيجية للمياه، تبنى على أرقام حقيقية، وتضبط حجم الإنتاج والاستهلاك، فلا يعقل أن تبقى «الآبار دون أجهزة قياس المياه المتدفقة، وعدادات المواطنين دون أجهزة مراقبة أو أن تبقى حنفيات دون عدادات».