طباعة هذه الصفحة

نقابيّون يؤيّـدون إلغـاء التّفويـج المـوسم المقبــل

الهياكـل التّربويــة ضمــان العــودة للتــدريس العـادي

خالدة بن تركي

إرسـاء إستراتيجيـة مدروسـة لتفـادي «الاكتظـاظ»

 أعرب نقابيّون وفاعلون في قطاع التربية عن تأييدهم لقرار إلغاء نظام التفويج والعودة إلى التدريس العادي، ابتداءً من الموسم الدراسي المقبل 2022 / 2023، لكن شرط توفر القواعد الصحية والبيداغوجية التي تمنع الوقوع في فخ «الاكتظاظ»، الذي قد يؤدي في النهاية إلى تحصيل علمي ضعيف.

أجمع فاعلون في قطاع التربية على أنّ اعتماد نظام التفويج خلال السنتين الماضيتين كان بسبب الوضع الوبائي الذي شهدته الجزائر، على غرار سائر بلدان العالم جراء جائحة كورونا، غير أنّ استقرار الوضع وتسجيل عدد أدنى من الإصابات مؤخرا، شجّع على التخلي عن صيغة التفويج والرجوع إلى النظام المعمول به سابقا.
التّدريس العادي مرهون بفتح مؤسّسات جديدة
 في هذا الصدد، صرّح الأمين العام للنقابة الوطنية لأساتذة التعليم الإبتدائي محمد حميدات، أنّ نظام التفويج جاء لدواع صحية استثنائية، وقد أحدث في البداية آراء مختلفة بين مؤيد ومعارض، كونه يحمل طابعا خاصا لم تعتمده المنظومة التعليمية منذ سنوات، إلا أنه مع الوقت تعودت عليه الأسرة التربوية، وهذا لما عانته سابقا بسبب الاكتظاظ.
وأردف قائلا «فعلا تعايش التلميذ والأستاذ والمؤسسة ككل مع نظام التفويج وواقعه، إلا أن نقص الوقت والاهتمام بالمواد الأساسية، والتخلي عن المواد الثانوية جعل التلميذ مرتبطا بالمدرسة ارتباطا عشوائيا بدون مراقبة لا في البيت ولا في المدرسة، ووصلنا إلى نتائج سلبية على العموم فى نهاية الموسم، لأن التقييم غير واضح بالنسبة للتلاميذ بسبب عدم تكملة البرنامج فى وقته».
وأوضح المتحدث، في مقارنة بين النظامين، أنّ عملية التفويج تتطلب توفير مناصب أكثر لتوزيعها وفق خرائط استثنائية، مشيرا إلى أن العملية صحية بالنسبة للتلاميذ ومساعدة للأساتذة، إلا أنها في جانب التدريس مهملة وغير مراقبة بدليل اعتماد البرتوكول الصحي على جانب التدريس، وجعلت التلميذ حرا غير مراقب والأستاذ يلجأ إلى تلخيص الدروس والاهتمام بالأهم وفقط، ممّا نتج عنه مردود علمي ضعيف.
وعرج أيضا على كيفية تطبيق هذا التنظيم بعد قطيعة أكثر من سنتين، وقال إنّ العودة للنظام العادي يسلزم تطبيق البرامج المدرسية حرفيا وفق استراتيجيات واضحة، ويقلص من عدد المناصب والعودة إلى الدراسة العادية التي يصبح فيها التلميذ مراقبا ومتابعا من البيت والمدرسة، وفق فصول مدرسية ونتائج ترتيبية من فصل لآخر، والأستاذ مطالب بتنفيذ البرامج وفق البرنامج السنوي وتطبيق كل الدروس والامتحانات فى وقتها، وملامسة النتائج المسجلة وتكييفها وتقييمها وفق دراسة مرتبة، يكون للنتائج دورا كبيرا في التحليل والمراقبة.
إنّ العودة إلى الوضع العادي، يتطلّب فتح مؤسسات جديدة وتوفير وسائل التدريس ومتابعة أكثر، والتقليل من الاكتظاظ في المناطق العمرانية التي تشهد تعدادا سكانيا كبيرا، ومتابعة المدرسة وفق استراتيجية واضحة للوصول إلى نتائج أفضل، وتحقيق الاستقرار الذي يضمن الجودة في التعليم.
تحسين الجانب الصحي والبيداغوجي
 من جانبه، قال رئيس الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين «اينباف»، صادق دزيري، إن تطبيق نظام التفويج للسنة الثانية على التوالي، عبر كافة المؤسسات التربوية، أبان عن عدة نقائص لم تعالج في حينها، وقد ترتب عنها إرهاق الأساتذة والتلاميذ على حد سواء، خاصة وأن الإجراء لم يرفق بإجراءات بيداغوجية لإنقاذ المدرسة.
وفي هذا الصدد، تؤكّد نقابة «اينباف» أنّ العودة لنظام التدريس العادي مشروطة بتحسين الجانب الصحي والبيداغوجي، لأن عودة غير مدروسة ستكون لها عقبات أخرى أولها الاكتظاظ، مشيرة إلى أن الإشكال المطروح بكثرة في المدرسة وله تأثير سلبي على تركيز ومردود التلميذ، إلا أن الوقت حان لإلغاء التفويج، والعودة إلى النظام العادي لاعتبارات كثيرة.
وأشار دزيري، إلى أنه في حالة توفر الشروط الصحية المناسبة، من الأفضل العودة لنظام التدريس العادي لأن الرهان على نظام التفويج لا يحقق الأهداف البيداغوجية، مضيفا أن التلميذ في المخططات الاستثنائية تلقى التعلّمات الأساسية أما الثانوية لم يتحصل عليها لضيق وقت حصص التدريس.
وأكّد أن العودة تتطلب فتح هياكل تربوية جديدة للقضاء على مشكل الاكتظاظ، الذي جعل حجرات التدريس في بعض المناطق تفوق العدد المعقول بـ 60 تلميذا في القسم.
 التّعامل بحذر
 من جهته، أعرب الأمين الوطني لتنسيقية التعليم الابتدائي، بلال تلمساني، عن تأييده لقرار العودة لنظام التدريس العادي، لأنّ جائحة كورونا أثّرت على سيرورة الحياة المدرسية، فقد صاحب الوباء العديد من القرارات الاستثنائية التي كان لها تأثير وضغط على التلميذ والأستاذ لإنجاح وإكمال البرنامج.
غير أنه أكد أن إلغاء التفويج قرار يحتاج لكثير من التأني، الدراسة ورؤية شاملة للوضع، فلا يمكن استباق قرار مماثل دون انتظار قرار اللجنة الصحية، خاصة وأنه عالميا لم تعلن الهيئات الصحية العالمية نهاية الوباء من جهة، ومن جهة أخرى يجب التعامل مع الوضع بواقعية، فقد وصلت معظم الأفواج وطنيا الى خمسة وعشرين تلميذا، أي بإلغاء التفويج ستصبح الأقسام بخمسين تلميذا، خاصة وأن مشكلة الاكتظاظ في تنام مستمر وطنيا، فتركيبة المجتمع الجزائري تمثل سبعين بالمئة منها أطفال ومراهقين، وبذلك قطاع التربية أكثر القطاعات حساسية من حيث الضغط والحركة، ويحتاج الى مرونة وتعامل حذر في اتخاذ القرارات.
وتساءل في نفس السياق، هل سيصاحب نظام التفويج الحجم الساعي القديم، لأن قرار التفويج صاحبه قرار تقليص الحجم الساعي، الذي كان محل إجماع بين الأولياء وأساتذة قبل حتى أزمة كوفيد، فقد رافع من أجله الشركاء الاجتماعيون من أجل ملاءمة البرامج والمحفظة والحجم الساعي والاكتظاظ، خاصة وأنّ أزمة كورونا كانت فرصة لتجريب العديد من المخططات في البرامج وجداول التوقيت، والذي أبان عن إمكانية إدماج العديد من الدروس مع تقليص في الحجم السّاعي.
وبدوره عايش الأستاذ مرحلة جديدة من حيث عدد التلاميذ المعقول، الذي سهّل له تسيير القسم من خلال المراقبة، المتابعة الجيدة للتلاميذ عددهم يسمح بالاحتكاك والتفاعل المتواصل.
كما دعا الوزارة إلى التواصل مع كل الفاعلين لاتخاذ  القرار الصحيح، فإلغاء التفويج يحتاج دراسة من كل الزوايا، أولا من حيث الاكتظاظ وإمكانية تواتر موجات جديدة للوباء، وثالثا الحجم الساعي الذي كان قبل الأزمة، وسبّب ضغطا كبيرا للأستاذ.
ضبط دقيق للعمليات التّعليمية
 بدوره صرّح عبد الهادي أحمد الأمين الوطني للنقابة الوطنية للمشرفين والمساعدين التربويين، أنّه لابد أن يتبع بمواصلة الإصلاح في المناهج وتخفيف ثقل المحفظة، بالإضافة إلى استدراك الاكتظاظ ونقص التأطير التربوي والإداري تفاديا لكثافة الحجم الساعي وضبط دقيق لجميع العمليات التعليمية مسبقا، تفاديا لأي اضطرابات من شأنها عرقلة سيرورة العام الدراسي.
وأضاف أنّ التفويج حتمية فرضها وضع صحي استثنائي، كما أنه لا بد من تزويد وتوفير مراكز طب العمل، مشيرا إلى أن النظام القديم سيحسن المستوى الدراسي، وسيلغي قرار تخفيض معدلات الانتقال الذي كان محل انتقادات واسعة.
وأكّد في الختام، أنّ وزارة التربية الوطنية لديها الوقت الكافي للتحضير الجيد لإنجاح الامتحانات الرسمية والتحضير الأمثل للدخول المدرسي المقبل، مع ضرورة التسريع في الإفراج عن القانون الأساسي وتعديله من أجل منح الحقوق لكل من مسه الإجحاف، وضبط المهام والمسؤوليات بدقة.
النّظام العادي لتحسين المستوى
 على صعيد آخر، بعد التراجع الرهيب في معدلات أبنائهم خلال الموسمين الدراسيين الماضيين، طالب أولياء التلاميذ في العديد من المناسبات بالعودة لنظام التدريس العادي، خاصة وأن الكثير من التلاميذ لم يتأقلموا مع النظام الحالي بسبب تقليص الحجم الساعي.
وبهذا الخصوص أيّدت ولية أمر التلميذة هدى من ابتدائية بالدار البيضاء، قرار العودة لنظام التدريس العادي، لأن التفويج تسبب في تراجع مستوى ابنتها بالرغم من أنها كانت من الممتازين، هذا بالإضافة إلى التأثير النفسي عليهم كونها لا تدرس إلا يوما ونصف في الأسبوع، الأمر الذي أثر عليها نفسيا وبيداغوجيا.
فيما ترى والدة تلميذين يدرسان بالطور المتوسط، أن العودة إلى النظام العادي في التدريس خاطئ وسيزيد الأمر سوءا، بسبب الاكتظاظ الكبير الذي تعرفه الأقسام، فعندما يكون عدد تلاميذ الفوج الواحد 34، فهذا يعني أن مجموعهم في القسم الواحد هو 68 تلميذا، فالأستاذ في هذه الحالة يدرس في قسم ضيق يكاد ينفجر من عدد الطاولات والكراسي والمكتب، وهنا لا يمكن الحديث عن المردودية والتحصيل المعرفي في قسم أهم ما يقوم به الأستاذ هو ضبط نظامه الداخلي لمنع الفوضى، فكيف لأستاذ أن يحقّق الأهداف المرجوة من البرنامج الدراسي وهو يدرس 68 تلميذا في القسم الواحد، دون احتساب الأقسام الأخرى.
وأضافت متسائلة: «ألم يكن من الأجدر التفكير في مراجعة البرنامج التربوي، الذي أرهق التلاميذ معنويا وجسديا بسبب المعاناة التي يعيشونها في القسم؟ ألا يكفيهم أنّ تلميذ السنة الأولى يدرس مع معيد يكبره بـ 3 سنوات في قسم واحد؟ ما يستدعي التخطيط والاستشراف من أجل  تحصيل معرفي يسمح بالإبداع العلمي».