طباعة هذه الصفحة

مشاريع بدون دراسات دقيقة والتقييم المتكرّر يثقل الخزينة

الإحـصـاء الاقتصادي.. فرصة التوجيه الصحيح للإنفـاق الاستثمـاري

زهراء. ب

رفعت السلطات العمومية تحدي إعادة تحريك مشاريع تنموية عمومية وخاصة، تمّ تجميدها في السنوات الماضية، بعد أن التهمت أغلفة مالية ضخمة، ويلاحظ الجميع التحوّل السريع لإعادة تنشيط مصانع كانت مغلقة، وأخرى بقيت قيد الأوراق والدراسات، بسبب عراقيل بيروقراطية.
كما تمّ رفع التجميد عن مشاريع البنى التحتية وتلك المرتبطة بتحسين المستوى المعيشة للمواطن، لكن هناك المزيد من تلك المشاريع مازالت تنتظر الالتفاتة، بعد أن عمّرت طويلا، لتحريك عجلة الاقتصاد الوطني.

تغيير الواقع الاقتصادي الصعب الموروث عن النظام السابق، ليس بالسهل، فمخلفات تركة التسيير «ثقيلة»، تحتاج إلى دراسات معمّقة، وإجراءات تسهيلية عديدة، لنفض الغبار عن ملفات استثمارية ضخمة، كانت ستغيّر، وجه الجزائر، في حال أنجزت في آجالها، ولكن لأسباب متعلقة بغياب دراسات دقيقة وأخرى خاصة بأخطاء في التسيير، وجدت الجزائر نفسها، أمام تحدي تصحيح مسار الاستثمار مع أخذ بعين الاعتبار الظروف الداخلية والخارجية وأولويات المرحلة.
تظهر أرقام رسمية حجم خسائر الخزينة العمومية، بسبب عدم جدوى المشاريع، أو توقف أشغالها، فخلال سنتين فقط قدّمت 10 مليار دولار أمريكي، مثلما قال الوزير الأول في تصريحات إعلامية سابقة كتحفيزات وتسهيلات للمستثمرين، وكانت بدون مقابل، حيث لم تساهم في صناعة الثروة ولم تستحدث مناصب عمل.
 كما تمّ رصد ملايير الدينارات لانجاز مشاريع بنى تحتية، ومرّ عليها تقريبا 20 سنة ولم تر النور لغاية اليوم، بسبب أخطاء تقنية، أبقت تلك المشاريع في الدراسات، تستهلك المزيد من الأموال، أو تمّ إهمالها، وبقيت عرضة للنهب والخراب مخلّفة خسائر أخرى، الأمر الذي بات يفرض تغيير كل هذه المقاربات، وإعادة النظر في قانون الاستثمار ونظام التحفيزات التي يقدّم حاليا ويستفيد منه بعض أصحاب الريع.
الخطوات الأولى لتصحيح مسار الاستثمارات، بدأت تؤتي أكلها، إذ تمّ في آخر أسبوعين رفع القيود عن 39 مشروعا إضافيا ضمن المشاريع الاستثمارية العالقة، حسبما أفاد به آخر اجتماع لمجلس الوزراء، ليصل مجموع المشاريع التي رفعت القيود عنها في ظرف أشهر قليلة، 813 مشروع استثماري من بين 915 مشروع محصى أي بزيادة 39 مشروعا مقارنة بالوضعية السابقة ما يعني بقاء 11 بالمائة فقط من المشاريع العالقة قيد المعالجة.
وأظهرت نفس الحصيلة دخول 554 مشروع استثماري حيز الاستغلال بزيادة 57 مشروعا إضافيا جديدا منذ مجلس الوزراء الأخير الذي وصل فيه العدد عند 497 مشروع، وسمحت هذه المشاريع باستحداث 2169 منصب شغل جديد، ما يرفع إجمالي المناصب المستحدثة إلى 32302 على أن تبلغ 50071 منصب بدخول كل المشاريع التي رفعت عنها القيود حيز الاستغلال.
في الوقت الذي تقطع فيه عملية إعادة تنشيط المشاريع الصناعية شوطا لا بأس به، ينظر المواطن بعين أمل إلى رفع التجميد عن مشاريع تنموية، مرتبطة بتحسين مستوى معيشته، كمشاريع السدود، والطرقات، وشبكة السكة الحديدية، والمستشفيات، وإن كانت الحكومة على لسان وزيرها الأول قد أكدت أن تجميد تلك المشاريع، كان بداعي التحكّم في نفقات التجهيز العمومية ومواجهة القيود على الموارد المالية والتي فرضت نفسها بداية من 2014.
 إلا أن ذلك لم يمنع الحكومة من اتخاذ قرار يقضي برفع التجميد التدريجي عن مشاريع البنية التحتية المنجزة بنسب تفوق 50 بالمائة وذلك مع مراعاة الإمكانيات المالية للدولة وجدوى المشاريع، ولكن الأمور تسيير بطريقة محتشمة، وهو ما دفع نواب بالبرلمان، إلى المطالبة في أكثر من مناسبة، خاصة خلال عرض مشاريع قوانين المالية، أو تسوية الميزانية، برفع التجميد عن الكثير من المشاريع التي ما تزال عالقة، ووضع حدّ لظاهرة التقييم المتكرّر للمشاريع، الذي يستنزف الوقت والأموال.
وتظهر إحصائيات رسمية أن إطلاق مشاريع تجهيز عمومية من غير «دراسة ونضج»، تسبّب في عجز موازناتي «هائل»، حيث بلغت «مستويات إعادة تقييم المشاريع العمومية في فترة 2005-2019 أكثر من 8700 مليار دج».
أما التقييم المتكرّر لمشاريع سجّلت «من غير دراسة معمقة» فقد سبّّب «ضغوطا كبيرة على ميزانية الدولة»، وهو ما جعل الحكومة تفكّر في القيام بإحصاء اقتصادي عام من أجل إحصاء إمكانيات الانجاز من طرف الدولة حتى يتم إعادة توجيه الإنفاق الاستثماري العمومي نحو الوجهة الصحيحة لتنمية المناطق التي هي بحاجة إلى مشاريع تنموية، فعل سيكون ذلك في أقرب الآجال؟! خاصة وأن الإحصاء الاقتصادي العام لم تقم به الدولة منذ سنوات.