طباعة هذه الصفحة

إعلاميّون ومختصّون في الشّأن الثّقافي يؤكّدون:

الخـــروج بالإعلام الثقافي إلى الواجهة مرهون بإرادة حقيقيــة

حبيبة غريب

 يكثر الحديث مند سنوات عن أهمية التخصص في ميدان الإعلام، على غرار الإعلام الثقافي الذي يعد من بين التخصصات الذي يعول عليها في نشر الثقافة والتعريف بالحس الأدبي والفني والدفاع عن التراث والهوية وغرس القيم الجمالية في أوساط المجتمع إضافة إلى الترفيه..لكن بالرغم من كل وظائفه المتعددة ومهامه وأهميته الكبرى يبقى الإعلام الثقافي للأسف مهمشا نوعا ما، ومقرونا عند كثيرين بتغطية الأخبار الثقافية والفنية وأخبار أهلها وفقط، متناسيين أنه هو من يصنع الآراء ويؤثر في العقول والأسواق ويزرع المعرفة والوعي.
كيف هو واقع الإعلام الثقافي في الجزائر اليوم، ما له وما عليه..؟ وغيرها من الأسئلة طرحتها «الشعب» على زمرة من الإعلاميين والاعلاميات من المهتمين بالشأن الثقافي، في محاولة لتسليط الضوء على هذا الشق الهام و»المظلوم» من مهنة المتاعب بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير.

 يجمع كثيرون أنّ الإعلام الثقافي شق جد مهم في مهنة الصحافة، لما له من تأثير على جوانب عدة في حياة المواطن والمجتمع، ولكن لا يكترث الكثيرون أيضا لواقعه بين تهميش ولا مبالاة والتضحية بإنتاجه لفائدة الاشهار في الصحف المكتوبة أو أقرانه على الفن والطرب والمناسبات في السمعي البصري، حيث غالبا ما تعرض هذه الحصص في أوقات يكون فيها المستمع أو المشاهد مشغول في عمله أو بأمور حياته اليومية.
الإعلام الثقافي من منظور الصحفية نبيلة سنجاق «هو الذي يتخصص في نقل الثقافة بمختلف أشكالها الإبداعية والفنية، وهو دور يؤديه أساسا الصحفي المتخصص في الشأن الثقافي، بحيث يصبح المسؤول على نقل الخبر الثقافي وتحليله وتفسيره وتحفيز الجماهير على متابعته أو إثارة إشكاليات ثقافية بالتعاون مع نخبة من الكتاب والفنانين والمبدعين».
ذكرت نبيلة سنجاق أن الإعلام الثقافي «ارتبط  بالصحافة المكتوبة التي كانت تفرد بعض الملاحق الأدبية أو صفحة إلى صفحتين يوميا في أحسن الأحوال، إلا أن مجد هذه الفترة بدأ يتراجع لأسباب عديدة تتعلق بواقع الإعلام المكتوب، ناهيك عن  التغيرات الطارئة على المشهد الإعلامي بعد انتشار التكنولوجيات الحديثة، وتأثيرها على الصحافة الورقية ما دفع بالإعلام ككل إلى إيجاد منابر جديدة عبر قنوات تلفزيونية (بعد فتح مجال السمعي البصري)».
لكن لم تتمكّن هذه البدائل والوسائط الجديدة حسب نبيلة سنجاق لحد الآن من «إنصاف الثقافة عبر شبكتها البرامجية». ذلك تضيف «أنّ التلفزيون تحديدا يجد صعوبة في تقديم أطباق ثقافية دسمة لجمهور تعود على «الأكل الخفيف والسريع»، وأقصد هنا الحصص الترفيهية والحوارية التي تشتغل على التأثير الآني».
من جهة أخرى، نسجّل وفق تصريحاتها «غياب  مواقع الكترونية متخصصة ربما بسبب نقص التمويل وغياب الاشهار، فيما تفضّل مواقع أو صحف إلكترونية أخرى التخصص في الشأن  العام مع التركيز على الأخبار السياسية والاقتصادية والاجتماعية والرياضية».
وتواصل سنجاق بالقول: «من جهة أخرى نسجل نشاط وحركية ملفتة لبعض المجموعات الفايسبوكية استغل المشرفين عليها سهولة النشر والاجتماع الافتراضي للالتقاء ولتدوين صفحات مختصة في تبادل الأخبار والنصوص، وعرض مضامين للقراءة والنقد، وهي صفحات قدمت خدمة هامة للكتاب والسينمائيين والمسرحيين والموسيقيين، وكذلك التقنيين والفنيين، في غياب أو نقص منابر حقيقية وواقعية للحديث والنقاش».
تسليط الضوء على العمل الإبداعي
 أكّدت الصحفية «أنّه من المفروض أن الإعلام الثقافي هو صوت المبدعين أينما كانوا، لأنه يقدم خدمة عمومية شرطها الأول الموضوعية والمصداقية، بهدف تقريب المسافة بين  المؤسسات الثقافية والفاعلين الثقافيين، وتسليط الضوء على العمل الإبداعي حيثما كان، ونبذ الفوارق بين ما يسمى بالمركز والهامش وكسر الحواجز الوهمية بين الجمهور والمؤسسات الثقافية (قاعات سينما ومسرح..)».
وتعتبر نبيلة سنجاق أنّ الخروج بالإعلام الثقافي إلى الواجهة من جديد «مرهون  بإرادة حقيقية تحافظ على وجوده في الساحة الإعلامية، وثانيا يحتاج إلى الدعم المادي وإلى انخراط المؤسسات الاقتصادية ورجال الأعمال  لتوفير الرعاية والإمكانيات التي  تضمن استمراريته وتسهل انتشاره».
الإعلام الثقافي موجود لكنه «مغيّب»
  في سياق متصل، قال عبد الحميد بوحالة مستشار ثقافي ومدير الإعلام لمهرجان امدغاسن السينمائي: إن «الإعلام الثقافي موجود لكن بكل أسف مغيب في بعض الأحيان، وعن تجربة شاهدت كيف تلغى الصفحة الثقافية أو تؤجل لموعد لاحق في عديد  الجرائد الوطنية والاسبوعيات بحجة الاشهار، ولماذا لا تؤجل  صفحة الرياضة أو الاقتصاد أو المحلي أو حتى صفحة التسلية والألعاب والكلمات المقاطعة، وهنا يطرح السؤال نفسه هل هذه الصفحات أهم من الصفحة الثقافية؟».
وإن «كانت هده نظرة العديد من رؤساء التحرير وملاك الجرائد للإعلام الثقافي، فلا حديث - حسب عبد الحميد بوحالة ـ «ولا نقاش عن الإعلام الثقافي في بلادنا إلا في المناسبات فقط..أطالع يوميا أكثر من عنوان وجريدة، قليل هو الإعلام المحافظ على تقاليد النشر بتخصص صفحتين يوميا للثقافة والفن، عكس الكثير من الصحف التي تخلت وألغت الصفحة الثقافية والبعض يشير لخبر أو حدث ثقافي في الموجز».
وتأسف المتحدث لكون الإعلام الثقافي لم يأخذ حقه من المثقفين أنفسهم ومن أرباب الجرائد أيضا، ما عدا الجرائد العمومية الحريصة على تقديم الإعلام الحقيقي من جوانبه المتعددة اليومية.
وأشار في هذا السياق، إلى أنّ تجارب عديدة في إصدارات محتشمة تناولت الإعلام الثقافي بشكل أعمق وأكاديمي، حيث كانت تجارب ناجحة جدا، قائلا إنه لو نتحدث عن هذه المطبوعات لأخذ منا الوقت الكثير».
 التكنولوجيات الحديثة الضّربة القاضية
 في ردّه عن السّؤال الخاص بما للإعلام الثقافي، وما عليه في ظل التعددية والتكنولوجيات الحديثة؟ أجاب المستشار الثقافي متأسّفا: «مرارة الجواب من مرارة السؤال فالإعلام الثقافي، هذا العنوان الكبير جله تاريخ مجيد وعريق، صنعه كتاب وأدباء رحلوا قبل أن يتعرفوا على هذه التكنولوجيا الحديثة، التي أصبحت تختزل مجهود سنوات في دقائق أو في زر وكبسة».
التكنولوجيا الحديثة لم تؤثر حسب قوله «على قطاع الثقافة فقط أو الإعلام الثقافي الغائب أصلا لكن هذه الوسائط أو التكنولوجيا السريعة أصبحت ملاذ للجميع، وأصبحت في متناول المثقف والأمي والعادي والكبير والصغير، أقول مهم جدا أن نواكب هذه التعددية وهذه التكنولوجيا على غرار كل بلدان العالم، لكن من غير الصواب التخلي عن  الثقافة والإعلام التقليدي في التلفزيون أو الصحف أو المجلات والدوريات.
تجارب ناجحة في طي النّسيان
  مع الأسف كل هذه المطبوعات غابت حسب بوحالة، واختفت من الاكشاك والمكتبات عكس كل جيرانا في المغرب العربي أو الشرق الأوسط، قائلا: «حين اطلع على ما تحوز عليه مجلة الدوحة أو الشارقة الثقافية أو العربي الكويتية التي لا تزال تطبع لغاية اليوم، نتأسف لما وصل إليه الإعلام الثقافي في بلادنا، ونتمنى أن نتشارك  في إدراك هذا التأخر والعودة  لسنوات أمال المجلة الشهيرة وغيرها».
رأي تشارطه بقوة الإعلامية والشاعرة ياسمين جنوحات التي ترى أن «الجزائر شهدت بعض التجارب الإعلامية التفافية المثمرة في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، حيت ساهمت في الترويج للثقافة بكل أشكال تعبيرها، مثل الفن التشكيلي والمسرح والسينما  والأدب والموسيقى والغناء، أذكر منها على سبيل المثال مجلات الثقافة والمرأة والوحدة، التي كانت تهتم بالشأن الثقافي».
إنّ دور الإعلام الثقافي لا يقتصر ـ تشير المتحدثة - «فقط على رصد التظاهرات الفكرية وتغطية مهرجانات الرقص والغناء، إنما يسعى إلى تربية الذوق الجمالي والفني وخلق فضاء للإبداع لكل المبدعين المهتمين بتطوير وانتعاش الحياة الثقافية في الجزائر، وتوفير مناخ معرض إجمالي صحي يقوم على النقد البناء، وذلك بنشر المساهمات التي تقوم بتنوير العقول وبناء الوعي الجديد».
كما ترى ياسمين جنوحات أنّ «غياب المتخصّصين الذين يشرفون على الصفحات الثقافية  في الجزائر، ساهمت بشكل كبير في نشر الرداءة وفي عزوف القراء عن الاهتمام  بهذا القطاع الحيوي».
تظاهرات ومهرجانات لم تنل نصيبها من الترويج
 أقرّ من جهته الإعلامي محمود بن شبان بشأن «نظرة المؤسسات الثقافية للإعلامي، وهل هناك تعاون وتجاوب معه؟»؛ أن «هناك مجهود واجتهاد من طرف بعض المؤسسات من جانب الاعلام الثقافي، لكنه يبقى جد محدود من ناحية الإمكانيات وحتى الاستراتيجية المتبعة في هذا الشأن»، معللا الأسباب «إلى اعتماد المؤسسات على مستخدميها الاداريين في تسيير هذا الجانب دون تكوينهم أو اكتسابهم خبرة في الاعلام والاتصال والتسويق».
وتجدر الإشارة، حسبه «إلى أن أغلب المؤسسات الثقافية في الجزائر تنتهج طريقة كلاسيكية وتقليدية في الاعلام الثقافي، وهذا ما انعكس سلبا على العديد من التظاهرات والمهرجانات الثقافية التي لم تنل نصيبها من الترويج، وبالتالي سجلت فشلها اعلاميا، بالإضافة إلى محدودية الغلاف المالي المخصص لهذا الجانب، وكذا نقص التواصل بين المؤسسات الاعلامية والمشرفين على الاعلام بالمؤسسات الثقافية، بسبب عدم إلمام هؤلاء بمحتوى برامج ونشاطات المؤسسات التي ينتمون إليها».
بالموازاة، يقول بن شبان «هناك بعض المؤسسات الثقافية التي تولي أهمية واسعة للجانب الاعلامي، نظرا لدوره الكبير في إنجاح التظاهرة من جهة وتقديم صورة مشرفة عنها من جهة أخرى، ولذلك تخصص ميزانية معتبرة وتعمل على استقدام مهنيين ومحترفين في المجال، والذين لديهم الخبرة الكافية لذلك».
وشدّ د هنا بالإشارة «إلى معضلة تعامل المؤسسة ذاتها مع الجانب الاعلامي على مستواها، بأدراجها في ذيل اهتماماتها، وذلك ما يتجسد في تقديم المعلومة والبرامج لبثها بشكل متأخر، بالإضافة إلى فرض قواعد وأوامر عشوائية تنعكس سلبا على أداء خلية الإعلام والمؤسسة والتظاهرة على حد السواء».