طباعة هذه الصفحة

د - سمير محرز لـ «الشعب ويكاند»:

الدّبلوماسية الجزائرية تنجح في إبطال كلّ الاستفزازات

حوار: فضيلة دفوس

المغرب ينفّذ أجندة تخريب إرضاء لجهات تستهدف المنطقة

 مشروع «لمّ الشّمل» آلية تحمي الدّاخل من تهديد الخارج

 تقف «الشعب ويكاند» في حوار مع  الدكتور والمحلّل السياسي سمير محرز، عند التّحديات الأمنية والسياسية التي تواجهها منطقة المغرب العربي والساحل خاصّة مع التطوّرات التي تعرفها دولة مالي بعد قرار فرنسا سحب قواتها العسكرية، وأيضا «تعثّر» المسار السياسي في ليبيا، وعودة هذه الأخيرة إلى مربّع الانقسام والصّراع على السّلطة.

الدكتور محرز، ركّز في أجوبته على انعكاسات هذه التحديات ومخاطرها الأمنية على الجزائر، وتطرّق إلى السياسة العدائية التي يمارسها المغرب بإيعاز  من جهات تستهدف استقرار المنطقة، وعرّج على الدور البارز الذي تلعبه الدبلوماسية الجزائرية التي أبانت عن قدرات هائلة في الردّ على  الاستفزازات، وفي الدفاع عن القضايا العادلة وعلى رأسها القضيتين الفلسطينية والصحراوية.
وشدّد الدكتور سمير محرز على أنّ مشروع الرّئيس «لمّ الشمل» هو من أهم الآليات والإستراتيجيات لحماية البلد داخليا من أي خطر خارجي.


- الشعب ويكاند: يواجه محيطنا الإقليمي تحدّيات كثيرة، سياسية وأمنية تثير كثيرا من الانشغال، ما قراءتك للوضع؟
 الدكتور سمير محرز: صحيح، تحديات وتهديدات كبيرة ومخاطر أمنية معقّدة أصبحت قائمة في الجوار الإقليمي للجزائر، فبقراءة مسحية للوضع العام، يمكن القول بأن هشاشة الوضع الأمني في مالي والنيجر وتشاد، جعل الجيش الوطني الشعبي يبادر إلى تأمين حدودنا دون انتظار مبادرات ومساهمات خارجية من الدول المذكورة، وهذا حفاظا على الأمن الوطني الجزائري، إضافة للتفكير في تأمين الجهة الحدودية الشرقية مع ليبيا التي تتشارك معنا شريطا حدوديا يمتدّ على مسافة 900 كلم. هذا الوضع يشكّل انشغالا بالنسبة للجزائر سياسيا وأمنيا ودبلوماسيا وحتى اقتصاديا، ما يدفعها  للسهر على تأمين حدودها، لوقف نزيف الهجرة غير الشرعية وما تحمله من مخاطر كتنقل الأمراض، وتوسّع دائرة التهريب والجريمة المنظمة، والاتجار بالممنوعات والمخدرات، ولا يمكن أن ننسى الخطر المتمثل في السموم والمهلوسات الذي يتسرّب من الجارة الغربية المغرب.
كقراءة للوضع العام، نرى بأنّ الجزائر مدركة لهذه المخاطر، ومستعدة بالمقابل للتنسيق الجاد مع أي دولة جارة من أجل حماية الأمن الإقليمي المغاربي وأمن الساحل، وكما قالها رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون في عدة مناسبات «يد الجزائر ممدودة للجميع من أجل الصالح العام إلا من أبى».

- لنبدأ بالجوار الجنوبي وتحديدا دولة مالي، حيث عملت الجزائر ولا زالت على مرافقة الماليين لاستعادة أمنهم واستقرارهم، إلى أين وصلت الجهود؟ وكيف تواجه الجزائر المستجدات هناك، خاصة مع انسحاب فرنسا وتزايد التهديد الإرهابي؟
 لا يمكن إنكار دور الجزائر، فبفضلها يمكن القول بأن الوضع العام تحسّن في مالي، حتى وإن كانت بعض المشاكل الداخلية المعقّدة ما زالت مطروحة، وهذا بإقرار وتأكيد الخبير الأممي المستقل المعني بحالة حقوق الإنسان في مالي «إليون تاين»، في ختام زيارة رسمية استغرقت عدة أيام، حيث قال بأنّ السلطات المالية ساهمت في إفساح المجال للمزيد من الفضاء المدني والنقاش الديمقراطي، وللمرة الأولى لاحظ تحسّنا ملموسا في الوضع الأمني، وفي أحوال النازحين داخليا، وأيضا حالة حقوق الإنسان.
على العموم وبعيدا عن تصريحات «تاين»، أؤكّد بأنّ الصّحوة وصلت لنخب وصنّاع القرار في مالي، خاصة بعد إجبار القوات العسكرية الفرنسية على الانسحاب، إضافة لإلغاء الاتفاقيات الدفاعية الموقّعة مع باريس وشركائها الأوروبيين، بسبب انتهاكات القوات الفرنسية لسيادة مالي، وخرقها لمجالها الجوي، فهذه القوات المتواجدة في مالي منذ 2013 زادت من تعقيد الوضع الذي أصبح محفوفا بالمخاطر.

^ ما زالت الأزمة الليبية تراوح مكانها بما تشهده من انقسامات وخلافات، وما زالت الجزائر حريصة على مرافقة الأشقاء هناك حتى يصلوا إلى برّ الأمان، فما تعليقك على الجهود لتفكيك خيوط الأزمة الليبية؟ وما تقييمك لتطوّرات هذه المعضلة؟
^^ موقف الجزائر الثابت من الوضع العام في ليبيا واضح جدا، وهو يدعو إلى ضرورة الوصول إلى تسوية سياسية سلمية عبر حوار داخلي ليبي - ليبي يضم كل التشكيلات السياسية، ويقود إلى إقامة مؤسسات سيادية شرعية وموحّدة عبر انتخابات نزيهة وجامعة لإخراج هذا البلد الشقيق والجار من الأزمة التي يعاني منها، خاصة مع تصارع حكومة الوحدة الوطنية بقيادة عبد الحميد الدبيبة، والحكومة الجديدة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا على السلطة، وكذلك عدم توافق مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة على سيناريو موحّد يسيّر شؤون البلاد ويفضي لانتخابات.
الجزائر التي استقبلت مؤخرا الدبيبة، قدّمت خارطة طريق واضحة المعالم للأشقاء الليبيين، قائمة على مبدأ التنسيق والتعاون، وضرورة الحوار الداخلي ووضع كل المزايدات السياسية جانبا حفاظا على أمن ليبيا ووحدتها واستقرارها.
^ بعدما كان الوضع في مالي يشكّل التحدي الأمني الأكبر، تلته الأزمة الليبية، اليوم التحدي الكبير يأتي من الغرب الذي بات يثير الكثير من المتاعب من خلال سياسة عدائية غير واضحة الأسباب والأهداف، ما تفسيرك للسلوك العدواني المغربي تجاه الجزائر، وإلى أين يمكن أن يصل؟
^^ الجزائر تتقبّل كل التّحديات والتهديدات الأمنية وتواجهها، ولكنها ترفض الخيانة والطعن في الظهر، وهذا ما حدث بالنسبة للجارة المملكة المغربية من خلال نظامها المخزني العميل للكيان الصهيوني، والذي أراد ضرب استقرار المنطقة المغاربية وإغراق الجزائر بالمخدرات والمهلوسات كإستراتيجية وخطة جهنمية ضد الجزائر، التي بقيت ثابتة على مواقفها تجاه القضايا العادلة في العالم، بالخصوص القضيتين الفلسطينية والصحراوية.
باعتقادي المغرب من خلال المخزن، لن يتوقف عن استفزاز الجزائر خاصة مع التطورات الأخيرة المتعلقة بالإمداد الجزائري للغاز تجاه إسبانيا، والمواقف العدائية المجانية من طرف مدريد ضد الجزائر، واستثمار المملكة المغربية في هذا الموضوع لصالحها.
ويسجّل أن تجاهل الجزائر لكل التصريحات الصادرة عن المخزن المغربي يزعج صنّاع القرار في الجارة الغربية، ويجعلها تستفز الجزائر أكثر من أجل إدخالها في لعبة صفرية تافهة، وكل هذه الاستفزازات للأسف مبرمجة ضمن أجندة تخريب المنطقة المغاربية عموما، والتشويش على الجزائر كونها استفزازات آتية من جهات أخرى تكنّ عداءً كبيرا للجزائر.

- المغرب مسترسل في أخطائه وخطاياه ضد الجزائر، وبات سلوكه يشكّل تهديدا فعليا لاستقرار المنطقة، خاصة من خلال تحالفاته التي يقيمها مع جهات لا تحترم حتى قرارات الشّرعية الدولية، ما قولك؟
 من المواقف الثابتة للجزائر هو مبدأ حسن الجوار مع كل الدول باستثناء الدول ذات التوجه العدواني الرافض لكل مبادئ السلم والتعاون، فالمواقف الأخيرة تجاه المخزن، جاءت بعد جملة من الاستفزازات المغربية لعل أخطرها التصريح المريب المناوئ للجزائر الذي أصدره القنصل المغربي من وهران، أي من الأراضي الجزائرية، وبعدها تحرّكات وزير خارجيتها بتوزيع قصاصات عدوانية ضد الجزائر في مؤتمر حركة عدم الانحياز، وصولا لإصدار وزير خارجية الكيان الصهيوني  لتهديدات ضد الجزائر من المغرب، وهذا ما اعتبره رئيس الجمهورية بالعار.
باعتقادي الشخصي، الجزائر مستوعبة جيدا للوضع ومستعدة لأي طارئ، والشيء الذي يبعث على الاطمئنان أكثر، هو أنّ الجزائر لها علاقات متميزة مع كل الدول والقوى الكبرى، خاصة من خلال الزيارات المتبادلة بين هذه الدول والجزائر، إضافة لعلاقاتها مع المنظمات والمؤسّسات الإقليمية الدولية والعالمية موضّحة لهذه الكيانات التّحرّكات اللاّمشروعة من طرف المخزن المغربي.

- مع تزايد التّحدّيات المحيطة، أبانت الدّبلوماسية الجزائرية عن قدرات كبيرة في التعامل مع الوضع ومواجهة الأزمات، فما قراءتك للنّشاط الدبلوماسي في مواجهة التحديات المطروحة؟
 لا يمكن أن ننكر بأنّ الآلة الدبلوماسية  الجزائرية، بدأت تعود لحركيتها ومكانتها من خلال التوافق الدبلوماسي مع القوى الكبرى، والعودة القوية للحقيبة الدبلوماسية في العمق الإفريقي، خاصة بعد نجاح ندوة وهران للأمن والسلم الإفريقي في نوفمبر المنصرم، ونجاح الخطاب الدبلوماسي في الدورة الـ 35 لمجلس السلم والأمن الإفريقي، وتجميد عضوية الكيان الصهيوني كعضو مراقب في الإتحاد الإفريقي، إضافة للجولات الماراطونية للجزائر في العديد من الدول الإفريقية، وتحرّك الدبلوماسية الاقتصادية على الصعيد القاري، امتدادا لاستعداد الجزائر لاحتضان القمة العربية في نوفمبر المقبل، والتي تراهن على نجاحها، ما يجعل الجزائر رقما مهما في معادلة التوازن الإقليمي والدولي، وبالتالي يدرك الجميع حجم الدبلوماسية الجزائرية ومكانتها، ودورها الحيوي في إقرار الأمن خاصة في الساحل الإفريقي والعمق القاري، ودورها الهام في إعادة الأمن والاستقرار بالجارتين ليبيا ومالي.
وأهم التحديات التي تضعها الجزائر في قلب اهتماماتها، هي مكافحة الإرهاب وتجفيف منابع تمويل الجماعات الإرهابية والجريمة المنظمة، وأهم تحد هو استعادة دورها الريادي والتاريخي، عربيا، إفريقيا، عالميا، من خلال إحياء دور وأهمية الأمن والسلم كما كانت عليه سابقا.

- يصعب الاقتناع بأنّ رئيس حكومة إسبانيا أقرّ الطّرح الاستعماري المغربي في الصّحراء الغربية فقط من أجل أن يعيد علاقته مع الرباط، الأكيد أنّ وراء هذه الصفقة مقاصد أخرى، فماذا يخفي التقارب الإسباني المغربي؟
 هذا التقارب جاء نتيجة الموقف الإسباني المفاجئ من قضية الصحراء الغربية، ما جعل مدريد تفتح لنفسها جبهة دبلوماسية جديدة ضد الجزائر، وضدّ كل الدول التي تؤمن بالشرعية الدولية والقضايا العادلة، ما أدى لاستدعاء السفير الإسباني للاستفسار، وبفضل الضغط الجزائري انتفض البرلمان الاسباني والأحزاب الاسبانية ضد بيدرو سانشيز، وتمّت مطالبته بالعدول عن قراره والامتثال للشرعية الدولية. كما مارست الجزائر ضغوطات اقتصادية من خلال توجيه رسالة رسمية لمدريد بتوقيف إمداد الغاز الجزائري  إلى المغرب من خلال إسبانيا، كون الجزائر تزوّد إسبانيا بالغاز الطبيعي عبر خط أنابيب «ميدغاز» الذي يربط البلدين مباشرة، وتبلغ طاقة الخط 8 مليارات متر مكعب سنويا، وتجري عليه حاليًّا أشغال توسعة لرفعها إلى 10.6 مليارات متر مكعب سنويًا، خاصة بعد غلق الخط الثاني الذي يصل جنوب المملكة مرورا بالمغرب الخريف الماضي. وبالتالي بالرغم من هذا التحالف الإسباني من قبل حكومة سانشيز والمخزن ضد الجزائر، يمكن القول بأن الجزائر لديها عدة أوراق رابحة يمكنها أن تضغط بها على إسبانيا لم توظّفها احتراما لمتانة العلاقات الدبلوماسية القوية والتاريخية بين الطرفين.

-  بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، دخلت الطاقة ومصادرها إلى حلبة الصراع  الدولي، كيف تتصوّر الموقف الجزائري حتى لا تتأثّر مصالحها؟
الجزائر تساير هذا الملف بكثير من الذكاء والهدوء، فلا توجد أي ملاحظات توجّه حاليا للجزائر حول تصدير النفط، كون الأمور مضبوطة بتعاقدات رسمية لا يمكن التلاعب بها، لكن طبعا هناك تقارير تريد إقحام الجزائر من خلال موضوع الطاقة في حلبة الصراع النفطي العالمي، ومن جهات واضحة ومعلومة ترغب في الإساءة لبلادنا، وتريد إقحامها في أزمات وصراعات مع القوى الدولية بالخصوص الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، ولكن باعتقادي الجزائر ستفصل في كل هذه النقاط خلال الاجتماع المقبل لمنظمة الأوبك.

- أكيد أنّ مواجهة التّحديات الخارجية بحاجة إلى جبهة داخلية هادئة وموحّدة، فكيف هو عمل الجزائر على هذا المستوى؟
 نعم، وهذا هو الأهم لأنّ المواطن البسيط لا يحتك بهذه التجاذبات العالمية والإقليمية التي ذكرتها سابقا، وبالتالي أرى بأنّه من الضروري الاستمرار في مواصلة العمل على حماية الأمن الوطني وحماية القدرة الشرائية للمواطن بالدرجة الأولى، وتعزيز الحقوق المدنية والسياسية، والدفع نحو اقتصاد بديل عن الريع البترولي ينعش الاقتصاد الوطني،
ويؤسّس لرفاهية المواطن الذي هو صمّام الأمان للجزائر سياسيا وفكريا واقتصاديا.
ولعلّ مبادرة الرئيس الأخيرة المتمثلة في لمّ الشمل هي من أهم الآليات والإستراتيجيات لحماية البلد داخليا من أي تهديد خارجي محتمل.