طباعة هذه الصفحة

في ذكرى النكبة..

كـــفــاح لا يـنــقـطـع وحـق لا يمـوت

بقلم الدكتور فؤاد جدو أستاذ العلوم السياسية

بجامعة محمد خيضر بسكرة، يعتبر تاريخ 15 ماي 1948 تاريخا مفصليا في مسار الأمة العربية و الفلسطينية خصوصا، فهذا التاريخ يمثل إعلان قيام الكيان الصهيوني وقيام حرب 1948 بين الدول العربية والكيان الصهيوني، فهذا المغتصب الذي أخذ شيء ليس من حقه بموجب وعد بلفور الذي صدر في 1917 حيث وعد وزير الخارجية البريطاني اليهود بمنح أرض لهم، وكان لهم ذلك، بعد مسار من التخطيط والمكر والتلاعب بالقوانين، بحكم قوة الانتداب البريطاني المفروض على فلسطين دون إغفال الدور والدعم الأمريكي لإنشاء الكيان الصهيوني بكل الوسائل .

بعد إعلان قيام الكيان الصهيوني، سارعت الدول الكبرى إلى الاعتراف به، مما يعزّز أمر الواقع، رغم دخول الدول العربية المحيطة بفلسطين في حرب ضد الكيان الصهيوني، إلا أن هذه الحرب انتهت بهزيمة لأسباب عديدة ما علم منها وما جهل، إلا أن هذه الحرب أظهرت ضعف وهشاشة هذه الأنظمة العربية و الباقي منها كان لا يزال تحت الاستعمار، وبعد فشل العمل العسكري، اتجهت الدول العربية إلى أروقة الأمم المتحدة من أجل تغير الواقع وإن كانت مسارات العمل الاممي قد انطلق حتى قبل إعلان قيام الكيان الصهيوني، فكان منها فكرة تقسيم فلسطين بين الفلسطينيين واليهود ومنطقة القدس تحت سلطة الأمم المتحدة، إلا أن المقترحات المقدمة لم تقبل ولم تطرح بدائل، وهذا ما رسم سياسة الأمر الواقع، من تشريد شعب بأسره في دول الجوار والعديد من دول العالم وسلبت المنازل والأراضي وقتل الآلاف وأصبح يهود الشتات هم أهل الأرض وأصحاب الأرض تحولوا إلى شعب الشتات.
الحروب العربية - الصهيونية
لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استمر اليهود في بناء نزعة توسعية حيث وضعوا تصورات قائمة على تفعيل حدود وفق الموروث التاريخي والديني اليهودي من النهر إلى النهر، فبعد العدوان الثلاثي الذي وجه لمصر في 1956 والذي جاء للحد من إعادة تشكيل القوة المصرية ما بعد الثورة المصرية، قام الكيان الصهيوني بشن عدوانها وحربها في 1967 والتي عرفت بحرب ستة أيام حيث تمكن الكيان الصهيوني من احتلال سيناء و الضفة الغربية من الأردن وهضبة الجولان من سوريا، وأصبحت النكبة نكبات مع الوضع الجديد الذي قام على فكرة تفوق الكيان الصهيوني، ولم يكن من خيار أمام الفلسطينيين، إلا المقاومة وتم بداية مشروع إنشاء حركة فتح وبداية الكفاح والمقاومة الفلسطينية في بيئة دولية تميزت بالثنائية القطبية والتصارعات الايدولوجية، مما جعل المنطقة العربية تنقسم بين معسكرين، إلا أن موضوع القضية الفلسطينية كان لها لدعم العالمي خاصة مع دعم الانظمة الشيوعية والاشتراكية فكرة حق الشعوب في التحرر المقاومة.
وجاءت بعدها حرب 1973 أو حرب 10 من رمضان حيث تحولت معطيات معادلة القوة في المنطقة بعد عبور القوات المصرية قناة السويس، حيث أعاد الانتصار العربي بعض من التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، ترتب عليها عودة تيار القومي العربي بشدة وأعطى دفعا للمقاومة الفلسطينية للتحرك أكثر في الساحة الدولية غير أن مسار التطبيع المصري مع الكيان الصهيوني غير من قواعد اللعبة في منطقة الشرق الأوسط ككل، بل القضية الفلسطينية على وجه الخصوص حيث جاءت اتفاقية كامب ديفيد كمنعرج حاسم في مسار القضية الفلسطينية، حيث أعلنت الدول العربية الممثلة في محور الممانعة مقاطعة مصر ونقل مقر جامعة الدول العربية إلى تونس وبدا بعدها فصل آخر في القضية الفلسطينية، بإعلان قيام الدولة الفلسطينية بالجزائر واندلاع الانتفاضة الفلسطينية التي كان رمزها الحجارة.
القضية والتحوّلات الراهنة
جاء النظام الدولي الجديد بمتغيرات غيرت موازين القوة في العالم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والحركة الاشتراكية التي كانت خطا داعما لحركات التحرر والقضية الفلسطينية إلى جانب النتائج المترتبة عن الحرب الخليجية الثانية وعودة جامعة الدول العربية إلى القاهرة، هذه المتغيرات أدت إلى انخراط موجة ثانية من الدول العربية في مسار التطبيع والتي انتهت باتفاق اسلوا الذي أنتجت قيام السلطة الفلسطينية هذا الاتفاق جاء وفق معادلة الأرض مقابل السلام ومن هذه المنطلق دخلت القضية الفلسطينية في مسار طويل لا يزال مستمرا إلى يومنا هذا بين تسويف و مماطلة من طرف المحتل الصهيوني أو الولايات المتحدة الأمريكية.
ربما القضية الفلسطينية منذ هذا التاريخ تحولت من سياق الصراع العربي الصهيوني إلى الصراع الفلسطيني الصهيوني  وحصر دائرة الصراع في معادلة الأرض مقابل السلام والعودة إلى حدود 67 التي لم تتغير من طرف الكيان الصهيوني، بسبب تغير مطالبه في كل مرة وتقديم مطالب جديدة كشرط للمفاوضات الفلسطينية مع الكيان الصهيوني، حيث تتصاعد المطالب بشكل دوري، أين طالب الكيان الصهيوني بالاعتراف بيهودية الدولة الصهيونية وإسقاط حق اللجوء وبالتالي ما اتفق عليه من قبل في إطار اتفاق اسلوا وبقاء الأمور تتخبط بشكل دوري، وما زاد الوضع سوءا الانتهاكات الدورية التي يتعرض لها الفلسطينيين من قتل وانتهاك لحقوق الإنسان بدعم مباشر من الولايات المتحدة الأمريكية، أما باستخدام الفيتو على مستوى مجلس الأمن أو بغض البصر إعلاميا عن الانتهاكات التي يقوم بها الكيان الصهيوني في كل مرة. لم يتغير شيء على مستوى القضية الفلسطينية خلال مرحلة النظام الدولي الجديد إلا سوءا، أين تغيرت المعادلة حيث أصبح الخلاف بين الفصائل الفلسطينية.
ترامب و «صفقة القرن»
لم تعرف الولايات المتحدة رئيسا تفاعل مع القضية الفلسطينية، بشكل منحاز للكيان الصهيوني مثل ترامب، فما قدمه ترامب خلال عهدته لم يكن يحلم به الكيان الصهيوني، فقد اعترف بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني وافتتح السفارة الأمريكية في القدس، في ذكرى قيام الكيان الصهيوني، ليس هذا فحسب بل اعترف بهضبة الجولان السورية كجزء من الكيان الصهيوني، وبهذا أعطى مساحة أكبر لهذا الكيان بترسيم حدود هي أساس المفاوضات الفلسطينية والكيان
الصهيوني المحتل، أو ما يعرف بحدود الدولتين بل أبعد من ذلك، اقتراح ما يعرف بصفقة القرن، هذه الصفقة التي جاءت وفق تصورات جديدة للصراع الفلسطيني الصهيوني، من خلال اقتراح توطين اللاجئين الفلسطينيين في الدول التي يقيمون فيها كالأردن ولبنان وسوريا، مقابل مساعدات مالية تقدن لهم إلى اقتطاع جزء من أراضي السلطة الفلسطينية لصالح الكيان الصهيوني خاصة في الضفة الغربية، والمرحلة الموالية وهي التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني مع دول عربية، أي الاعتراف الكامل بينهم هذا التطبيع فتح آفاقا كبيرة للكيان الصهيوني أن يتمدد في المنطقة العربية ككل إلى جانب منطقة المغرب العربي حيث فتح ثغرة في هذه المنطقة من خلال المغرب حيث فقدت القضية الفلسطينية دعما وانشقاق الصف العربي أكثر من خلال الانتقال لمرحلة التنديد بالمقاومة والسكوت على الانتهاكات الصهيونية التي تمارسها على سكان قطاع غزة أساسا، وبالتالي تحولت المقاومة الفلسطينية من حق يكفله القانون الدولي اإى اتهام بالإرهاب وهذا مؤشر خطير.
ومع الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة، اتضحت موازين القوى الدولية في التعامل مع حقوق الشعوب في الدفاع عن حقها في الحياة والوجود، فالعالم الغربي يقف إلى جانب أوكرانيا ضد روسيا بالسلاح والعتاد واتهام روسيا بالإرهاب وهذا لو اسقطناه على القضية الفلسطينية مع الانتهاكات الصهيونية اليومية، فإننا نجد غياب كلي للمجتمع الدولي والمؤسسات الدولية فيما يجب القيام به من حماية للشعب الفلسطيني وآخر جريمة إنسانية ارتكبها الاحتلال، هو اغتيال الصحفية شيرين أبو عقلة أمام عدسات العالم ولم يتحرك مجلس الأمن أو أي جهة رسمية أو غير رسمية بالتنديد أو فرض عقوبات على هذا الكيان، بل مر الأمر في صمت كأنه لم يكن وهذه التجاوزات الخطيرة تمارس بشكل يومي من طرف الكيان الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني.
إن مصلحة الدول حاليا هي التي تتحكم في القرارات و التصرفات الدولية تجاه الأزمات الدولية خاصة الغرب والولايات المتحدة الأمريكية تحديدا، وهذا ما زاد من تمدد الاحتلال في طغيانه.
بل أكثر من ذلك نجد أن الكيان الصهيوني اتجه إلى التوغل في العمق الإفريقي وهذه الحركة أو المحاولة التي وقفت لها الجزائر بالمرصاد لم تكن لتكون، إلا بدعم دول اعتبرت التطبيع مفتاح لعلاقاتها الخارجية، وهذا سيؤثر على القضية الفلسطينية خاصة أن الدول الافريقية تعتبر الكفاح وحق الشعوب في تقرير مصيرها من بين الأسس التي قامت عليها إفريقيا، إلا أن انقسام إفريقيا أمام الكيان الصهيوني المحتل سيفقد القضية الفلسطينية هذا الزخم التي تحظى به القضية إلى حد الساعة السيناريوهات المستقبلية.
الصراع الفلسطيني الصهيوني ليس فقط صراع عسكري أو استراتيجي، بل هو صراع مركب وأعمق من خلال تقاطع الأبعاد الحضارية والدينية والتاريخية والأهم، حق الأرض والعيش على أرض فلسطين وبالتالي من الصعب حسم الأمور، إلا أننا يمكن أن نستعرض السيناريوهات التالية:
أولا: السيناريو الممكن هو تمدد التطبيع والذي أطلق عليه اسم موسم الهجرة نحو «تل ابيب» من المحتمل أن تتسع دائرة الدول المطبعة والتي قطعت أشواطا في مسار المفاوضات، وهذا سيعزز العزلة أكبر على القضية الفلسطينية وستحول الجلاد إلى ضحية، وهذا سيؤدى إلى إنهاء المقاومة أو على الأقل إضعافها، وهذا لا يعني غياب الدعم من بعض الدول العربية والصديقة للقضية الفلسطينية على غرار الجزائر وجنوب إفريقيا.
ثانيا: تشكيل جبهة دعم دولية تقودها دول صديقة وداعمة للقضية الفلسطينية وهذه الحالة تكون في حال تراجع الغرب في الأزمة الروسية الأوكرانية، فإذا استطاعت روسيا فرض منطقها و تحقيق هدفها في المنطقة سيضعف نوعا ما الأدوار التي تقوم بها الولايات المتحدة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية وبالتالي إضعاف موقف الدول المطبعة والداعمة للكيان الصهيوني.
ثالثا: وهو عودة المقاومة في أشكال متنوعة وعديدة في ظل بقاء الوضع على ما هو عليه، فلا يبقى أمام الفلسطيني، إلا القيام بالدفاع عن أرضه وحقه باستخدام الكفاح  حتى و إن كان يتم بطرق بسيطة و لكن تأثيرها فعال ريثما تتغير قواعد اللعبة السياسية الدولية.

في الأخير يمكن القول أن تاريخ النكبة، إن كان محطة لميلاد كيان غاصب، فالأكيد أن الحق الفلسطيني حقيقة لا جدال فيها ما دام فيها شعب يطالب بحقه فأكيد سينتصر.