طباعة هذه الصفحة

رحلت بعد نصف قرن من العطاء الفني

شافية بوذراع..رمز للأمّ الجزائرية المناضلة

حبيبة غريب

رحلت، أول أمس، المجاهدة والممثلة القديرة شافية بوذراع، المرأة الرمز التي جسّدت عن جدارة دور «الأم  الجزائرية» الصّامدة والحنونة والشجاعة والمقاومة عن عمر ناهز 92 سنة، بعد نصف قرن من العطاء الفني المليء بالأعمال السينمائية والمسرحية والتلفزيونية، ووريت الثرى بمقبرة العالية بالجزائر العاصمة.
 
«هذه القامة التي تشبه أمّي في صغرنا وتشبه أمي في كبرنا، هذه القديرة التي تشبهها حتى في عام مولدها، والتي حين أراها أود معانقتها واحتضانها وأشكو لها الزمان، هذه الكبيرة التي حين تبتسم وحين تبكي أبكي معها وأبتسم معها لأننا كبرنا بها، لالة وستي وجدة.. هكذا بكل المناداة وبكل الألقاب لم تكن تحتاج إلى حوار لتمثل به، بل قل لها ربّة بيت ستفيض أمومة وستضحك وتصرخ وتخاف وتبكي وستبدع في أكثر من مشهد، نعم هذه التي تشبه أمي هي أمي، من أقنعتنا في أكثر من عمل بروحها بجمالها وبأدائها، نعم سيدة الشاشة هي أمي..ألف رحمة عليك جنة الفردوس تنعمين بها إلى الخلد «لالة عيني»..
هكذا وبهذه الكلمات المشحونة بألم الفراق وبحسرة الوداع الأبدي، نعى الممثل والفنان حكيم دكار الراحلة شافية بوذراع، والتي أرجع خبر وفاتها أول أمس عن عمر يناهز 92 سنة كل الجزائريين إلى أحداث المسلسل التلفزيوني «الحريق» ودور «لالة عيني» الذي أبدعت فيه بكل جوارحها، وتميزت بأدائها وتفانيها في عملها الفني.
ولدت شافية بوذراع واسمها الحقيقي عتيقة بوذراع في مدينة قسنطينة في 22 أفريل من سنة 1930، تزوجت في سن 14 سنة من المناضل الفذ والشهيد صالح بوذراع.
انطلقت مسيرتها الفنية سنة 1960، وحققت شهرتها وحضورها القوي على شاشة التلفزيون في السبعينيات من القرن الماضي من خلال مشاركتها في مسلسل «الحريق» للمخرج مصطفى بديع، المقتبس عن رائعة الكاتب الكبير محمد ديب، وأعادت الكرة في التألق والتميز مرة أخرى مع المخرج مصطفى بديع عام 1974 في الفيلم التاريخي الكوميدي «هروب حسان الطيرو»، إلى جانب الممثل الكبير الراحل رويشد.
ثم كان لها دور في فيلم «الشبكة» سنة 1976 للمخرج الغوثي بن ددوش، وفي سنة 1977 في فيلم «ليلى والأخريات» لسيد علي مازيف، كما تألّقت أيضا في دور الأم التي تحاول تزويج ولدها سنة 1982 في فيلم «امرأة لولدي» من إخراج علي غانم.
مثّلت الراحلة أدوارا في أفلام من إنتاج أجنبي مع عدة مخرجين من بينهم ألكس ميتاير وشاد شينوغا، وكان من بين هذه الأفلام «شاي بالنعناع» للمخرج عبد الكريم بهلول من إنتاج فرنسي بلجيكي سنة 1984.    
بعد أدائها المتميز لدور الأم المقاومة للظروف الصعبة وللاستعمار في مسلسل الحريق، تألقت الراحلة شافية بوذراع مرة أخرى في دور والدة الثائر سليمان في فيلم «الخارجون عن القانون» للمخرج رشيد بوشارب، والذي يحكي قصة عائلة جزائرية أجبرت بعد تمرد ابنها على الفرنسين وجبروت «القائد» على مغادرة البلاد غداة مجازر 8 ماي 1945 للعيش في فرنسا إلى غاية الأحداث الأليمة لمجازر 17 أكتوبر 1961، حيث نال فيلم «الخارجون على القانون» جائزة بدمشق في إطار المنافسة على جائزة أوسكار لأفضل فيلم أجنبي وكذا في إطار المنافسة على السعفة الذهبية في مهرجان كان لسنة 2010، أين أثار جدلا كبيرا بشأن الأحداث الأليمة التي تطرق إليها.